حقوق المرأة

كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعس في سكة من سكك المدينة إذ به يسمع امرأة تتغنى بشاب اسمه نصر بن حجاج وتتمناه. فقال عمر لمن معه: ائتني غداً بنصر بن حجاج، فلما رآه عمر رأى شاباً حسن الشعر جميل الوجه، فأمر بحلق شعره فإذا بالشاب يزداد جمالاً، فأمر عمر بنفيه إلى البصرة وقال: والله لا تجامعني ببلاد أنا بها. فقال الشاب: يا أمير المؤمنين، وما ذنبي وقد خلقني الله تعالى على هذه الصورة؟ قال عمر: الذنب ليس ذنبك يا بني، ولكن الذنب ذنبي إن تركتك تفتن نساء المسلمين في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم. إن عمر رضي الله عنه رغم انشغاله بالفتوحات والمهام الجسام الملقاة على عاتقه لم يهمل في خضم تلك المسؤوليات قضايا المرأة وأولاها ما تستحقه من اهتمام، وفي قصة أخرى عندما رأى توالي الفتوحات وخروج المسلمين بأعداد هائلة للجهاد في سبيل الله، وإقبال كثير من المسلمين على الزواج من الكتابيات، وما آل إليه ذلك من بروز حالات العنوسة بين المسلمات، إضافة إلى تكاثر المسلمات الأرامل اللواتي استشهد أزواجهن، بادر عمر إلى منع الزواج من الكتابيات، فلما روجع في ذلك قال: أخشى أن تتركوا الزواج المسلمات فيفتن في دينهن. ورغبة من عمر في معالجة ظاهرة العنوسة وإيجاد حل لظاهرة بدأت تبرز في المجتمع الإسلامي في وقته تتمثل في تغالي الناس في مهور النساء، قام فخطب ألا يزيد الناس في المهور عما ساقه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سيق إليه، وما زاد عن ذلك فسوف يودع في بيت المال. فاعترضت عليه امرأة، واحتجت عليه بقوله تعالى: «وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا»، فاحترم عمر رأيها واقتنع به وتراجع عن رأيه. ولم يقف اهتمامه رضي الله عنه بأمر النساء العازبات وأرامل الشهداء، بل حتى النساء المتزوجات حظين باهتمامه مادياً ومعنوياً، فإنه سمع معاناة إحداهن وهي تشتاق لزوجها الغائب فقال لابنته: إني سائلك عن أمر قد أهمني: كم تصبر المرأة عن زوجها؟! فأجابت على استحياء وقالت ثلاثة أشهر، وإلا فأربعة أشهر، فكتب عمر لقادة الجيوش بعدم إبقاء المجاهدين بعيداً عن زوجاتهم أكثر من أربعة أشهر. وأما اهتمام عمر بالجانب المادي للمرأة فإنه سمع طفلاً يبكي، فلما سأل أمه: لم لا ترضعه؟ قالت: إن عمر لا يفرض عطاء للطفل إلا بعد الفطام، وهي تحاول تعجيل فطامه، فتحسر عمر وتأثر وأمرها بإرضاعه ووعد -وهي لا تدري أنه عمر- بأن عمر سوف يفرض للطفل منذ ولادته. إن مشاكل المرأة التي تعاني منها المجتمعات الخليجية والعربية من أصعب المشاكل، ولا يكاد يخلو بيت من حالة من حالات العنوسة، ومستويات الطلاق بلغت أرقاماً قياسية، وفي مقابل ذلك تجد انفتاحاً إعلامياً مخيفاً يعرض الفتنة ويقربها بشكل غير مسبوق من خلال وسائل الاتصال المختلفة كالنت والفضائيات والهواتف الذكية وكل ما من شأنه أن يسهل على نشر الرذيلة. إن احتياجات المرأة وإن كانت من القضايا شبه المسكوت عنها، والسكوت عنها يزيد الأوضاع سوءاً وهي تعتبر من أخطر المشاكل المجتمعية التي تحتاج أن تعالج علاجاً جذرياً، ولا يستطيع طرف واحد بمفرده إيجاد الحلول المناسبة، بل لابد من تضافر الجهود بين الدولة والهيئات المدنية والشخصيات المختصة والنساء المهتمات بهذا الشأن، عليهم جميعاً أن يقوموا لإيجاد الحلول الحقيقية التي ترفع المعاناة عن المرأة، وتضمن لها حقها أن ينظر إليها في المجتمع بتقدير واحترام، ويضمن لها حق العمل المناسب الذي يحقق لها العيش باكتفاء وكرامة، وحقها في التعليم والتنوير الفكري، وحقها أن تكون زوجة وأماً، ويضمن لها سائر حقوقها المادية والمعنوية. إن المرأة هي الأم والأخت والزوجة والبنت، وهي المربية للرجل والقائمة بشؤونه، وكما قال الشاعر: الأم مدرسة إذا أعددتها *** أعددت شعباً طيب الأعراق وقبل ذلك وبعده قول الرسول صلى الله عليه وسلم : «استوصوا بالنساء خيراً».