


عدد المقالات 58
كان يتمتع بدرجة كبيرة من المثابرة ودائما ما يرى الجانب الأفضل في كل شيء، وقال ذات مرة: «إن استطعنا فعل كل ما باستطاعتنا فعله فسوف نذهل أنفسنا»، وقد أطلقت عليه مجلة لايف لقب رجل الألفية الأول، وبلغ عدد مخترعاته أرقاما مذهلة بلغت ألفا وثلاثين وتسعين اختراعا وله من براءات الاختراع ما يفوق أي شخص آخر في العالم، حيث كان وعلى مدار خمسة وستين عاما متتالية يمنح براءة اختراع سنويا، كما يرجع إليه الفضل في تطوير معامل الأبحاث، كما هي اليوم في شكلها العصري.. إنه المخترع الشهير «توماس إديسون» الذي من مثابرته أن قام بعشرة آلاف محاولة حتى يكتشف المادة المناسبة لصناعة المصباح الكهربائي، فلم يكن ينظر لتلك المحاولات على أنها محاولات فاشلة، بل كان واثقا أن مثابرته ستمكنه من اكتشاف المادة المناسبة، ويمكن قياس إيمانه بأهمية المثابرة من خلال مقولته التالية: «إن الكثير من حالات الفشل حدثت لأن الناس لم يدركوا حين قرروا الاستسلام كم كانوا قريبين من النجاح». وربما كان أكثر ما يبين لنا تفاؤله الذي يمده بالمثابرة هو الكيفية التي تعامل بها مع تلك المأساة التي أصابته، وهو في أواخر الستينات من العمر، حيث كان قد بنى في ولاية نيوجرسي معملا هائلا مكونا من أربعة عشر مبنى، وكان المبنى الرئيسي لوحده يفوق في حجمه حجم ملعب كرة القدم، وصار هذا المعمل نموذجا لمعمل الأبحاث والتصنيع الحديث، وكان يطلق عليه اسم مصنع المخترعات، وكان ذا شهرة عالمية، ومنه كان يقوم هو وفريقه بابتكار المخترعات وبناء النماذج الأولية لها. لقد أحب هذا المكان وكان يقضي فيه كل لحظة ممكنة، بل إنه كان غالبا ما ينام على كنبة هناك، وفي أحد أيام شهر ديسمبر في عام 1914 شبت نيران في معمله العظيم، وبينما هو يحترق كان «إديسون» يقف أمامه يشاهد النيران تأكله فنقل عنه أنه قال: «أحضروا أمهاتكم أيها الأطفال، فلن ترى نار بهذه الشدة بعد اليوم». حادث كهذا كفيل بتحطيم معظم الناس لكن ليس هو، لقد قال بعد هذه المأساة: «إنني في السابعة والستين من العمر الآن، ولكني لم أشخ لدرجة تعجزني عن البدء من جديد، لقد مررت بأشياء كثيرة مشابهة لهذا». وبالفعل قام بإعادة بناء معمله ثم واصل العمل لسبعة عشر عاما بعدها وقد قال: «إن عقلي مليء بالأفكار لكن ليس أمامي سوى وقت بسيط، أتوقع أن أموت عن عمر يناهز المئة عام». وقد مات عن أربعة وثمانين عاما. يرجع الكثير من الناس قدرة «إديسون» الخارقة على الاختراع إلى عبقريته، بينما كان يرجعها هو إلى العمل الجاد والمثابرة الدائمة، حيث كان دائما يقول: «إن العبقرية تسعة وتسعون بالمئة منها جهد وواحد بالمئة إلهام». إن المثابرة هي المفتاح السري للرقي والعمود الفقري للنجاح، وما من شخصية عبر التاريخ استطاعت أن ترتقي وتحقق إنجازات متميزة كبرى في أي مجال إلا كانت متصفة بها، وقد أثبتت الدراسات الحديثة أهمية المثابرة كأساس من أسس النجاح للناس عموما وللقادة خصوصا، وإن من أكبر أسباب الفشل سرعة اليأس والتوقف عن مواصلة العمل عند مواجهة المعوقات والأخطاء. إن الاستسلام واليأس وافتقاد روح المثابة لا يلتقي أبداً مع النجاح والفوز والرفعة. أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ومدمن القرع للأبواب أن يلجا وفي السنوات الأولى للدعوة الإسلامية كان النبي عليه السلام ومعه الرعيل الأول يلقون في سبيل نشر دعوتهم العنت والضيق والأذى الكبير، والنبي مع ذلك يثابر ويصابر حاملا رسالته في كل ناد، ولما نفذ صبر قريش عليه جاؤوا إلى عمه أبي طالب يشكونه ويهددونه، فناده عمه وقال له: يا ابن أخي إن قومك قد جاؤوني فقالوا لي كذا وكذا، فابق يا ابن أخي علي وعلى نفسك ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق، عندها شعر النبي عليه السلام من ذلك القول إن عمه سيسلمه لأعدائه أو أنه ضعف أمامهم فوقف عليه السلام متجلدا ومثابرا وقال قولته المشهورة: يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه، فقال أبوطالب: يا ابن أخي اذهب فو الله لا أسلمك لشيء أبدا.
في ربيع الأول من سنة 41 هـ تنازل الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما إلى معاوية بن أبي سفيان عن الخلافة, وعلق المؤرخ ابن كثير على هذه الحادثة قائلاً: «وذلك كمال ثلاثين...
في العام الثامن للهجرة أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية في قرابة ثلاثة آلاف فارس إلى البلقاء من أرض الشام لمقاتلة جيش يعد يومئذ أقوى جيوش العالم وأمر عليهم زيد بن حارثة، وقال:...
في يوم من الأيام بحدود 350 قبل الميلاد وقبل غروب الشمس كان فيلسوف الهند الكبير «شاناكيا» -وله أسماء أخرى اشتهر بها مثل «فشنوجوتبا» و «كاوتيليا»- يراقب باهتمام مجموعة من الصبية يلعبون؛ فلفت نظره أن أحد...
كان يُعرف بالفتى المُدَلَّل؛ فكان لا يلبس الثوب الواحد ليومين مُتتاليين، وكان له عِطر يُعرف به بسبب نَشْأته في أحضان أم مُترَفة فعاش في يُسر وسعة. اختار ابن الدار الواسعة السير في طريق الإسلام الشاقة،...
في العقد الأخير من القرن التاسع عشر(1890م) كان هناك شاب في العشرين من عمره يعمل لدى شركة «بوفالو فورج» في «بونالو» بنيويورك، وَعُيِّن في قسم آلات تزويد الغاز في مصنع تابع لشركة «بيتسبرج بلايت جلاس»...
جاءت قريش وشكت النبي إلى أبي طالب فكان جوابه عليه السلام لعمه وهم يسمعون: «يا عم، إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها، تدين لهم بها العرب، وتؤدي إليهم بها العجم الجزية»، ففزعوا لكلمته ولقوله، فقالوا:...
لقد سرنا سوياً في هذه السلسلة التاريخية والفكرية المسماة «صراع المشاريع» برحلة طويلة من الزمن، حيث بدأنا في الحلقة الأولى من نهاية القرن الهجري الثالث إلى أن وقفنا في الحلقة العاشرة عند القرن الثامن الهجري،...
كان المشروع الصليبي أطولَ المشاريع المعادية للأمة عُمرا وأكثرَها استنزافا لطاقتها وإرهاقا لها، وقد استمر فترة طويلة من الزمن تعاقبت على حربه دولٌ إسلامية كثيرة حتى قدَّر الله سبحانه أن تكون نهاية وجودهم كإمارات وحكام...
تُعتبر مرحلة الأيوبيين ما بعد «صلاح الدين» من أهم مراحل الصراع بين المشروع الإسلامي والمشروع الصليبي الذي أبى أن يَفتُر أو يستسلم؛ بل شنَّ أربع حملات متتاليةً وشرسة. والحقيقة أن «صلاح الدين الأيوبي» بما تميز...
بوفاة الملك الناصر «صلاح الدين الأيوبي» رحمه الله عام589هـ يكون قد مضى على بدء ملحمة صراع المشاريع مرحلة زمنية كبيرة نسبياً تقارب الثلاثة قرون، وذلك إذا قدَّرنا بداية الصراع بظهور أول دولة للمشروع الباطني وهي...
يستمرصراع المشاريع ليتجاوز القرون من الزمن، والأمة من حرب إلى حرب، ومن صراع إلى صراع، تسطر ملحمة حضارية حافلة بالانتصارات والهزائم والأفراح والآلام توجتها البطولات التاريخية التي قادتها إلى نصر حضاري قبل أن يكون عسكريا...
قال المؤرخ ابن الأثير: «طالعتُ سير الملوك المتقدمين فلم أر بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبدالعزيز أحسن سيرة ولا أكثر تحريا للعدل منه، وهو أول من ابتنى دارا للعدل وكان يجلس فيها أربع مرات أسبوعيا...