تقنين المحتوى ضرورة في العصر الرقمي

في عالم يتسم بتدفق المعلومات المتسارع، تبرز ضرورة وضع ضوابط ومعايير واضحة لتنظيم هذه الفضاءات الرقمية، وهنا تتزايد أهمية تقنين المحتوى الرقمي في وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما اقترحه مجلس الشورى الموقر خلال جلسته الأخيرة في 23 من ديسمبر 2024، ويندرج مقترح رخصة «مؤثر» تحت إطار المسؤولية المدنية وهي أن الإنسان مسؤول عن أمور أو أفعال قام بها، ويكون مسؤولا عن نتائجها. الأمر الذي يعتبر خطوة حيوية نحو تحقيق بيئة رقمية آمنة وموثوقة لحماية النشء والمجتمع قاطبة، وهو ما يوطد التواصل الفعّال بين الأفراد وعلى مستوى الدول أيضا. تتجلى أبرز سبل تقنين المحتوى في ضرورة تطوير تشريعات قانونية تعزز حرية التعبير مع الحفاظ على حقوق الآخرين، وضمان حماية المعلومات الشخصية للمستخدمين. ومن المهم أيضًا مكافحة الأخبار المزيفة من خلال سن قوانين رادعة، بالإضافة إلى استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لمراقبة المحتوى، وهنا نشيد بدور وزارة الداخلية التي تحمل هذه الأمانة بكل جدارة. ومن التجارب الدولية الناجحة في تقنين المحتوى الرقمي: طبقت سنغافورة سياسات صارمة لتنظيمه، حيث وضعت قوانين تمنع نشر المعلومات الكاذبة وتفرض عقوبات على المخالفين، وأصدرت ألمانيا قانون «NetzDG» الذي يلزم منصات التواصل الاجتماعي بحذف المحتوى غير القانوني، وفرنسا اتخذت خطوات منها تنظيم قوانين مكافحة خطاب الكراهية. ومن خلال هذه التجارب، يمكن تقييم نجاح تقنين المحتوى الرقمي بناءً على عدة مؤشرات منها: تشريعات واضحة وفعالة، تنفيذ القوانين ومراقبتها، تحسين جودة المحتوى المتداول، استطلاعات الرأي حول رضا المواطنين، التعاون الدولي في تبادل المعلومات والخبرات، التأثير على القوة الناعمة للدولة. باختصار، يجب أن يتضمن تقييم نجاح تقنين المحتوى الرقمي مجموعة شاملة من المعايير التي تأخذ في الاعتبار الأبعاد القانونية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية. كما يجب ألا تغفل القوانين عن مسألة الأمن القومي، حيث يتطلب الوضع الرقابة على المحتويات التي قد تؤثر سلبًا على استقرار الدول، وحماية منشآتها الحيوية والأمنية والعسكرية، وخططها الإستراتيجية، كما أن لها كبير الأثر على سمعتها الخارجية، فهو يعكس توجه الدول وهويتها، ومرتبط بشكل وثيق بأدائها الدبلوماسي، ومكانتها، وعلاقاتها الدولية، والإقليمية. وفي سبيل تحقيق كل هذه الغايات، يتطلب الأمر تعاونا فعالا بين الحكومات والشركات التكنولوجية والمجتمع المدني لضمان فعالية تنفيذ القوانين، فدور المجتمع المدني في تقنين صناعة المحتوى الرقمي ليس فقط مسألة تنظيمية، بل هو أيضًا عنصر أساسي في تعزيز الأمن القومي والتماسك الاجتماعي، علاوة على ذلك، يمكن للمجتمع المدني أن يلعب دورًا رقابيًا من خلال رصد الانتهاكات المحتملة في الفضاء الرقمي. إن أحد الأدوار المهمة للمجتمع المدني يكمن في رفع مستوى الوعي لدى الأفراد حول حقوقهم وواجباتهم في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. يتم ذلك من خلال تنظيم حملات توعية وتثقيف تهدف إلى تعزيز الاستخدام المسؤول للمحتوى الرقمي. فمن خلال زيادة الوعي، يمكن للمجتمع المدني أن يساهم في تحقيق توازن بين حرية التعبير وحماية المجتمع من المحتوى الضار. هذا يساهم أيضًا في حماية الأفراد من المعلومات المضللة، مما يعزز جودة المحتوى المتداول. آخر سطر خلال عبورنا للمستقبل من بوابة الذكاء الاصطناعي، فإن تقنين المحتوى الرقمي لا يعد مجرد إجراء قانوني، بل هو ضرورة ملحة لضمان بيئة رقمية آمنة، تؤدي إلى مجتمع رقمي أكثر فاعلية وإيجابية، ويرسخ الصوة الحضارية المشرقة للدولة.