alsharq

د. محمد عياش الكبيسي

عدد المقالات 336

مصر في ظل التجربة الإسلامية 1-2

03 يوليو 2012 , 12:00ص

لم ينقسم المصريون في كل ممارساتهم الانتخابية كما انقسموا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، حيث كانت المشاركة بنسبة %50 فقط، وفي نتيجة الجولة الأولى حصل مرسي على %25 وأبو الفتوح على %17، وهما من الإسلاميين بينما، حصل شفيق على %24، وحصل صباحي على %21 والأخيران ليسا من الإسلاميين طبعا، وهذا يعني أن الشارع المصري كان منقسماً انقساماً حاداً من الجولة الأولى، في الجولة الثانية حصل مرسي على %52 وحصل شفيق على %48، وهذا ما يؤكد حالة الانقسام هذه وبنسب متقاربة إلى حد كبير. لقد كان بإمكان الإسلاميين أن يخففوا شيئا من هذا الانقسام لصالحهم بانسحاب أحد المرشَّحين من السباق، ولو فعلوا هذا لتلافوا مغامرة الجولة الثانية واحتمالاتها المقلقة، ولكن هذا يتطلب ثقافة أخرى غير الثقافة السائدة الآن في مفهوم العمل الجماعي الإسلامي وأدبيات الولاء والسمع والطاعة والتي كثيرا ما تحول دون تحقيق القدر المقبول من التفاهمات والتحالفات الإسلامية الإسلامية، وهذا في تقديري سبب أساسي في إخفاق الجماعات الإسلامية عن تحقيق أهدافها المشتركة في الكثير من البلاد الإسلامية، والنموذج الباكستاني هو الأشد قساوة في التعبير عن هذا الإخفاق، رغم أن الشعب الباكستاني شعب متدين ومنحاز للإسلام بطبيعته الثقافية والمجتمعية، بينما يسجل الأتراك نجاحاً استثنائياً في هذا المجال مع أن الشعب التركي مختلف تماماً عن الشعب الباكستاني من حيث مستوى الالتزام بمظاهر الهوية الإسلامية، وهذا مؤشر واضح أن الخلل ليس في الشارع الباكستاني بقدر ما هو في السلوك السياسي لجماعاته الإسلامية، أما العالم العربي فلا زال متردداً بين النموذجين التركي والباكستاني. أخيراً فاز محمد مرسي بما يشبه الولادة المتعسرة وهو بكل الأحوال يمثل انتصاراً للمشروع الإسلامي في مصر، وهذا الفوز على أهميته لكنه أقل من استحقاق الإسلاميين وتضحياتهم الجسيمة من يوم الانطلاقة الأولى للمشروع على يد حسن البنا والذي قدم روحه ثمناً لمشروعه هذا مرورا بإعدام سيد قطب وكبار الدعاة الأوائل والعذابات التي لا تحتملها الجبال في السجن الحربي وغيره، والتي لم يوثق منها إلا القليل، لكنه قد يكفي أن نتصفح كتاب زينب الغزالي «أيام من حياتي». هذا الاستحقاق التاريخي لجماعة الإخوان اقترن بموقف كان أكبر من كل التوقعات، وهو موقف التيار السلفي حيث أسهموا مساهمة فاعلة في تحقيق هذا الفوز وتنازلوا عن حظوظهم الخاصة قبل غيرهم مما يبشر فعلاً بولادة الثقافة الجديدة التي تحكم العلاقات الإسلامية الإسلامية، وعلى الشعب المصري عامة والإخوان بشكل خاص أن يردوا التحية بأحسن منها ويثمنوا هذا الموقف النبيل والمسؤول للتيار السلفي. أما الذين أعطوا أصواتهم لشفيق وصباحي فهم أيضاً قد أسهموا بهذا الفوز من حيث احترامهم لأصوات إخوانهم وخضوعهم للآلية المنصفة والعادلة، وبالتالي فهم الآن شركاء في هذا الفوز، ومسؤولية الرئيس الجديد أن يعمق في هؤلاء روح المشاركة والمساهمة في بناء مصر الجديدة، وأن يخفف من مخاوفهم التي ترسبت عبر عقود طويلة وبتأثيرات معقدة ومتشعبة قد نكون نحن أيضاً سبباً فيها من حيث ندري أو لا ندري. علينا هنا أن نفرز كل هذه المخاوف ونضعها على مشرحة «السبر والتقسيم» ثم نرتبها وفق درجاتها وأولوياتها، وإذا كان للمراقب عن بعد أن يسجل ما تردد من مخاوف بالطريقة المباشرة أو بالقياس على التجارب القريبة فيمكن أن نضع بين يدي القيادة المصرية الجديدة بعضاً منها: الأقليات الدينية: حيث هناك تصور لدى الكثير من الأقليات الدينية في العالم الإسلامي أن الإسلاميين يهدفون إلى تذويب هويتهم ومحو خصوصيتهم الدينية في إطار المشروع الإسلامي «الدعوي أو الجهادي»، ومن ثم فهم أكثر ميلاً للدعوات القومية والعلمانية التي تقف موقف الحياد في هذا الموضوع، إن الإسلاميين عليهم أن يؤكدوا لكل هؤلاء أن المشروع الإسلامي أكثر قرباً منهم، وأنه أحرص من غيره على حماية هويتهم وصيانة حقوقهم. المرأة: حيث يعتقد الكثير من النساء في العالم الإسلامي أن المشاريع الإسلامية مشاريع ذكورية تكرس القوامة المطلقة للرجال بالمفهوم الظالم للقوامة، والذي يعني أن تكون المرأة تبعاً للرجل حتى في أفكارها وآرائها وعلاقاتها وملكيتها، وهذا مع أنه يمثل استجابة لحملات التشويه المتعمد والتي يقودها المناوئون للمشروع الإسلامي داخلياً وخارجياً إلا أن كثيراً من الإسلاميين يعزز بحاله ومقاله مثل هذه المخاوف، وهذا يتطلب جهداً استثنائياً لتغيير هذه القناعات. إقامة الحدود: يركز الغرب في كل أدبياته عن الإسلام على هذه المسألة، وقد ساعده في هذا بعض التطبيقات الشائنة في الصومال وأفغانستان، مما ولد تصوراً مرعباً عند الكثير من المراقبين والمهتمين بالشأن العام، حيث يتم استدعاء منظر تلك المرأة التي ترجم بالحجارة حتى الموت عند التطرق لأي شيء يتعلق بالمشروع الإسلامي، وهذا يتطلب قدراً كبيراً من التأصيل الشرعي والبيان الدعوي والخطاب السياسي لمعالجة مثل هذه التصورات المرعبة. الجهاد: هناك تصورات في غاية التعقيد وربما التناقض عن مفهوم الجهاد في الإسلام والصورة التي يمكن أن يتخيلها الإنسان المعاصر لتطبيق هذا المفهوم اليوم، هناك خيالات تقترن بصهيل الخيول وصليل السيوف في فلم «الرسالة» أو تستوحي من «غزوة منهاتن» وتفجير محطات المترو وأنفاق القطارات في مدريد أو لندن، وربما جز الرؤوس بالسكاكين في مقاطع الفيديو التي تبثها «دولة العراق الإسلامية»! وأخف هذه التصورات أن ينشغل الإسلاميون عن هموم المواطن اليومية بمغامرات عسكرية غير محسوبة نصرة للقضية الفلسطينية أو غيرها من القضايا الملحّة والعادلة. السمع والطاعة: هذا المبدأ الذي يعد من أهم الأدبيات التي تردد في المحافل الإسلامية وأدواتها التربوية، مما يعني ذوبان الفرد وخصوصيته الثقافية وتطلعاته الشخصية وحقه في التعبير عن ذاته وإمكاناته، والأنظمة الداخلية لكثير من الجماعات الإسلامية، وما يتبعها من سلوكيات تنظيمية حادة هي أشبه بالأنظمة العسكرية مضاف إليها هيبة الدين وقدسية البيعة، والناس الذين يطلعون على مثل هذه السلوكيات قد يصيبهم نوع من القلق على اعتبار أن النموذج التنظيمي الذي يحكم الجماعة هو ذاته الذي سيحكم الدولة بعد مرحلة «التمكين»، وهذا بحد ذاته يكفي لتخويف الإسلاميين أنفسهم بعضهم من بعض قبل تخويف الآخرين، ثم هناك تخوف من خضوع الرئيس نفسه لقانون البيعة داخل الجماعة أكثر من خضوعه للدستور المصري ومؤسسات الدولة التشريعية. الحكم بما أنزل الله: حيث تسود ثقافة عند الإسلاميين أن السلطان المسلم عليه تطبيق الأحكام الشرعية وإلا كان داخلاً في قوله تعالى: «وَمنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ»، وفي المقابل تسود مخاوف عند غير الإسلاميين أن قبول الإسلاميين باللعبة الديمقراطية ما هو إلا تكتيك مرحلي يقصد منه الوصول إلى مرحلة التمكين ثم يتم الانقلاب على الديمقراطية وأدواتها، فكيف سيوفق الرئيس الإسلامي بين عقيدته وثوابته المقدسة وبين العقد الاجتماعي الذي أبرمه مع الشعب؟ هذه المعضلة تتطلب صياغة نظرية واضحة ومكشوفة للناس بحيث يكون الناس كل الناس على بينة من أمرهم وأي حالة من الضبابية في هذا الموضوع ستؤدي إلى انتكاسة حادة في مستوى الثقة بين الإسلاميين ومحيطهم الأوسع. إن الإجابات التي نسمعها من الإسلاميين في هذه الملفات الشائكة ما زالت دون المستوى القادر على إزالة هذه المخاوف أو الشكوك، وهذا ما يفسر حالة الانقسام الحاد في الشارع المصري بين مرشحي الإخوان ومرشحي «الفلول» مع أن الشارع المصري متدين بطبيعته، وهو راغب كذلك بالتغيير.

لماذا هذا الهجوم المتزايد على صحيح الإمام البخاري؟ (4-4)

هناك من يردد سؤالاً آخر مؤدّاه، ماذا نفعل إذا وجدنا في البخاري ما يعارض القرآن الكريم، أو يعارض العقل؟ وهذا السؤال بدأ يتردد مع هذه الموجة كجزء من حملة التشويه ومحاولة النيل من مكانة البخاري...

لماذا هذا الهجوم المتزايد على صحيح الإمام البخاري؟ (3-4)

المسألة ليست مسألة تقديس للبخاري، ولو كانت المسألة كذلك لاتجه الناس إلى موطّأ الإمام مالك إمام دار الهجرة، أو مسند ابن حنبل إمام أهل السنّة، بل لقدّسوا مرويّات البخاري نفسه في كتبه الأخرى، فالمسألة عند...

لماذا هذا الهجوم المتزايد على صحيح الإمام البخاري؟ (2-4)

إن هذا الاضطراب والتخبّط لدى هؤلاء يكشف أيضاً عن جهل عريض في أصول هذه العلوم ومبادئها الأولية، ولذلك لا ترى هذا الطعن إلا منهم ومن أمثالهم، ممن لا علم لهم بالسنّة وعلومها. إن علماء السنّة...

لماذا هذا الهجوم المتزايد على صحيح الإمام البخاري؟ (1-4)

يتعرض صحيح البخاري هذه الأيام لحملة من التشكيك وإثارة الشبهات، مع حالة من الغموض بالنسبة لدوافعها وغاياتها، والعلاقات التي تجمع بين أصحابها، الذين كأنهم تفرّغوا اليوم أو فُرّغوا لهذه المهمة. هؤلاء بالعموم لم يُعرف عنهم...

جريمة نيوزيلندا في إطارها الأوسع

لست أهوّن أبداً من مشروعية الغضب في مثل هذه الصدمات، بل أعتبر هذا دليلاً على حياة الأمة واعتزازها بهويتها وبذاتها، وبالعنوان الكبير الذي يجمعها، رغم محاولات تغييبها وتجزئتها، فحينما أرى شاباً عربياً أو تركياً أو...

وقفة مع التجربة الإسلامية في السودان

قبل ثلاثين سنة، استبشر التيار الإسلامي بالانقلاب الذي قاده الرئيس عمر حسن البشير، وتصاعدت الآمال بالنموذج المرتقب للحكم الإسلامي المعاصر، وصار الناس يتداولون الأخبار والقصص عن زهد الرئيس البشير وتواضعه وحكمته، حتى سمعت من أحد...

خطوات سليمة لبناء مناهج التربية الإسلامية

بقرار من وزارة التعليم في دولة قطر، تشكلت لجنة من الكفاءات العالية لمراجعة وثيقة المعايير المتعلقة بمناهج التربية الإسلامية. وقد جاء القرار بحد ذاته ليعكس رؤية عميقة وواعدة يمكن تلخيصها في الآتي: أولاً: الاهتمام الخاص...

المعايير الناقصة والمغلوطة في محاكمة التاريخ (3-3)

إن الحكم الوراثي السلالي كان جزءاً من ثقافة العرب عموماً، فإذا مات شيخ القبيلة ورثه ابنه، فإن لم يتهيّأ كان أقرب الناس إليه، ودول العالم المجاور للجزيرة -على الأقل- لم تكن تعرف غير هذا، وحينما...

المعايير الناقصة والمغلوطة في محاكمة التاريخ (2-3)

من الغريب جداً أن «المتنورين» بروح العصر وقيمه وثقافته، يجعلون معيار الحكم على تلك المرحلة معياراً مستنداً بالأساس إلى روح «القداسة» أو قداسة «الروح»، فمرة يحدّثونك عن جريمة الخروج على الإمام علي، بمحاكمة أحادية الجانب،...

المعايير الناقصة والمغلوطة في محاكمة التاريخ (1-3)

التاريخ بكل تأكيد لا تصنعه الملائكة، وإنما هو صناعة بشرية بأحداثه ومواقفه ورواياته وتدويناته وتحليلاته واستنتاجاته ومصادره، إلا ما ورد منه بآية قرآنية أو حديث صحيح. هذه المقدمة -التي ينبغي ألا نختلف فيها- تفتح باباً...

حينما تتبرقع الباطنية بشعارات التجديد (2-3)

تستغل الباطنية اليوم حالة الضعف العام الذي تمر به الأمة سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وما يصاحبها من تفكك واضطراب في المنظومة القيمية والعقدية الجامعة، وتراجع مستويات التعليم الديني، وعجز المؤسسات الشرعية والجماعات الإسلامية عن مواجهة التحديات...

حينما تتبرقع الباطنيّة بشعارات التجديد (1-3)

الباطنية مذاهب مختلفة، يجمعها اعتقاد باطن للقرآن يخالف ظاهره، وأن هذا الباطن هو مراد الله تعالى، والمقصد من هذا إنما هو تحريف العقيدة وإبطال الشريعة، وإشاعة الشك والفوضى، وتبديل الأحكام الواضحة بمفاهيم عائمة لا تحق...