


عدد المقالات 58
حين ادعى مسيلمة الكذاب النبوة، جاء إليه طلحة النمري في اليمامة فقال: أين مسيلمة؟ قالوا: مه رسول الله! فقال: لا حتى أراه، فلما جاءه قال: أنت مسيلمة؟ قال: نعم، قال: من يأتيك؟ قال: رحمن؛ قال: أفي نور أم في ظلمة؟ فقال: في ظلمة! فقال: أشهد أنك كذاب وأن محمدا صادق, ولكن كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر، فاختار طلحة طريق الكذب وبقي سائرا فيه ووفيا له حتى النهاية، حيث قتل كافرا مع القائد الكذاب يوم عقرباء. التعصب سواء كان لعرق أو جنس أو بلد أو قبيلة أو عائلة دعوة جاهلية مقيتة، تمسخ شخصية الإنسان السوي، وتجعل منه إمعة يعادي الخلق ويحيد عن الحق، ولو كان يهدي لنعيم الجنة، وينصر الباطل ولو كان يؤدي إلى النار والهلاك. وفي المثال السابق قادت العصبية صاحبها إلى الهلاك مغمض العقل مفتوح العينين وعن عمد وإصرار، وفي مظاهر التعصب المعاصرة ما هو قريب منه, ولكنه بحكم العادة لا يثير استغراب الكثيرين. إن الذي يتشرب قلبه التعصب لا يمكنه أن ينصر حقا أو يتصف بعدل أو مروءة؛ فالتعصب يبرمج عقل صاحبه ويجعل منه فردا من قطيع ينقاد من دون وعي ولا إرادة لما يأمره به العقل الجمعي, سواء كان خيرا أم شرا. قال الشاعر: هل أنا إلا من غزية إن غوت غويت، وإن ترشد غزية أرشد وفي مقدمة مظاهر تخلف الأمم وانحطاطها يبرز التعصب؛ فكم من الدمار وامتهان للكرامة الإنسانية كان سببه التعصب الأعمى، وحين يُقلِّب الإنسان بصره في العالم اليوم يرى كيف أن المجتمعات الراقية المتحضرة بنيت على أساس نبذ التعصب, واعتمدت تقييم الناس من منظور أن قيمة المرء ما يحسنه، وجعلت القانون واحدا يسري على الشريف والضعيف، وأتاحت تكافؤ الفرص في التعليم والإصلاح والمناصب للأكفاء وحفظت حقوق الإنسان. أما حال المجتمعات المتخلفة أو ما يطلق عليها دول العالم الثالث فتراها ترزح تحت أغلال التعصب للقبيلة أو العرق، وتشتعل فيها الحروب والعداوات التي يكتوي بنارها المجتمع بكل مكوناته، وبالتالي فلا تنمية ولا أمن، ولو استعرضنا مثالا معاصرا واحدا وهو رواندا لرأينا كم من الأرواح أزهقت بسبب التعصب القبلي بين التوتسي والهوتو؛ حيث بلغ عدد الضحايا ما بين ثمانمائة ومليون قتيل، أي أن هذه العصبية الممجوجة حصدت ما يقارب خُمس سكان البلاد، وللأسف فإن هذا الداء كامن في الكثير من الدول العربية, ومتى ما سمح عقلاؤها له بالقيام وانقادوا له بزمام دمرهم وفعل فيهم ما فعل بغيرهم؛ سنة الله في خلقه. وحين بُعث النبي عليه السلام كان التعصب للأسرة والقبيلة قد بلغ في الأمة التي بعث فيها مبلغا كاد يبيدهم ويفنيهم، فأعلمهم النبي عليه السلام أن العصبية عرقية وقبلية و... إلخ جاهلية، وأن الناس سواسية كأسنان المشط وأن أساس التفاضل هو التقوى وحسن الخلق والتحلي بمكارم الأخلاق، وعنَّف أبا ذر لما عيَّر بلالا بلون أمه, وقال له: «إنك امرؤ فيك جاهلية»، لأن معايير الجاهلية تُقيِّم الناس على أساس اللون والعرق والقبيلة، وقد تبرأ النبي منها وقال: «ليس منا من دعا بدعوى الجاهلية» وقال: «دعوها فإنها منتنة» ونصوص الكتاب والسنة كثيرة في ذم هذا البلاء أكثر من أن تحصى. ورغم وضوح الموقف الإسلامي من التعصب الذي هو من أخطر الأمراض الاجتماعية القاتلة إلا أنه لم ينل حقه من الاهتمام والمعالجة، وفي الوقت الذي تتسابق فيه كثير من الدول للخروج من دائرة التخلف لتلتحق بركب الحضارة والتقدم، نجد المجتمعات العربية والإسلامية للأسف مغلولة بهذا المرض ومشدودة بهذه العصبية، ولئن استمر الوضع على ما هو عليه مع عجز المصلحين والحكماء فإنها ولا شك ستجني ثمارا مُرة لأنه لا يُجنى من الشوك العنب، وخير طريقة للقضاء على هذا الداء هي قيام العلماء والمفكرين والنخب وكل العقلاء بالدور المنتظر منهم لإحياء القيم الإسلامية والإنسانية الحقة من عدل ومساواة ومحبة وتعارف وتآلف بين فئات ومكونات المجتمع, ومحاربة ونبذ التعصب ومظاهره من تفاخر بالأنساب والأعراق والتعصب بالباطل لمن ينتمون إليهم واحتقار الآخرين؛ فهذا من أنجع السبل للقضاء على انتشار الكراهية والعداوة بين الناس. إن المجتمع الصحي السليم هو الذي يقوم على أساس القيم والمبادئ الإسلامية والإنسانية السامية، وهو الذي يستحق أن يعيش الناس فيه سعداء، ويترك الآباء لأبنائهم من بعدهم ما يجعلهم يفتخرون بأمتهم ويكملون مسيرة الحياة في مستقبل زاهر يشع بالعلم والإيمان والتآلف ومكارم الأخلاق.
في ربيع الأول من سنة 41 هـ تنازل الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما إلى معاوية بن أبي سفيان عن الخلافة, وعلق المؤرخ ابن كثير على هذه الحادثة قائلاً: «وذلك كمال ثلاثين...
في العام الثامن للهجرة أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية في قرابة ثلاثة آلاف فارس إلى البلقاء من أرض الشام لمقاتلة جيش يعد يومئذ أقوى جيوش العالم وأمر عليهم زيد بن حارثة، وقال:...
في يوم من الأيام بحدود 350 قبل الميلاد وقبل غروب الشمس كان فيلسوف الهند الكبير «شاناكيا» -وله أسماء أخرى اشتهر بها مثل «فشنوجوتبا» و «كاوتيليا»- يراقب باهتمام مجموعة من الصبية يلعبون؛ فلفت نظره أن أحد...
كان يُعرف بالفتى المُدَلَّل؛ فكان لا يلبس الثوب الواحد ليومين مُتتاليين، وكان له عِطر يُعرف به بسبب نَشْأته في أحضان أم مُترَفة فعاش في يُسر وسعة. اختار ابن الدار الواسعة السير في طريق الإسلام الشاقة،...
في العقد الأخير من القرن التاسع عشر(1890م) كان هناك شاب في العشرين من عمره يعمل لدى شركة «بوفالو فورج» في «بونالو» بنيويورك، وَعُيِّن في قسم آلات تزويد الغاز في مصنع تابع لشركة «بيتسبرج بلايت جلاس»...
جاءت قريش وشكت النبي إلى أبي طالب فكان جوابه عليه السلام لعمه وهم يسمعون: «يا عم، إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها، تدين لهم بها العرب، وتؤدي إليهم بها العجم الجزية»، ففزعوا لكلمته ولقوله، فقالوا:...
لقد سرنا سوياً في هذه السلسلة التاريخية والفكرية المسماة «صراع المشاريع» برحلة طويلة من الزمن، حيث بدأنا في الحلقة الأولى من نهاية القرن الهجري الثالث إلى أن وقفنا في الحلقة العاشرة عند القرن الثامن الهجري،...
كان المشروع الصليبي أطولَ المشاريع المعادية للأمة عُمرا وأكثرَها استنزافا لطاقتها وإرهاقا لها، وقد استمر فترة طويلة من الزمن تعاقبت على حربه دولٌ إسلامية كثيرة حتى قدَّر الله سبحانه أن تكون نهاية وجودهم كإمارات وحكام...
تُعتبر مرحلة الأيوبيين ما بعد «صلاح الدين» من أهم مراحل الصراع بين المشروع الإسلامي والمشروع الصليبي الذي أبى أن يَفتُر أو يستسلم؛ بل شنَّ أربع حملات متتاليةً وشرسة. والحقيقة أن «صلاح الدين الأيوبي» بما تميز...
بوفاة الملك الناصر «صلاح الدين الأيوبي» رحمه الله عام589هـ يكون قد مضى على بدء ملحمة صراع المشاريع مرحلة زمنية كبيرة نسبياً تقارب الثلاثة قرون، وذلك إذا قدَّرنا بداية الصراع بظهور أول دولة للمشروع الباطني وهي...
يستمرصراع المشاريع ليتجاوز القرون من الزمن، والأمة من حرب إلى حرب، ومن صراع إلى صراع، تسطر ملحمة حضارية حافلة بالانتصارات والهزائم والأفراح والآلام توجتها البطولات التاريخية التي قادتها إلى نصر حضاري قبل أن يكون عسكريا...
قال المؤرخ ابن الأثير: «طالعتُ سير الملوك المتقدمين فلم أر بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبدالعزيز أحسن سيرة ولا أكثر تحريا للعدل منه، وهو أول من ابتنى دارا للعدل وكان يجلس فيها أربع مرات أسبوعيا...