


عدد المقالات 336
إننا نرتكب أخطاء جسيمة بحق تاريخنا، وربما نقع في مظالم كبيرة حينما نقرأ التاريخ قراءة ناقصة، ثم نتجرّأ بذلك على إصدار الأحكام «الغيابية» بحق التاريخ وبحق من صنع التاريخ، وقد نحرم أنفسنا أيضاً من الدروس التي يمكن أن نستنبطها بأمانة وموضوعية. تشيع اليوم ظاهرة الاستشهادات التاريخية المقطوعة والمبتورة، فهناك من تقع عينه على رواية ما فيطير بها وكأنه عثر على كنز، هذا إذا كانت توافق مزاجه، والأخطر من ذلك والأظلم إذا كان حتى في هذه الرواية المفردة أو الجزئية لا يأخذ بشروط التحقيق والأمانة العلمية، وعلى سبيل المثال؛ قرأت لأحدهم استشهاده على فكرة يسوّق لها بحديث في الترمذي، مثبتاً في الهامش الجزء والصفحة والطبعة، فلمّا ذهبت إلى هذه الصفحة وجدت الإمام الترمذي يقول في هذا الحديث: حديث منكر!! فهذه -لا شك- خيانة علمية، واستغفال للقرّاء الذين لا يعرفون منهج الترمذي في التأليف والحكم على الروايات، وأنه حينما يروي الرواية يعقّب عليها فيقول مثلاً: هذا حديث صحيح، أو حسن، أو منكر. إن انتقاء الرواية الواحدة حتى لو كانت صحيحة، والاكتفاء بها عن بقيّة الروايات، يقود إلى نتائج خاطئة، وأحكام ظالمة، فكيف بمن يبتر الرواية نفسها، أو يختار الرواية الأضعف، ويهمل الروايات الصحيحة! هناك من يكتب: رواه البخاري، فيظن القارئ أن الرواية في صحيح البخاري، ولكنّك تكتشف أنها في التاريخ أو التعليقات، ولا أدري إن كان الكاتب يعرف الفرق بين ما يرويه البخاري في الصحيح، وما يرويه في غيره! وقد وجدت من يرفض أو يشكك في رواية البخاري في الصحيح ويقبلها في غيره، وهذا ينم بشكل واضح عن منهجية مغلوطة، أو عن هوى يخرق الأمانة العلمية، ويدلّس على القارئ والمتلقي البسيط. ومن القراءة الناقصة والمجتزأة أيضاً من يحتج بمقولة أو رأي أو فتوى لأحد الأعلام ويغفل أو يتغافل عن موقف هذا العالم نفسه من فتواه هذه، متراجعاً أو معدلاً أو موضحاً، وهذا شائع وكثير في تاريخنا وتراثنا، فالعلماء والمفكرون يمرّون بمراحل مختلفة من التكوين والتحصيل والنضج العلمي والمعرفي، وهذا واقع بيننا ومشاهد، فكيف يصح أن تنتقي مقولة قيلت في مرحلة معينة لتبني عليها حكماً عامّاً وشاملاً وقاطعاً؟ فالشافعي مثلاً له في الفقه مذهب قديم ومذهب جديد، والأشعري له في علم الكلام كذلك قديم وجديد، وابن تيمية أفتى بفتاوى ثم تراجع عنها، ومن ذلك قوله بحياة الخضر -عليه السلام- ثم رجّح موته، ومن العلماء من يصرّح بأنه قصد بهذه الفتوى أو هذا التوجيه فئة معينة في ظرف معيّن، كما صرّح الغزالي في كتابه «إلجام العوام عن علم الكلام»، وفي شبهة تقديم الغزالي للعقل على النقل، أوضح الغزالي نفسه في كتابه «المستصفى» ما يكفي لدحض هذه الشبهة وزيادة، فهذا كله تجب مراعاته بالنسبة للباحث والناقد، ونحن هنا لا نقلل أبداً من أهمية نقد التاريخ بكل ما فيه، وإنما ندعو إلى التقيّد بقواعد الأمانة العلمية، والتسلّح بالمنهج العلمي الرصين والأمين في النقد والتحليل والاستنتاج.
هناك من يردد سؤالاً آخر مؤدّاه، ماذا نفعل إذا وجدنا في البخاري ما يعارض القرآن الكريم، أو يعارض العقل؟ وهذا السؤال بدأ يتردد مع هذه الموجة كجزء من حملة التشويه ومحاولة النيل من مكانة البخاري...
المسألة ليست مسألة تقديس للبخاري، ولو كانت المسألة كذلك لاتجه الناس إلى موطّأ الإمام مالك إمام دار الهجرة، أو مسند ابن حنبل إمام أهل السنّة، بل لقدّسوا مرويّات البخاري نفسه في كتبه الأخرى، فالمسألة عند...
إن هذا الاضطراب والتخبّط لدى هؤلاء يكشف أيضاً عن جهل عريض في أصول هذه العلوم ومبادئها الأولية، ولذلك لا ترى هذا الطعن إلا منهم ومن أمثالهم، ممن لا علم لهم بالسنّة وعلومها. إن علماء السنّة...
يتعرض صحيح البخاري هذه الأيام لحملة من التشكيك وإثارة الشبهات، مع حالة من الغموض بالنسبة لدوافعها وغاياتها، والعلاقات التي تجمع بين أصحابها، الذين كأنهم تفرّغوا اليوم أو فُرّغوا لهذه المهمة. هؤلاء بالعموم لم يُعرف عنهم...
لست أهوّن أبداً من مشروعية الغضب في مثل هذه الصدمات، بل أعتبر هذا دليلاً على حياة الأمة واعتزازها بهويتها وبذاتها، وبالعنوان الكبير الذي يجمعها، رغم محاولات تغييبها وتجزئتها، فحينما أرى شاباً عربياً أو تركياً أو...
قبل ثلاثين سنة، استبشر التيار الإسلامي بالانقلاب الذي قاده الرئيس عمر حسن البشير، وتصاعدت الآمال بالنموذج المرتقب للحكم الإسلامي المعاصر، وصار الناس يتداولون الأخبار والقصص عن زهد الرئيس البشير وتواضعه وحكمته، حتى سمعت من أحد...
بقرار من وزارة التعليم في دولة قطر، تشكلت لجنة من الكفاءات العالية لمراجعة وثيقة المعايير المتعلقة بمناهج التربية الإسلامية. وقد جاء القرار بحد ذاته ليعكس رؤية عميقة وواعدة يمكن تلخيصها في الآتي: أولاً: الاهتمام الخاص...
إن الحكم الوراثي السلالي كان جزءاً من ثقافة العرب عموماً، فإذا مات شيخ القبيلة ورثه ابنه، فإن لم يتهيّأ كان أقرب الناس إليه، ودول العالم المجاور للجزيرة -على الأقل- لم تكن تعرف غير هذا، وحينما...
من الغريب جداً أن «المتنورين» بروح العصر وقيمه وثقافته، يجعلون معيار الحكم على تلك المرحلة معياراً مستنداً بالأساس إلى روح «القداسة» أو قداسة «الروح»، فمرة يحدّثونك عن جريمة الخروج على الإمام علي، بمحاكمة أحادية الجانب،...
التاريخ بكل تأكيد لا تصنعه الملائكة، وإنما هو صناعة بشرية بأحداثه ومواقفه ورواياته وتدويناته وتحليلاته واستنتاجاته ومصادره، إلا ما ورد منه بآية قرآنية أو حديث صحيح. هذه المقدمة -التي ينبغي ألا نختلف فيها- تفتح باباً...
تستغل الباطنية اليوم حالة الضعف العام الذي تمر به الأمة سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وما يصاحبها من تفكك واضطراب في المنظومة القيمية والعقدية الجامعة، وتراجع مستويات التعليم الديني، وعجز المؤسسات الشرعية والجماعات الإسلامية عن مواجهة التحديات...
الباطنية مذاهب مختلفة، يجمعها اعتقاد باطن للقرآن يخالف ظاهره، وأن هذا الباطن هو مراد الله تعالى، والمقصد من هذا إنما هو تحريف العقيدة وإبطال الشريعة، وإشاعة الشك والفوضى، وتبديل الأحكام الواضحة بمفاهيم عائمة لا تحق...