alsharq

مريم ياسين الحمادي

عدد المقالات 391

دوام

23 أغسطس 2025 , 10:43م

مع انتهاء موسم الإجازات والعودة إلى المدارس، تتردد بكثرة عبارات «دوام»، وتتباين ردود الأفعال بين من يستقبلها بابتسامة متفائلة، ومن يتأفف وكأنها عبء ثقيل. كلمة صغيرة تحمل في داخلها مشاعر متباينة، فالإنسان هو الذي يحمّلها المعنى؛ فمن يراها بداية جديدة يقرأ فيها وعدًا بالنمو والإنتاج والشعور بالأمان، ومن يراها قيدًا يستحضر من ورائها مسؤوليات تثقل كاهله. الدوام في جوهره قيمة إنسانية وروحية، تعكس نظرتنا للأمور وإرادتنا على الاستمرار. وقد لخّص رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام فلسفة الدوام بقوله: «أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل». فالقيمة ليست في ضخامة الفعل ولا في زخمه، بل في قدرته على الاستمرار وإحداث الأثر. وهذا ما يجعل العمل الصالح ممتدًا عبر الزمن، إذ لا يقاس بمقداره اللحظي، وإنما بعمقه وثباته. وللعمل الصالح صور كثيرة تبدأ من العبادات اليومية كالذكر والصلاة والصدقة، التي تبدو صغيرة لكنها إذا داومنا عليها صارت نورًا للروح وزكاة للنفس. وتمتد إلى العمل المهني حين يُؤدى بإخلاص وإتقان، فيتحول إلى عبادة تثمر نفعًا للناس وتعكس القيم الأخلاقية. هنا يبرز دور المهن الأساسية للإنسان لارتباطها بالإنسان بشكل مباشر، مثل مهنة الطبيب الذي يداوم على خدمة المرضى والتخفيف من آلامهم، والتمريض الذي يداوي جروح الناس و يتابع صحتهم، ومهن التعليم، وعلى رأسها المعلم، المثال الأوضح لفلسفة الدوام. فالمعلم لا يبني يومًا واحدًا، بل يزرع بذورًا صغيرة تتفتح عبر سنوات في عقول طلابه. دوام المعلم في الصف، وتكرار دروسه، وصبره على إعادة الشرح، كلها أعمال تبدو اعتيادية لكنها في الحقيقة أعظم صور العمل الصالح. فهو لا ينقل معلومة فحسب، بل يغرس قيَمًا، ويشكّل وجدانًا، ويزرع الأمل في أجيال قادمة. وإذا كان النجاح يحتاج إلى استمرارية، فإن أعظم مثال على ذلك هو سيرة معلمٍ داوم على عطائه حتى صار علمه صدقة جارية لا تنقطع. ولكي يثمر هذا الدوام في كل مهنة ورسالة، لابد أن يستند إلى قيم راسخة تشكّل روحه: فالإخلاص يجعل العمل متوجهًا إلى الله لا إلى المظاهر، والصبر يمدّنا بالقدرة على الثبات أمام التعب والملل، والصدق يضمن أن يكون الفعل نابعًا من أعماق القلب، والأمل يمنحنا الدافع لرؤية كل يوم جديد كفرصة لزرع خير آخر. بهذه القيم يتحول الدوام من روتين يومي إلى معنى أعمق يربط الأرض بالسماء، ويجعل من حياتنا رحلة متصلة نحو الغاية الأسمى. إن النجاح في الدنيا والقبول في الآخرة لا يتحققان بجهد عابر أو اندفاع مؤقت، وإنما بمسيرة طويلة من العمل الصالح المتواصل. المداومة وحدها هي التي تمنح لحياتنا اتساقًا ومعنى، وتحوّل خطواتنا الصغيرة إلى بناء متكامل يزداد ثباتًا مع الأيام. دعوة للجميع لنحول كلمة «دوام» إلى شعار إيجابي يذكّرنا بأن الاستمرارية في الخير، والعلم، والعطاء، هي سر السعادة في الدنيا، وطريق النجاة في الآخرة. ولنردّد مع كل صباح: «يلا دوام»… دوام على العمل الصالح، دوام على التعليم، دوام على ما يبني الإنسان ويرتقي بالمجتمع. @maryamhamadi

مع التغيرات العالمية.. هل نحتاج تعديل المعايير الدولية؟

يشهد العالم اليوم تحوّلات عميقة لم تعد تقتصر على التكنولوجيا أو الاقتصاد، بل امتدّت لتطال المفاهيم ذاتها التي شكّلت إيقاع حياتنا اليومية: ساعات العمل، وساعات التمدرس، ومعايير الإنتاجية والتعلّم والحياة المتوازنة. نحن أمام مرحلة جديدة...

تعديلات الموارد البشرية... الطريق إلى جودة الحياة

تشهد دولة قطر في هذه المرحلة من مسيرتها التنموية تحولًا نوعيًا في فلسفة الإدارة العامة والموارد البشرية، أعاد تعريف العلاقة بين الإنسان والمؤسسة، وبين العمل والحياة. فالتعديلات الأخيرة التي أُقرّت على قانون الموارد البشرية تُعد...

المعلم صانع الأثر

ونحن نحتفي باليوم العالمي للمعلم، يتبادر إلى أذهاننا عدد كبير من المعلمين والمعلمات الذين قدّموا خلال سنوات طويلة أسمى معاني العطاء. أسماء غابت عن المشهد الحاضر، لكنها باقية في وجدان أبنائهم وبناتهم من طلبتهم، أولئك...

الصحة النفسية والهوية الوطنية

في العاشر من أكتوبر من كل عام، يلتقي العالم بشعار الصحة: لا صحة بلا صحة نفسية. وهو يوم لا يقتصر على رفع الشعارات، بقدر ما يعكس وعياً عميقاً بضرورة صون كرامة الإنسان من الداخل، والعناية...

قطريات صنعن أثراً: عائشة عبد الرحمن العبيدان

رحلة جديدة نكتبها مع مربية فاضلة، الأستاذة عائشة عبد الرحمن العبيدان، ابنة التربية والتعليم، وبنت حي مشيرب في قلب الدوحة. وُلدت ونشأت بين أزقته البسيطة، تحمل في ذاكرتها عبق المكان وصدق الناس. درست المرحلة الابتدائية...

قطر وقمة الأمة

في الدوحة، المدينة التي عُرفت بأنها واحة للأمن والسلام وملاذ للباحثين عن الاستقرار، تعقد قمة عربية إسلامية طارئة بعد أن تعرضت قطر لعدوان إسرائيلي غاشم. إنّها دولة لم تبدأ حربًا قط، ولم تُشعل فتيل نزاع...

قطريات صنعن أثراً.. فاطمة سعيد السلولي

نبدأ رحلتنا التوثيقية مع نساء قطر اللواتي صنعن أثراً في المجتمع، نبدأ مع المديرة الفاضلة فاطمة سعيد السلولي، ابنة مدينة الريان. حين سألتها عن العمر، أجابتني بابتسامة: «العمر مجرد رقم». درست في مدرسة النهضة التي...

قطريات يصنعن أثراً

في مسيرة الأوطان، تبقى الأسماء والأفعال التي صنعت فرقًا شاهدة على أن العطاء بصمة تمتد في الذاكرة الجمعية لتلهم الأجيال. حين نتأمل تاريخ قطر خلال العقود الممتدة من عشرينيات القرن الماضي حتى منتصف التسعينيات (1920–...

الكتب ألوان وأفكار

للألوان رمزية عميقة تتجاوز حدود الشكل لتصبح عناوين لأفكار وأزمنة. فقد ارتبطت كتب معينة بألوانها، وتحولت إلى مشاريع فكرية وسياسية غيّرت وجه التاريخ. فالكتاب الأخضر الذي أصدره معمر القذافي في سبعينيات القرن الماضي، وامتد حضوره...

شهادات عابرة للحدود

التجارب الصادقة والشهادات الموثوقة هي مرآة تعكس القيم التي يقوم عليها النجاح المهني. ولذا، قدم العديد من المتخصصين خبراتهم كشهادات عالمية، تنقل المعرفة وتفتح الطريق أمام الآخرين. ومن أبرز هؤلاء جون ماكسويل، الخبير العالمي في...

الاسم التجاري مرآة الهوية الوطنية

هل تأملت يومًا في دلالات بعض الأسماء العالمية التي أصبحت تمثل علامات تجارية راسخة؟ في عالم التكنولوجيا، لا تحمل الأسماء مجرد طابع تسويقي، بل تعكس رؤى حضارية وفلسفات ثقافية عميقة. على سبيل المثال، يحمل اسم...

البوصلة الثقافية

في يومٍ مقدّس من عام 1779، رست سفن الكابتن جيمس كوك على شواطئ جزر هاواي. لم يكن يدري، وهو البحّار القادم من المناطق الباردة، أنه يدخل أرضًا تقرأ الزمن بطريقة مختلفة، وتمنح القادمين من البحر...