الاستمرار

كان «روزفلت» من أكثر القادة قوة.. جسديا وذهنيا، ولكنه لم يكن كذلك منذ البداية. لقد ولد الرئيس الأميركي راعي البقر في مانهاتن لأسرة ثرية شهيرة، وعندما كان طفلا كان ضعيفا مريضا، كان مصابا بداء الربو الموهن، وكان بصره ضعيفا للغاية، وكان نحيلا بشكل مزعج، ولم يكن والداه واثقين أنه سيعيش طويلا. وعندما كان في سن اثنتي عشرة سنة، قال له والده: «إنك تمتلك عقلا ذكيا، ولكنك لا تملك جسدا قويا، وبدون مساعدة الجسم، لا يستطيع العقل الوصول لما يمكنه الوصول إليه، ولذلك فعليك أن تبني جسدك». وهذا ما فعله «روزفلت» الصغير. بدأ «روزفلت» يقضي بعض الوقت كل يوم في بناء جسده وعقله معا، وظل يفعل هذا طوال ما بقي من حياته كلها. كان يمارس التدريب بالأثقال، والمشي لمسافات طويلة، والتزلج على الجليد، والصيد والتجديف، وركوب الخيل، والملاكمة. وفي السنوات اللاحقة، قيم «روزفلت» تقدمه معترفا أنه عندما كان طفلا كان «عصبيا وجبانا». يقول: «ولكن من القراءة عن الأشخاص الذين أشعر تجاههم بالإعجاب ومن معرفتي لوالدي، كنت أكن إعجابا هائلا للأشخاص الشجعان والذين يستطعون أن يؤكدوا ذاتهم في هذا العالم، وكانت لدي رغبة هائلة في أن أكون مثلهم». وعندما جاء وقت تخرج «روزفلت» من جامعة هارفارد، كان قد أصبح مثل هؤلاء الأشخاص، وأصبح مستعدا لدخول عالم السياسة. هذا ولم يصبح «روزفلت» قائدا عظيما بين عشية وضحاها أيضا. لقد كان طريقه إلى الرئاسة طريقا من النمو البطيء المستمر. وبينما كان يخدم في العديد من المواقع المختلفة: بدءا من رئيس شرطة نيويورك سيتي وحتى رئاسة الولايات المتحدة، ظل يتعلم وينمو، فلقد حسن نفسه بشكل مستمر ومع مرور الوقت أصبح قائدا بارعا. إن قائمة إنجازات «روزفلت» مثيرة للإعجاب بحق؛ ففي ظل قيادته أصبحت الولايات المتحدة قوة عالمية. لقد ساعد أميركا على بناء أسطول بحري من الدرجة الأولى، وأشرف على بناء قناة بنما، وشارك في مفاوضات السلام بين روسيا واليابان، وفاز بجائز نوبل للسلام بسبب ذلك. وعندما شكك الناس في قدرة «روزفلت» على القيادة -منذ أصبح رئيسا لأول مرة بعد اغتيال «ماكينلي»- خاض حملة الرئاسة بعد ذلك وتمت إعادة انتخابه بأكبر نسبة أغلبية حصل عليها رئيس حتى عهده. وحيث إنه دائما رجل أفعال، فعندما أنهى «روزفلت» فترة رئاسته الثانية عام 1909، سافر على الفور إلى إفريقيا حيث كان قائدا لبعثة علمية كان يرعاها «معهد سميث سونيام» بعد بضع سنوات، وفي عام 1913، اشترك في قيادة مجموعة لاستكشاف نهر الشك في البرازيل، والذي لم يكن أحد قد استكشفه من قبل. وكانت تلك خبرة للتعلم قال عنها: إنه لا يستطيع تفويتها وأضاف معترفا: «لقد كانت تلك هي فرصتي الأخيرة لكي أعود صبيا» كان حينها في الخامسة والخمسين من العمر. وفي 6 يناير 1919، وفي منزله في نيويورك، مات «ثيودور روزفلت» أثناء نومه. وحينها قال نائب الرئيس «مارشال»: «كان من المحتم أن يأتيه الموت وهو نائم؛ لأنه لو كان مستيقظا لصارع الموت طويلا». وعندما حملوه على سريره، وجدوا كتابا تحت وسادته؛ لقد كان روزفلت يكافح من أجل التعلم وتحسين نفسه حتى الرمق الأخير.