


عدد المقالات 336
يلخّص الخميني المعضلة العقدية التي تحول بين الشيعة وبين ممارستهم للحكم لألف سنة أو أكثر بقوله: (لقد مرّ على الغيبة الكبرى لإمامنا المهدي أكثر من ألف عام، وقد تمرّ ألوف السنين قبل أن تقضي المصلحة قدوم الإمام المنتظر، وفي طول هذه المدّة المديدة هل تبقى أحكام الإسلام معطّلة؟.. ألا يلزم من ذلك الهرج والمرج؟.. هل يلزم أن يخسر الإسلام من بعد الغيبة كل شيء؟ الذهاب إلى هذا الرأي أسوأ في نظري من الاعتقاد بأن الإسلام منسوخ)! ثم يقول: (اليوم في عهد الغيبة لا يوجد نص على شخص معيّن يدير شؤون الدولة، فما هو الرأي؟ هل تترك أحكام الإسلام معطّلة أم نرغب بأنفسنا عن الإسلام؟ أم نقول إن الإسلام جاء ليحكم الناس قرنين من الزمان ليهملهم بعد ذلك؟)!! لحل هذه المعضلة ذهب الخميني يحشد الأدلة العقلية والنقلية ليثبت في النهاية أن وجود الإمام المعصوم ليس شرطا في (الحكم الإسلامي)، بل يكفي فيه توفّر شرطين اثنين؛ العلم والعدل، وهو رجوع قهريّ إلى عقيدة أهل السنّة والجماعة. يقول الخميني: (وإذا نهض بأمر تشكيل الحكومة فقيه عالم عادل فإنه يلي من أمور المجتمع ما كان يليه النبي منهم، ووجب أن يسمعوا له ويطيعوا). من الأدلة التي ساقها الخميني بقوّة لإثبات نظريته هذه حديث (العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورّثوا دينارا ولا درهما، ولكن ورّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر)، والغريب هنا أن الخميني نفسه بعدما استمات في إثبات صحة الحديث وتوسّع به شرحا واستدلالا واستنباطا، راح في موضع آخر يشنّع على أبي بكر الصدّيق -رضي الله عنه- لأنه حرم فاطمة من ميراث أبيها! ويتهمه بتلفيق مثل هذه الأحاديث: (وما نسبه أبو بكر إنما هو مخالف للآيات الصريحة في إرث الأنبياء.. والحديث المنسوب إلى النبي لا صحة له)! ولكي لا يذهب الذهن بالخلافة أو الوراثة مذهب الإفتاء والتوجيه والتعليم النظري، راح الخميني يسوق الشواهد تلو الشواهد ليثبت أن مهمة الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم تكن التعليم، بل كانت قيادة الأمة وإلزامها بأحكام الدين بقوّة السلطان (مناط به تنفيذ الأحكام وليس بيانها فقط)، (التشريع وحده لا ينفع ولا يؤمّن سعادة البشر)، وعليه فالخلافة أو الوراثة تعني عنده (حكومة الناس وإدارة الدولة وتنفيذ أحكام الشرع)، (ولم يكن تعيين الخليفة لبيان الأحكام فحسب وإنما لتنفيذها أيضا)، ولهذا كان (النضال من أجل تشكيل الحكومة توأم الإيمان بالولاية). ولكي لا يُتهم بأنه قد هدم أصل الإمامة أو انتقص من الأئمة، راح يبالغ في منح الأئمة مكانة غيبيّة لا تتصل بحكم الناس وإدارة شؤونهم فقال بالنص: (فإن للإمام مقاما محمودا وخلافة تكوينيّة تخضع لولايتها وسيطرتها كل ذرّات الكون، وإن من ضرورات مذهبنا أن لأئمتنا مقاما لا يبلغه ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل) الحكومة الإسلامية ص52، وهذا المقطع كأنه جملة معترضة في هذا السياق كله، وكأنه التفاتة عاطفية لعوام الشيعة يستدرّ بها دعمهم وتأييدهم. لقد أغفل الخميني أو تغافل عن أصل مبدأ الإمامة عند الشيعة، والذي يستند إلى مقولات ومسلّمات متعاضدة من بينها (أن الأرض لا تخلو من إمام)، و (أن حجة الله على عباده لا تقوم إلا بالمعصوم)، و (أن الخلافة نص إلهي ينقله السابق إلى اللاحق)، و (أن من لم يبايع إمام زمانه فمات فميتته جاهلية).. إلخ. الخميني تغافل أيضا عما يلزم من قوله بأن الإمامة ليست تعليما بل هي حكومة عملية تقوم بتنفيذ الأحكام الشرعية، فالحسين -رضي الله عنه- وكل الأئمة من بعده لم يكونوا يمتلكون حكومة تنفيذيّة؟ فتعريف الإمامة عنده إذاً لا ينطبق عليهم، وهي بهذا التعريف لا تصدق إلا على أربع سنوات ونصف، هي مدّة خلافة علي وابنه الحسن قبل تنازل الحسن عنها لصالح معاوية، رضي الله عنهم أجمعين. ثم إذا كان يجوز أن تحكم الأمة نفسها بلا إمام معصوم لألف عام أو ألوف -على حد تعبيره- بحجة أن العلم موجود والعلماء موجودون وهم ورثة الأنبياء، فلماذا الإصرار على بطلان دور (العلم والعلماء) في القرنين الأول والثاني فقط؟ والحديث الذي استشهد به يقول: (العلماء ورثة الأنبياء) ولم يقل (العلماء ورثة الأئمة)، ولم يقل أيضا إن العلماء سوف يأتي دورهم بعد مائتي سنة! أو بعد ألف وأربعمائة سنة! والأخطر من كل ما تقدم تفسير الخميني لإحجام القرآن عن ذكر الوصية للأئمة مع أنها أصل الدين وقاعدة الولاء والبراء، قال: (لقد أثبتنا أن النبي أحجم عن التطرق إلى الإمامة في القرآن، لخشيته أن يصاب القرآن من بعده بالتحريف، أو أن تشتد الخلافات بين المسلمين، فيؤثّر ذلك على الإسلام)!! كشف الأسرار ص149، وهذا اتهام صريح للنبيّ -صلى الله عليه وسلم- بأنه هو من حرّف القرآن ومسح ذكر الوصيّة فيه، أو أن القرآن كله من صنع محمد، ولا أدري بعد ذلك أي إسلام ذلك الذي يدعو الخميني لتطبيقه في ظل ولايته الفقهية؟ من الواضح بعد كل هذا أن جوهر ولاية الفقيه مخالف لجوهر التشيع، وربما كان القصد منها الحفاظ على (الشيعة) بهدم (التشيّع)، أو استغلال الشيعة وتوظيفهم لمشروع بناء الإمبراطورية الفارسية بلا وصيّة ولا عصمة ولا إمام، لكن مع بقاء الحقد (المقدّس) على العرب لأنهم حكموا أنفسهم بلا وصية ولا عصمة ولا إمام!! • drmaiash@facebook.com @maiash10
هناك من يردد سؤالاً آخر مؤدّاه، ماذا نفعل إذا وجدنا في البخاري ما يعارض القرآن الكريم، أو يعارض العقل؟ وهذا السؤال بدأ يتردد مع هذه الموجة كجزء من حملة التشويه ومحاولة النيل من مكانة البخاري...
المسألة ليست مسألة تقديس للبخاري، ولو كانت المسألة كذلك لاتجه الناس إلى موطّأ الإمام مالك إمام دار الهجرة، أو مسند ابن حنبل إمام أهل السنّة، بل لقدّسوا مرويّات البخاري نفسه في كتبه الأخرى، فالمسألة عند...
إن هذا الاضطراب والتخبّط لدى هؤلاء يكشف أيضاً عن جهل عريض في أصول هذه العلوم ومبادئها الأولية، ولذلك لا ترى هذا الطعن إلا منهم ومن أمثالهم، ممن لا علم لهم بالسنّة وعلومها. إن علماء السنّة...
يتعرض صحيح البخاري هذه الأيام لحملة من التشكيك وإثارة الشبهات، مع حالة من الغموض بالنسبة لدوافعها وغاياتها، والعلاقات التي تجمع بين أصحابها، الذين كأنهم تفرّغوا اليوم أو فُرّغوا لهذه المهمة. هؤلاء بالعموم لم يُعرف عنهم...
لست أهوّن أبداً من مشروعية الغضب في مثل هذه الصدمات، بل أعتبر هذا دليلاً على حياة الأمة واعتزازها بهويتها وبذاتها، وبالعنوان الكبير الذي يجمعها، رغم محاولات تغييبها وتجزئتها، فحينما أرى شاباً عربياً أو تركياً أو...
قبل ثلاثين سنة، استبشر التيار الإسلامي بالانقلاب الذي قاده الرئيس عمر حسن البشير، وتصاعدت الآمال بالنموذج المرتقب للحكم الإسلامي المعاصر، وصار الناس يتداولون الأخبار والقصص عن زهد الرئيس البشير وتواضعه وحكمته، حتى سمعت من أحد...
بقرار من وزارة التعليم في دولة قطر، تشكلت لجنة من الكفاءات العالية لمراجعة وثيقة المعايير المتعلقة بمناهج التربية الإسلامية. وقد جاء القرار بحد ذاته ليعكس رؤية عميقة وواعدة يمكن تلخيصها في الآتي: أولاً: الاهتمام الخاص...
إن الحكم الوراثي السلالي كان جزءاً من ثقافة العرب عموماً، فإذا مات شيخ القبيلة ورثه ابنه، فإن لم يتهيّأ كان أقرب الناس إليه، ودول العالم المجاور للجزيرة -على الأقل- لم تكن تعرف غير هذا، وحينما...
من الغريب جداً أن «المتنورين» بروح العصر وقيمه وثقافته، يجعلون معيار الحكم على تلك المرحلة معياراً مستنداً بالأساس إلى روح «القداسة» أو قداسة «الروح»، فمرة يحدّثونك عن جريمة الخروج على الإمام علي، بمحاكمة أحادية الجانب،...
التاريخ بكل تأكيد لا تصنعه الملائكة، وإنما هو صناعة بشرية بأحداثه ومواقفه ورواياته وتدويناته وتحليلاته واستنتاجاته ومصادره، إلا ما ورد منه بآية قرآنية أو حديث صحيح. هذه المقدمة -التي ينبغي ألا نختلف فيها- تفتح باباً...
تستغل الباطنية اليوم حالة الضعف العام الذي تمر به الأمة سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وما يصاحبها من تفكك واضطراب في المنظومة القيمية والعقدية الجامعة، وتراجع مستويات التعليم الديني، وعجز المؤسسات الشرعية والجماعات الإسلامية عن مواجهة التحديات...
الباطنية مذاهب مختلفة، يجمعها اعتقاد باطن للقرآن يخالف ظاهره، وأن هذا الباطن هو مراد الله تعالى، والمقصد من هذا إنما هو تحريف العقيدة وإبطال الشريعة، وإشاعة الشك والفوضى، وتبديل الأحكام الواضحة بمفاهيم عائمة لا تحق...