


عدد المقالات 336
طرحت الأحداث الأخيرة التي شهدتها مدينة الرمادي عاصمة الأنبار أسئلة كثيرة، من بينها: أين تقف العشائر في هذه الفوضى المشتعلة التي يتبارى فيها (التوحش العالمي) و(التعصب الطائفي) تخريبا وتدميرا وانتهاكا لحقوق الإنسان والحيوان! بلمحة تاريخية سريعة يمكن متابعة البوصلة التي تضبط التحرك العام لهذه العشائر، والتي تعيننا -لا شك- على فهم الموقف الأخير، والقدرة على التنبؤ بمواقفها المتوقعة إزاء أي حدث قادم. في 2003 وقفت عشائر الأنبار موقفا حاسما وموحدا ضد الاحتلال الأميركي، وشهدت أرض الأنبار في الرمادي والفلوجة وهيت وحديثة والقائم وكل المدن والقرى الأخرى مواجهات ومعارك كبرى أذهلت الأميركيين وحلفاءهم، وأدهشت العالم كله. وأوشك الاحتلال على إعلان الهزيمة، وكانت المقاومة تتهيأ للاحتفال بالنصر، ففوجئ الناس بصعود التنظيم الذي لبس ثوب القاعدة أولا، ثم أعلن عن دولته (الإسلامية)، ولم تترك (الدولة) فرصة كافية للتخمين والتفكير، بل بدأت بمشروعها في مقاتلة كل فصائل المقاومة دون استثناء، ثم انتقلت بسرعة إلى استعداء العشائر وإهانة شيوخها واستخدام الحرق والذبح بحق أبنائها -كما هو مصور وموثق في أدبيات الدولة- وقد كانت محافظات أخرى كبغداد وديالى تتعرض لما تتعرض له الأنبار ولكن على يد الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران وتحت نظر الأميركان! هذا الوضع المفاجئ والمربك بحيثياته وتداعياته جعل هذه العشائر تعيد حساباتها وصياغة أولوياتها، وكانت القيادة الأميركية تتوقع هذا، ولذلك بادر الرئيس بوش الصغير بزيارة شيوخ العشائر في الرمادي نفسها، وبحسب التسجيل المصور فإنهم طلبوا منه أن يمدهم بالسلاح للوقوف بوجه إيران والقاعدة، وهكذا تمكن الأميركيون من خلال (إيران والقاعدة) أن يحولوا بوصلة هذه العشائر من مقاومة أميركا إلى التحالف معها! تمكنت عشائر الأنبار بسرعة مذهلة فعلا أن تطرد القاعدة أو (الدولة) إلى عمق الصحراء، ثم بدأت مرحلة استقرار وعمران لا بأس بها، فأعيدت تقريبا كل المباني المهدمة بسبب الحرب، وفتحت الأسواق، وتشجع الناس على المشاركة السياسية، حتى صدم المالكي بنتائجها، وهذا كله بالطبع لم يرق له ولا لإيران، ومن هنا بدأت نذر مواجهة جديدة أسماها المالكي (معسكر الحسين ومعسكر يزيد)، والتي لم تكن في الحقيقة سوى خطة إيرانية للتخلص من مركز الثقل المناوئ لها ولأطماعها في العراق والمنطقة كلها، بدأت هذه الخطة بحملة (الملفات) ضد السياسيين السنة كعدنان الدليمي وطارق الهاشمي ورافع العيساوي، مترافقة مع تصفيات جسدية واعتقالات واسعة في صفوف العلماء والمثقفين والتجار وحتى النساء. برد فعل سريع ولافت تمكنت عشائر الأنبار من تنظيم اعتصامات ومسيرات مليونية، ثم توسعت لتشمل كل المحافظات السنية، ولقد ساهمت كل العشائر بهذا الحراك ماديا ومعنويا، ووقف شيوخها على المنصات يتحدون إيران والمالكي لسنة كاملة، وكل هذا مسجل وموثق، والعالم كله كان يرى ويسمع ويشهد، نقول هذا حتى لا يشكك أو يزايد على هذه العشائر أحد مهما كان. بحكم قلة معرفته بالعشائر وأعرافها وتقاليدها راح المالكي يحشد قطعانه ومليشياته لحرق الخيام ومنصات الاعتصام، فتصدت العشائر لهذه السفاهة، وأظهرت معدنها الأصيل شجاعة ومروءة وكرما، فلم تقتل أسيرا واحدا، والكل يذكر قصة (الدشاديش)، لقد انهارت قوات المالكي عسكريا ونفسيا وأخلاقيا، وملئت مضايف الأنبار بالعوائل القادمة من الجنوب تسأل عن مصير أبنائها، لقد كانت الأجواء مبشرة بالخير حتى على مستوى (اللُّحمة الوطنية) ومحاولة تخفيف الاحتقان الطائفي، في هذا الظرف بالذات تحركت (داعش) مرة أخرى من عمق الصحراء بأرتال مكشوفة ورايات مرفوعة، لم تعترضهم نقطة تفتيش واحدة، وما أشبه الليلة بالبارحة! لقد احتارت العشائر هذه المرة بين الاستمرار في مواجهة حكومة المالكي أو التصدي لداعش، وربما كان من الصعب على الأرض الجمع بين الخيارين مرة واحدة، إلا أن الذي جعل الكفة تميل لصالح الحكومة أن الحكومة تقبل بمبدأ التحالف والتعاون مع العشائر في مواجهة داعش، بينما داعش ترفض مبدأ التحالف من أساسه! حتى إن الفصائل التي أصرت على الاستمرار في مقاتلة الميليشيات وعدم التعرض لداعش مثل جيش المجاهدين وجيش رجال الطريقة النقشبندية وجيش العزة والكرامة كانوا هدفا لاعتداءات داعش أكثر من غيرهم! وربما كان أيضا مشهد المدن المدمرة التي تسيطر عليها داعش قياسا بالمدن الأخرى التي لم تتمكن داعش من دخولها مثل مدينة حديثة وعامرية الفلوجة عاملا آخر في الترجيح، إضافة إلى التغير الذي طرأ على الحكومة بسقوط المالكي ومجيء العبادي، وقد أنتج كل هذا هزيمة جديدة لداعش في قلب محافظة الأنبار. إن هذا السياق المتصل يؤكد أن عشائر الأنبار قوة كبيرة ومؤثرة في المنطقة، وأنها ترفض المشروع الإيراني بأي ثوب جاء، كما ترفض الإرهاب والتوحش حتى لو لبس ثوب التدين والتسنن، وأنها تمتلك مرونة عالية في تغيير مواقعها وتحالفاتها بحسب ما تقتضيه طبيعة الميدان. إن هذه العشائر لا تحكمها إيديولوجيا معينة، ولا ترتبط بتنظيمات أو مؤسسات، ولا تخضع لفتاوى المفتين، ولا تنظيرات المنظرين، وكل هؤلاء يمكن أن يجدوا أنفسهم معزولين عن التأثير في حالة أنهم قصروا أو أخطؤوا في قراءة المشهد الذي تقرؤه هذه العشائر وتبني مواقفها المصيرية على أساسه. أما السيناريو الأسوأ والذي يمكن أن تصل إليه هذه العشائر -لا قدر الله- فهو حالة الفراغ التي تخلفها سياسة (التغافل) العربي والإسلامي، مما يترك ألف ثغرة وثغرة للشيطان الذي يتربص بهذه المنطقة والأمة كلها. إن الاهتمام بالظواهر (الصورية) و(الصوتية) والتغافل عن القوة المؤثرة والمجربة في الميدان، يعكس سطحية المعلومات التي تصل إلى أصحاب القرار، أو أن أصحاب القرار أنفسهم غير جادين ولا مكترثين! • drmaiash@facebook.com @maiash10
هناك من يردد سؤالاً آخر مؤدّاه، ماذا نفعل إذا وجدنا في البخاري ما يعارض القرآن الكريم، أو يعارض العقل؟ وهذا السؤال بدأ يتردد مع هذه الموجة كجزء من حملة التشويه ومحاولة النيل من مكانة البخاري...
المسألة ليست مسألة تقديس للبخاري، ولو كانت المسألة كذلك لاتجه الناس إلى موطّأ الإمام مالك إمام دار الهجرة، أو مسند ابن حنبل إمام أهل السنّة، بل لقدّسوا مرويّات البخاري نفسه في كتبه الأخرى، فالمسألة عند...
إن هذا الاضطراب والتخبّط لدى هؤلاء يكشف أيضاً عن جهل عريض في أصول هذه العلوم ومبادئها الأولية، ولذلك لا ترى هذا الطعن إلا منهم ومن أمثالهم، ممن لا علم لهم بالسنّة وعلومها. إن علماء السنّة...
يتعرض صحيح البخاري هذه الأيام لحملة من التشكيك وإثارة الشبهات، مع حالة من الغموض بالنسبة لدوافعها وغاياتها، والعلاقات التي تجمع بين أصحابها، الذين كأنهم تفرّغوا اليوم أو فُرّغوا لهذه المهمة. هؤلاء بالعموم لم يُعرف عنهم...
لست أهوّن أبداً من مشروعية الغضب في مثل هذه الصدمات، بل أعتبر هذا دليلاً على حياة الأمة واعتزازها بهويتها وبذاتها، وبالعنوان الكبير الذي يجمعها، رغم محاولات تغييبها وتجزئتها، فحينما أرى شاباً عربياً أو تركياً أو...
قبل ثلاثين سنة، استبشر التيار الإسلامي بالانقلاب الذي قاده الرئيس عمر حسن البشير، وتصاعدت الآمال بالنموذج المرتقب للحكم الإسلامي المعاصر، وصار الناس يتداولون الأخبار والقصص عن زهد الرئيس البشير وتواضعه وحكمته، حتى سمعت من أحد...
بقرار من وزارة التعليم في دولة قطر، تشكلت لجنة من الكفاءات العالية لمراجعة وثيقة المعايير المتعلقة بمناهج التربية الإسلامية. وقد جاء القرار بحد ذاته ليعكس رؤية عميقة وواعدة يمكن تلخيصها في الآتي: أولاً: الاهتمام الخاص...
إن الحكم الوراثي السلالي كان جزءاً من ثقافة العرب عموماً، فإذا مات شيخ القبيلة ورثه ابنه، فإن لم يتهيّأ كان أقرب الناس إليه، ودول العالم المجاور للجزيرة -على الأقل- لم تكن تعرف غير هذا، وحينما...
من الغريب جداً أن «المتنورين» بروح العصر وقيمه وثقافته، يجعلون معيار الحكم على تلك المرحلة معياراً مستنداً بالأساس إلى روح «القداسة» أو قداسة «الروح»، فمرة يحدّثونك عن جريمة الخروج على الإمام علي، بمحاكمة أحادية الجانب،...
التاريخ بكل تأكيد لا تصنعه الملائكة، وإنما هو صناعة بشرية بأحداثه ومواقفه ورواياته وتدويناته وتحليلاته واستنتاجاته ومصادره، إلا ما ورد منه بآية قرآنية أو حديث صحيح. هذه المقدمة -التي ينبغي ألا نختلف فيها- تفتح باباً...
تستغل الباطنية اليوم حالة الضعف العام الذي تمر به الأمة سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وما يصاحبها من تفكك واضطراب في المنظومة القيمية والعقدية الجامعة، وتراجع مستويات التعليم الديني، وعجز المؤسسات الشرعية والجماعات الإسلامية عن مواجهة التحديات...
الباطنية مذاهب مختلفة، يجمعها اعتقاد باطن للقرآن يخالف ظاهره، وأن هذا الباطن هو مراد الله تعالى، والمقصد من هذا إنما هو تحريف العقيدة وإبطال الشريعة، وإشاعة الشك والفوضى، وتبديل الأحكام الواضحة بمفاهيم عائمة لا تحق...