


عدد المقالات 58
حين يرد اسم «ألفريد نوبل» يخطر بالبال تلقائياً جائزة السلام المعروفة باسمه، ومع ذلك فالجائزة ليست سوى الفصل الثاني من حياة هذا الرجل. لقد كان «ألفريد نوبل» كيميائياً سويدياً، عمل على ترويض وضبط استعمال مادة النيتروجليسرين، وبذل جهداً كبيراً وصرف وقتاً عظيماً حتى توصل إلى اختراع الديناميت عام 1867م، ولما حصل على براءة اختراعه تهافتت على شرائه شركات البناء والمناجم التي كان لها رواج كبير في ذلك الوقت، كما تهافتت على شراء الديناميت وبشكل مهول القوات المسلحة في أكثر من دولة، وكان الطلب المتزايد على اختراعه عظيماً لدرجة أنه اضطر إلى إنشاء عشرات المصانع والمعامل في أكثر من عشرين دولة، فجنى من وراء ذلك أموالاً طائلة، وكون ثروة هائلة جعلت منه واحداً من أغنى أغنياء العالم في عصره. وفي أحد الأيام توفي أخوه فنشرت إحدى الصحف بالخطأ نعياً لـ «ألفريد نوبل» ظناً منها أنه هو المتوفى، وكان مما وصفت به ألفريد أنه الرجل الذي أصبح غنياً من دماء البشر، بعدما أتاح للناس باختراعه الديناميت قتل بعضهم البعض بأعداد لم يسبق لها مثيل من قبل. هذا الحكم من الصحيفة على ألفريد وتاريخه سبب له صدمة عظيمة هزت كل كيانه، حين رأى الذكرى السيئة والصورة السوداء التي سيخلفها لنفسه من بعده؛ وهو الذي كان يعتقد أنه باختراعه الديناميت صنع لنفسه مجداً وذكراً خالداً، فاتخذ في تلك اللحظة قراراً حاسماً بتغيير تلك الصورة البشعة، فأعلن في 1895م تأسيس جائزة نوبل لتكريم الرجال والنساء الذين يقدمون إنجازات باهرة ومتميزة في كل من الفيزياء، والكيمياء، والأدب، والطب، وكل من يعمل لنشر مبادئ السلام في العالم، وهكذا أوقف ثروته لمكافأة كل من أنجز شيئاً صالحاً يخدم البشرية. وفي عام 1896م توفي «ألفريد نوبل» في مدينة سان ريمو الإيطالية، بعدما نجح في تغيير تلك الصورة البشعة التي كانت قد ارتبطت باسمه، إلى صورة جميلة محببة تتوارثها الأجيال ويحتفل بها العالم عاماً بعد عام، بصفته داعية للسلام، ومشجعاً للعلم، وداعماً له، مادياً ومعنوياً. إننا كبشر نحب سماع الثناء الحسن والسمعة الطيبة، ونحب أن تكون لنا صورة جميلة ومشرقة في أذهان الناس، صورة قائمة على الشرف والأخلاق والقيم وتحقيق النجاح وكل ما يُمدح به، وهذا أمر طبيعي ومن الحوافز الطبيعية التي فطر الله سبحانه النفس البشرية عليها كما قال الشاعر: ويهتز للمعروف في طلب العلا... لتحمد يوما عند ليلى شمائله وقد تكون أحوالنا بعيدة جداً عن تلك الصورة التي تحقق لنا السمعة الحسنة التي نتمناها ونتمنى توريثها لأبنائنا من بعدنا، إلا أن همة بعضنا تثبطه وتقعد به فيمتنع عن السعي لتحقيق أهدافه ويكسل عن تحسين ذاته معتذراً بفوات الوقت؛ مع أن الصورة التي يعيش بها «نوبل» بين الناس اليوم ولدت قبل وفاته بسنة واحدة فقط، ولكنها عاشت من بعده عمراً طويلاً. إن تحقيق الإنسان الجاد لما يصبو إليه من سمعة طيبة عند الناس تزخر بالمجد والشرف والنجاح والثراء رهن بوضوح هدفه وعلو همته وقوة إرادته وتوكله على الله، وهذا ليس من باب الرياء المذموم، بل هذا من باب قول إبراهيم الخليل عليه السلام: «وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ».. ولسان الصدق فسره جمهور العلماء بأنه الثناء الحسن وما يورث الذكر الجميل. وقال الإمام مالك تعليقاً على الآية: «لا بأس أن يحب الرجل أن يُثنى عليه صالحاً، ويُرى في عمل الصالحين إذا قصد به وجه الله تعالى». وقال شوقي: دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثواني فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثاني
في ربيع الأول من سنة 41 هـ تنازل الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما إلى معاوية بن أبي سفيان عن الخلافة, وعلق المؤرخ ابن كثير على هذه الحادثة قائلاً: «وذلك كمال ثلاثين...
في العام الثامن للهجرة أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية في قرابة ثلاثة آلاف فارس إلى البلقاء من أرض الشام لمقاتلة جيش يعد يومئذ أقوى جيوش العالم وأمر عليهم زيد بن حارثة، وقال:...
في يوم من الأيام بحدود 350 قبل الميلاد وقبل غروب الشمس كان فيلسوف الهند الكبير «شاناكيا» -وله أسماء أخرى اشتهر بها مثل «فشنوجوتبا» و «كاوتيليا»- يراقب باهتمام مجموعة من الصبية يلعبون؛ فلفت نظره أن أحد...
كان يُعرف بالفتى المُدَلَّل؛ فكان لا يلبس الثوب الواحد ليومين مُتتاليين، وكان له عِطر يُعرف به بسبب نَشْأته في أحضان أم مُترَفة فعاش في يُسر وسعة. اختار ابن الدار الواسعة السير في طريق الإسلام الشاقة،...
في العقد الأخير من القرن التاسع عشر(1890م) كان هناك شاب في العشرين من عمره يعمل لدى شركة «بوفالو فورج» في «بونالو» بنيويورك، وَعُيِّن في قسم آلات تزويد الغاز في مصنع تابع لشركة «بيتسبرج بلايت جلاس»...
جاءت قريش وشكت النبي إلى أبي طالب فكان جوابه عليه السلام لعمه وهم يسمعون: «يا عم، إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها، تدين لهم بها العرب، وتؤدي إليهم بها العجم الجزية»، ففزعوا لكلمته ولقوله، فقالوا:...
لقد سرنا سوياً في هذه السلسلة التاريخية والفكرية المسماة «صراع المشاريع» برحلة طويلة من الزمن، حيث بدأنا في الحلقة الأولى من نهاية القرن الهجري الثالث إلى أن وقفنا في الحلقة العاشرة عند القرن الثامن الهجري،...
كان المشروع الصليبي أطولَ المشاريع المعادية للأمة عُمرا وأكثرَها استنزافا لطاقتها وإرهاقا لها، وقد استمر فترة طويلة من الزمن تعاقبت على حربه دولٌ إسلامية كثيرة حتى قدَّر الله سبحانه أن تكون نهاية وجودهم كإمارات وحكام...
تُعتبر مرحلة الأيوبيين ما بعد «صلاح الدين» من أهم مراحل الصراع بين المشروع الإسلامي والمشروع الصليبي الذي أبى أن يَفتُر أو يستسلم؛ بل شنَّ أربع حملات متتاليةً وشرسة. والحقيقة أن «صلاح الدين الأيوبي» بما تميز...
بوفاة الملك الناصر «صلاح الدين الأيوبي» رحمه الله عام589هـ يكون قد مضى على بدء ملحمة صراع المشاريع مرحلة زمنية كبيرة نسبياً تقارب الثلاثة قرون، وذلك إذا قدَّرنا بداية الصراع بظهور أول دولة للمشروع الباطني وهي...
يستمرصراع المشاريع ليتجاوز القرون من الزمن، والأمة من حرب إلى حرب، ومن صراع إلى صراع، تسطر ملحمة حضارية حافلة بالانتصارات والهزائم والأفراح والآلام توجتها البطولات التاريخية التي قادتها إلى نصر حضاري قبل أن يكون عسكريا...
قال المؤرخ ابن الأثير: «طالعتُ سير الملوك المتقدمين فلم أر بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبدالعزيز أحسن سيرة ولا أكثر تحريا للعدل منه، وهو أول من ابتنى دارا للعدل وكان يجلس فيها أربع مرات أسبوعيا...