عدد المقالات 391
في يومٍ مقدّس من عام 1779، رست سفن الكابتن جيمس كوك على شواطئ جزر هاواي. لم يكن يدري، وهو البحّار القادم من المناطق الباردة، أنه يدخل أرضًا تقرأ الزمن بطريقة مختلفة، وتمنح القادمين من البحر مكانة لا تُكتسب، بل تُمنح عبر التوقيت والمعتقد والرمز. وصل كوك في موسم ديني مقدّس، يوافق طقوس إله البحر “لونو”، فظنّ سكان الجزر أنه الإله العائد، ففتحوا له أبوابهم وقلوبهم من خلال إيمانهم بأسطورتهم. وجد كوك نفسه محور الحدث، وداخل قصة لم يُخطط لها، لكن قصة الإله المنتظر كانت مكتوبة منذ قرون في المخيلة الجمعية. فلم يروا الرجل، بل المعنى. لم يرحبوا بالقائد، بل بالإله. وهذا هو أثر الثقافة حين تستدعي الأسطورة لتفسير الواقع. لكن الحكايات المقدّسة لا تصمد طويلًا أمام تناقض الأفعال. فعندما عاد كوك لاحقًا في غير توقيت المهرجان، حاملا سلوكًا عسكريًا، لم يعد ذلك الإله، بل الغريب وما إن اصطدمت الأسطورة بالحقيقة حتى ضاع التصور الإلهي. هذه قصة كوك، لكنها قصة عن الإنسان في جوهره: كيف يصنع رموزه، وفقًا لمعتقداته، ويراها بالطريقة التي يفترض أن تسير بها. من هنا، يأتي دور الثقافة باعتبارها جهاز المناعة الفكري للمجتمع. الثقافة الحيّة تتعامل مع الرمزية فتفككها، وتتعامل مع الإنسان كما هو، فتسمح له بالتعبير والنقد، وتدرّب الناس على المساءلة والمحاسبة. إنها البوصلة التي تعلّمنا أن المعنى لا يُسلَّم، بل يُفهم، وأن الرمز لا يعلو على الإنسان، بل يعبّر عنه.لو كان لدى سكان هاواي وعيٌ ثقافي نقدي، لربما احتفوا بالضيف دون أن يؤلّهوه، ولكنهم انساقوا خلف سردية لم يمتلكوا أدوات تفكيكها، فانتهت الحكاية بمرارة. الثقافة، حين تكون واعية، تمنحنا القدرة على التمييز بين الإيمان والتقديس، بين الإنسان والرمز، بين الصورة والحقيقة. ولذلك، تبقى الثقافة الحقيقية هي التي تحمينا، وتمنحنا شجاعة السؤال قبل شجاعة الإجابة. السؤال الموجَّه لك عزيزي القارئ: إلى أين تشير بوصلتك الثقافية؟ @maryamhamadi
يشهد العالم اليوم تحوّلات عميقة لم تعد تقتصر على التكنولوجيا أو الاقتصاد، بل امتدّت لتطال المفاهيم ذاتها التي شكّلت إيقاع حياتنا اليومية: ساعات العمل، وساعات التمدرس، ومعايير الإنتاجية والتعلّم والحياة المتوازنة. نحن أمام مرحلة جديدة...
تشهد دولة قطر في هذه المرحلة من مسيرتها التنموية تحولًا نوعيًا في فلسفة الإدارة العامة والموارد البشرية، أعاد تعريف العلاقة بين الإنسان والمؤسسة، وبين العمل والحياة. فالتعديلات الأخيرة التي أُقرّت على قانون الموارد البشرية تُعد...
ونحن نحتفي باليوم العالمي للمعلم، يتبادر إلى أذهاننا عدد كبير من المعلمين والمعلمات الذين قدّموا خلال سنوات طويلة أسمى معاني العطاء. أسماء غابت عن المشهد الحاضر، لكنها باقية في وجدان أبنائهم وبناتهم من طلبتهم، أولئك...
في العاشر من أكتوبر من كل عام، يلتقي العالم بشعار الصحة: لا صحة بلا صحة نفسية. وهو يوم لا يقتصر على رفع الشعارات، بقدر ما يعكس وعياً عميقاً بضرورة صون كرامة الإنسان من الداخل، والعناية...
رحلة جديدة نكتبها مع مربية فاضلة، الأستاذة عائشة عبد الرحمن العبيدان، ابنة التربية والتعليم، وبنت حي مشيرب في قلب الدوحة. وُلدت ونشأت بين أزقته البسيطة، تحمل في ذاكرتها عبق المكان وصدق الناس. درست المرحلة الابتدائية...
في الدوحة، المدينة التي عُرفت بأنها واحة للأمن والسلام وملاذ للباحثين عن الاستقرار، تعقد قمة عربية إسلامية طارئة بعد أن تعرضت قطر لعدوان إسرائيلي غاشم. إنّها دولة لم تبدأ حربًا قط، ولم تُشعل فتيل نزاع...
نبدأ رحلتنا التوثيقية مع نساء قطر اللواتي صنعن أثراً في المجتمع، نبدأ مع المديرة الفاضلة فاطمة سعيد السلولي، ابنة مدينة الريان. حين سألتها عن العمر، أجابتني بابتسامة: «العمر مجرد رقم». درست في مدرسة النهضة التي...
في مسيرة الأوطان، تبقى الأسماء والأفعال التي صنعت فرقًا شاهدة على أن العطاء بصمة تمتد في الذاكرة الجمعية لتلهم الأجيال. حين نتأمل تاريخ قطر خلال العقود الممتدة من عشرينيات القرن الماضي حتى منتصف التسعينيات (1920–...
مع انتهاء موسم الإجازات والعودة إلى المدارس، تتردد بكثرة عبارات «دوام»، وتتباين ردود الأفعال بين من يستقبلها بابتسامة متفائلة، ومن يتأفف وكأنها عبء ثقيل. كلمة صغيرة تحمل في داخلها مشاعر متباينة، فالإنسان هو الذي يحمّلها...
للألوان رمزية عميقة تتجاوز حدود الشكل لتصبح عناوين لأفكار وأزمنة. فقد ارتبطت كتب معينة بألوانها، وتحولت إلى مشاريع فكرية وسياسية غيّرت وجه التاريخ. فالكتاب الأخضر الذي أصدره معمر القذافي في سبعينيات القرن الماضي، وامتد حضوره...
التجارب الصادقة والشهادات الموثوقة هي مرآة تعكس القيم التي يقوم عليها النجاح المهني. ولذا، قدم العديد من المتخصصين خبراتهم كشهادات عالمية، تنقل المعرفة وتفتح الطريق أمام الآخرين. ومن أبرز هؤلاء جون ماكسويل، الخبير العالمي في...
هل تأملت يومًا في دلالات بعض الأسماء العالمية التي أصبحت تمثل علامات تجارية راسخة؟ في عالم التكنولوجيا، لا تحمل الأسماء مجرد طابع تسويقي، بل تعكس رؤى حضارية وفلسفات ثقافية عميقة. على سبيل المثال، يحمل اسم...