alsharq

د. محمد عياش الكبيسي

عدد المقالات 336

منابر الجمعة وقضايا المجتمع 2-2

21 أغسطس 2018 , 12:31ص

إن الخطيب لا يعبّر عن ثقافته الشخصية وطريقة إعداده وتكوينه فقط، وإنما يعبّر أيضاً عن المؤسسة التي يعمل فيها، وأقصد هنا الجهات الرسمية والمؤسسات الدينية المكلفة بتنظيم هذا العمل ومراقبته والإشراف عليه، كما أنه يعبّر عن ثقافة المجتمع ونظرته للدين والحياة. إن اختلاف الخطباء في آرائهم السياسية، وحتى الثقافية والاجتماعية، هو انعكاس لاختلاف دولهم وحكوماتهم، من هنا أصبحت منابر الإسلام ليست بالضرورة تمثّل الإسلام والرؤية الإسلامية، وهذه الحالة تضيق وتتسع بحسب هامش الحرية الذي يميّز هذه الدولة عن تلك، أو يميّز هذه المؤسسة عن مثيلاتها. أذكر بهذا الصدد أن وزيراً كان يهدد كل خطيب لا يُصلي في مسجده على النبي بعد الأذان، فهذا يكفي لاتهامه بالوهابية! وربما يكون العكس في البلاد الأخرى، أما توزيع الخطب المكتوبة، وبطريقة مركزية وموحّدة، فهذا موجود أيضاً في بعض الدول، وهو مؤشر أخطر على فقدان المنبر لرسالته الحقيقية. أما تعبير المنبر عن طبيعة المجتمع ومستوى وعيه واهتماماته، فيلحظ هذا في طريقة تعامل المجتمع مع منابر الجمعة، فعندنا المجتمعات التي تبحث عن الكلمة القويّة والجريئة مهما كانت نتائجها، وعندنا المجتمعات التي تبحث عن الاستقرار والسكينة والهدوء، ولا تحب الدخول في المشاكل والمجازفات، وهناك مجتمعات لا يهمها إلا قصر الخطبة وأداء واجب الجمعة بأقصر وقت ممكن، وهذه السلوكيّات المجتمعية المختلفة إنما تعبّر هي أيضاً عن طبيعة العلاقة بين أضلاع المثلث: الخطيب، ومن يعيّن الخطيب، ومن يستمع إلى الخطيب. وِفق هذه المعادلة، فإن الخطباء يتحملون عبئاً ليس بالسهل، خاصة إذا وقعوا بين ضلعين متنافرين، حكومة مستبدة، وشعب ناقم، وهنا يكون الخطيب في مأزق حقيقي بين الالتزام بواجبه الوظيفي، أو الالتزام بمسؤوليته الاجتماعية، وفي بعض الأحيان يقع في سوء تقدير وسوء تصرّف من الطرفين، فالحكومة تريد منه أن يثبت ولاءه لها ولو أدّى ذلك إلى نفرة المصلّين، والمجتمع يريد منه أقصى ما يمكن أن يعبّر فيه عن مشاعرهم واحتقانهم المكبوت حتى لو أدّى إلى سجنه أو إعدامه أو إفراغ المنابر من أهلها، وأذكر بهذا الصدد أن وزير الأوقاف العراقي في الثمانينات أصدر أمراً أن كل خطيب لا يدعو لرئيس الجمهورية بالاسم يمنع من الخطابة، ويلتحق جندياً بجبهة القتال مع إيران، وقد وقع الخطباء بمأزق ليس بسبب التحرّج الشرعي، بل بسبب التخوّف من ردود فعل الشباب! وقد حصل المحظوران معا، فقدْ فَقَد بعض الخطباء منابرهم، بينما فقد الآخرون مواقعهم في مجتمعاتهم. هناك مشكلة أخرى خارج هذا السياق، تتمثل في وجود شريحة من الخطباء في بعض البلاد، ليس لهم صلة بالمجتمع أصلاً، لأنهم وافدون وليسوا مواطنين، وهؤلاء من الطبيعي أنهم لا يعرفون مشاكل المجتمع ولا القضايا التي تشغله، ولا المجتمع يتوقع منهم التطرق إلى ذلك، ولا شك أن كثرة هذا الصنف من الخطباء يساهم في عزل المنبر عن محيطه الطبيعي، ويفرغه من رسالته ودوره المنشود. إننا إذا أردنا أن نعيد للمنبر رسالته المجتمعية، فلنلاحظ السلسلة المتصلة من بدايتها في محاضن التعليم الديني، ثم المؤسسات الرسمية ومعايير التوظيف والمتابعة، مروراً بمسؤولية المجتمع نفسه ووعيه وطريقة تفكيره ونظرته للمنبر وما يتوقع منه، إضافة إلى مسؤولية الخطيب نفسه.

لماذا هذا الهجوم المتزايد على صحيح الإمام البخاري؟ (4-4)

هناك من يردد سؤالاً آخر مؤدّاه، ماذا نفعل إذا وجدنا في البخاري ما يعارض القرآن الكريم، أو يعارض العقل؟ وهذا السؤال بدأ يتردد مع هذه الموجة كجزء من حملة التشويه ومحاولة النيل من مكانة البخاري...

لماذا هذا الهجوم المتزايد على صحيح الإمام البخاري؟ (3-4)

المسألة ليست مسألة تقديس للبخاري، ولو كانت المسألة كذلك لاتجه الناس إلى موطّأ الإمام مالك إمام دار الهجرة، أو مسند ابن حنبل إمام أهل السنّة، بل لقدّسوا مرويّات البخاري نفسه في كتبه الأخرى، فالمسألة عند...

لماذا هذا الهجوم المتزايد على صحيح الإمام البخاري؟ (2-4)

إن هذا الاضطراب والتخبّط لدى هؤلاء يكشف أيضاً عن جهل عريض في أصول هذه العلوم ومبادئها الأولية، ولذلك لا ترى هذا الطعن إلا منهم ومن أمثالهم، ممن لا علم لهم بالسنّة وعلومها. إن علماء السنّة...

لماذا هذا الهجوم المتزايد على صحيح الإمام البخاري؟ (1-4)

يتعرض صحيح البخاري هذه الأيام لحملة من التشكيك وإثارة الشبهات، مع حالة من الغموض بالنسبة لدوافعها وغاياتها، والعلاقات التي تجمع بين أصحابها، الذين كأنهم تفرّغوا اليوم أو فُرّغوا لهذه المهمة. هؤلاء بالعموم لم يُعرف عنهم...

جريمة نيوزيلندا في إطارها الأوسع

لست أهوّن أبداً من مشروعية الغضب في مثل هذه الصدمات، بل أعتبر هذا دليلاً على حياة الأمة واعتزازها بهويتها وبذاتها، وبالعنوان الكبير الذي يجمعها، رغم محاولات تغييبها وتجزئتها، فحينما أرى شاباً عربياً أو تركياً أو...

وقفة مع التجربة الإسلامية في السودان

قبل ثلاثين سنة، استبشر التيار الإسلامي بالانقلاب الذي قاده الرئيس عمر حسن البشير، وتصاعدت الآمال بالنموذج المرتقب للحكم الإسلامي المعاصر، وصار الناس يتداولون الأخبار والقصص عن زهد الرئيس البشير وتواضعه وحكمته، حتى سمعت من أحد...

خطوات سليمة لبناء مناهج التربية الإسلامية

بقرار من وزارة التعليم في دولة قطر، تشكلت لجنة من الكفاءات العالية لمراجعة وثيقة المعايير المتعلقة بمناهج التربية الإسلامية. وقد جاء القرار بحد ذاته ليعكس رؤية عميقة وواعدة يمكن تلخيصها في الآتي: أولاً: الاهتمام الخاص...

المعايير الناقصة والمغلوطة في محاكمة التاريخ (3-3)

إن الحكم الوراثي السلالي كان جزءاً من ثقافة العرب عموماً، فإذا مات شيخ القبيلة ورثه ابنه، فإن لم يتهيّأ كان أقرب الناس إليه، ودول العالم المجاور للجزيرة -على الأقل- لم تكن تعرف غير هذا، وحينما...

المعايير الناقصة والمغلوطة في محاكمة التاريخ (2-3)

من الغريب جداً أن «المتنورين» بروح العصر وقيمه وثقافته، يجعلون معيار الحكم على تلك المرحلة معياراً مستنداً بالأساس إلى روح «القداسة» أو قداسة «الروح»، فمرة يحدّثونك عن جريمة الخروج على الإمام علي، بمحاكمة أحادية الجانب،...

المعايير الناقصة والمغلوطة في محاكمة التاريخ (1-3)

التاريخ بكل تأكيد لا تصنعه الملائكة، وإنما هو صناعة بشرية بأحداثه ومواقفه ورواياته وتدويناته وتحليلاته واستنتاجاته ومصادره، إلا ما ورد منه بآية قرآنية أو حديث صحيح. هذه المقدمة -التي ينبغي ألا نختلف فيها- تفتح باباً...

حينما تتبرقع الباطنية بشعارات التجديد (2-3)

تستغل الباطنية اليوم حالة الضعف العام الذي تمر به الأمة سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وما يصاحبها من تفكك واضطراب في المنظومة القيمية والعقدية الجامعة، وتراجع مستويات التعليم الديني، وعجز المؤسسات الشرعية والجماعات الإسلامية عن مواجهة التحديات...

حينما تتبرقع الباطنيّة بشعارات التجديد (1-3)

الباطنية مذاهب مختلفة، يجمعها اعتقاد باطن للقرآن يخالف ظاهره، وأن هذا الباطن هو مراد الله تعالى، والمقصد من هذا إنما هو تحريف العقيدة وإبطال الشريعة، وإشاعة الشك والفوضى، وتبديل الأحكام الواضحة بمفاهيم عائمة لا تحق...