رسوم الجهات الخدمية تحت المجهر

بعيدا عن القطاع الخاص الربحي وبالنظر تحديدا إلى الجهات الخدمية «غير الربحية»، فتُعرَّف على أنها مؤسسات لا تهدف إلى تحقيق أرباح مادية، لكنها تسعى إلى خدمة المصالح العامة، وتسعى دائما إلى تحقيق النفع وإيجاد الحلول للمشكلات الاجتماعية. ولتحديد مفهوم الخدمـة الحكوميـة: فهـي مجمـوع الأنشطة والخطـوات التـي تقـوم بهـا الجهـة الحكوميـة لتحقيـق منفعـة للمتعامليـن بشـكل مباشـر أو غيـر مباشـر وتكـون مكتملـة بتقديـم منتـج الخدمـة النهائـي. بمعنى آخر أن الهدف من وجود جهات حكومية تحمل صفة «الخدمية» هي للنفع العام أي لمساعدة المواطن والمقيم. كما أن قياس النجاح في المنظمات غير الربحية الهادفة إلى خدمة المجتمع يكون إما بحساب عدد الأفراد الذين تلقوا المساعدة خلال فترة زمنية معينة أو مدى رضا الجمهور أو سمعة الجهة إلخ، بينما المؤسسات الربحية هي التي يكون مقياس نجاحها بما حققته من إيرادات على وجه الخصوص. فمعيار النجاح هنا من يضع مصلحة المواطن والخير المشترك من أول أولوياته، فتكريس الربحية يخل بالمبادئ السامية التي رسختها رؤية قطر الوطنية 2030 وجعلتها من أساسيات نمو المجتمع وتطوره، وتقدمه، وهو ما يحث عليه صاحـب السـمو أميـر البـلاد المفـدى الشـيخ تميـم بـن حمـد آل ثانـي – حفظـه الله ورعـاه – فـي خطـاب افتتـاح الـدورة الـ (51) لمجلـس الشـورى من «التيسـير علـى المواطنيـن فـي الأنشطة والخدمـات». والسؤال هو: لماذا تلجأ بعض الجهات الحكومية إلى جعل الربحية قبل الخدمية؟ فخدمة الإنسان في وطنه قيمة سامية وجليلة، وكما عليه من واجبات مقدسة مطالب أن يقوم بها، فله حقوق لا بد من توفرها حتى تكتمل دائرة الأخذ والعطاء. إن المخاض التنموي يتطلب وجود مؤسسات فعالة ومسؤولة وشاملة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، المتفق عليها دوليا، ففي مجال بناء المؤسسات، التي تهدف إلى تعزيز قدرات الموارد المؤسسية والبشرية للحكومات من أجل تحقيق أهداف التنمية الوطنية، تركز الأمم المتحدة في مساعدة البلدان تحديدا على: - تحويل مؤسسات الإدارة العامة الى مؤسسات فعالة كفؤة وشفافة ومبنية على المساءلة ومبتكرة وموجهة للمواطن لإنجاز مهام الدولة بما في ذلك تقديم الخدمات والأهداف وغايات التنمية المستدامة. - تعزيز تنمية قدرات القطاع العام وقيادة الموارد البشرية لدعم القيادة والكفاءة المهنية، فضلا عن السلوك الأخلاقي والالتزام بالخدمة العامة بين موظفي الخدمة المدنية. لذلك لابد من إيجاد مرجعيـة قياسـية لتوثيـق خدمـات الجهـات الحكوميـة، فهي أداة للمساعدة في تحقيق العديد من أهداف السياسة العامة للحكومات، حيث إنها تعزز الإنتاجية والنمو. فتطوير ونشر المعايير يدعم المصلحة الوطنية وتمثيل مصالح بلادنا في القياسات الدولية. لذلك على الجهات الخدمية التحقق من غاياتها من خلال خططها الاستراتيجية ومدى توافقها مع الخطط التنموية للدولة، الرامية بدورها إلى تحقيق الرؤية الوطنية. وقد صدّق صاحب السمو، على قرار مجلس الوزراء رقم (1) لسنة 2023 بإنشاء اللجنة الفنية لدراسة رسوم الخدمات التي تؤديها الجهات الحكومية وتحديد اختصاصاتها، وذلك بدراسة تأثير التعديلات على الأوضاع المادية للفئات المخاطبة بها، وتقييم الرسم ومدى تناسبه مع الخدمة المقدمة وما إذا كانت تستأهل أداء رسم عليها. وجاءت المادة (3) في البند 6 - من القرار- «إجراء دراسة شاملة بشأن الرسوم المطبقة في الدولة بصفة عامة، والتحقق من السند القانوني لكل منها، وبيان ما إذا كان من الملائم التدخل باتخاذ إجراءات تعديل تلك الرسوم بالزيادة أو التخفيض، وما إذا كانت هناك رسوم تستوجب الإلغاء، وما إذا كانت هناك ازدواجية في تحصيل رسوم الخدمات التي تؤديها الجهات الحكومية، مع بيان الأسباب المبررة لكل حالة على حدة». آخر سطر: نأمل أن تكون أُولى توصيات اللجنة الفنية لدراسة رسوم الخدمات التي تؤديها الجهات الحكومية، هي تفعيل قرار وزير الداخلية رقم (17) لسنة 2008 بشأن إعفاء بعض الفئات من بعض رسوم الخدمات التي تؤديها الوزارة والشهادات التي تصدرها. ونطمح للمزيد. @fatma_aldosari