عدد المقالات 336
إن «الإسلاميين» العرب ربما يجدون في النجاحات الأردوغانية عزاء مناسباً للانتكاسات الخطيرة والتبعات الثقيلة التي تنوء بها مشاريعهم المرتبكة، كأنهم يقولون للناس: إن مشاريعنا تمتلك القدرة على تحقيق النجاح وإن أخفقت في بعض محطّاتها ومراحلها، وهذا يذكّرني بفرّاش مدرسة كان عندنا في الفلوجة، وكان يستحيي من ذكر راتبه المتواضع، فكان حينما يُسأل عنه يقول: أنا والمدير راتبنا كذا! إن الجماعات الإسلامية في عالمنا العربي مطلوب منها أن تراجع سياساتها المعتمدة أساساً على الأيديولوجيا المكثّفة، والتي تتناقض أساساً مع التجربة الأردوغانية التي تعتمد على الإنجازات المادّية الملموسة والبعيدة تماماً عن الخطاب المؤدلج، فأردوغان ليس داعية إسلامياً بالمفهوم العربي للدعوة، كما أن حزبه ليس حزباً إسلامياً بالمفهوم العربي للأحزاب الإسلامية، فالكثير من أعضاء العدالة والتنمية ليسوا من المتدينين أصلاً، والحزب بطبيعته لا يمارس الدعوة، ولا يقيّم الناس على أساسها، إنه حزب سياسي ببرنامج اقتصادي وتنموي، مع سمت إسلامي عام، لا يتدخل في التفاصيل. أما الكلام عن «الخلافة العثمانية» عند من يبشّر بها أو عند من يتخوّف منها فلا يعدو أن يكون صراعاً بين أحلام ومخاوف لا حقيقة لها، فمشروع الخلافة غير مطروح أصلاً في أدبيات العدالة والتنمية، ولا شك أنه لو طُرح بأي صيغة من الصيغ فإنه سيتسبب في تصدعات خطيرة بقواعد الحزب، أما الشعب التركي فمع أنه شعب مسلم ومتمسك بهويته الإسلامية إلا أنه غير مستعد -حتى من الناحية النظرية- أن يناقش مثل هذا الموضوع، غاية ما في الأمر أنك قد تجد من بعضهم من يمجّد التاريخ العثماني، باعتباره تاريخاً مجيداً لأجدادهم، لكن العرب من الصنفين يفسّرونه بما يناسب أحلامهم أو مخاوفهم، علماً أن كل المؤيدين للعدالة والتنمية وللرئيس أردوغان -على اختلاف توجهاتهم- لم يتجاوزوا نسبة 53%، وهذه النسبة قد تهبط هبوطاً كبيراً في حالة التلويح بالخلافة، أو تطبيق الشريعة. يضاف إلى كل ما ذكر، فإن اهتمامات أردوغان بالقضايا العربية لا تشكّل شيئاً لا بالنسبة لأحلام الحالمين، ولا بالنسبة لمخاوف المتخوّفين، ومن مجافاة الحق والحقيقة مقارنة المشروع التركي مثلاً بالمشروع الإيراني في هذا المجال، فإيران التي تبنّت مبكراً مشروع «تصدير الثورة» ما زالت تلقي بكل ثقلها السياسي والاقتصادي والعسكري في أي بقعة تتمكن من الوصول إليها في عالمنا العربي، بينما لم تتدخل تركيا في أي بلد عربي إلا بالحدود الضيقة جداً والمبررة داخلياً. إن على العرب الحالمين والمتخوفين أن يكفّوا عن مجادلاتهم العبثية حول «الخلافة الأردوغانية»، فليس لهذه الخلافة من وجود إلا في مخيّلاتهم، كما أنه ليس وارداً في مشروع أردوغان أن يعيد الحكم للإخوان في مصر، ولا أن يحارب إسرائيل من أجل حماس، ولا أن يحارب إيران من أجل السوريين، أو من أجل سنّة العراق، كما أنه لن يقيم دولة تجلد الشارب، أو تقطع السارق، أو ترجم الزاني. إن مشروع أردوغان مشروع وطني تركي، وإن كان بسمت إسلامي، وإن اهتماماته الخارجية لا تخرج أبداً عن اهتمامات «الدولة الحديثة» بعلاقاتها ومصالحها الخارجية، وليس هناك أي مؤشّر عملي للخروج عن هذا السياق، وللعرب أن يبنوا علاقاتهم مع تركيا على هذه الأسس أيضاً.
هناك من يردد سؤالاً آخر مؤدّاه، ماذا نفعل إذا وجدنا في البخاري ما يعارض القرآن الكريم، أو يعارض العقل؟ وهذا السؤال بدأ يتردد مع هذه الموجة كجزء من حملة التشويه ومحاولة النيل من مكانة البخاري...
المسألة ليست مسألة تقديس للبخاري، ولو كانت المسألة كذلك لاتجه الناس إلى موطّأ الإمام مالك إمام دار الهجرة، أو مسند ابن حنبل إمام أهل السنّة، بل لقدّسوا مرويّات البخاري نفسه في كتبه الأخرى، فالمسألة عند...
إن هذا الاضطراب والتخبّط لدى هؤلاء يكشف أيضاً عن جهل عريض في أصول هذه العلوم ومبادئها الأولية، ولذلك لا ترى هذا الطعن إلا منهم ومن أمثالهم، ممن لا علم لهم بالسنّة وعلومها. إن علماء السنّة...
يتعرض صحيح البخاري هذه الأيام لحملة من التشكيك وإثارة الشبهات، مع حالة من الغموض بالنسبة لدوافعها وغاياتها، والعلاقات التي تجمع بين أصحابها، الذين كأنهم تفرّغوا اليوم أو فُرّغوا لهذه المهمة. هؤلاء بالعموم لم يُعرف عنهم...
لست أهوّن أبداً من مشروعية الغضب في مثل هذه الصدمات، بل أعتبر هذا دليلاً على حياة الأمة واعتزازها بهويتها وبذاتها، وبالعنوان الكبير الذي يجمعها، رغم محاولات تغييبها وتجزئتها، فحينما أرى شاباً عربياً أو تركياً أو...
قبل ثلاثين سنة، استبشر التيار الإسلامي بالانقلاب الذي قاده الرئيس عمر حسن البشير، وتصاعدت الآمال بالنموذج المرتقب للحكم الإسلامي المعاصر، وصار الناس يتداولون الأخبار والقصص عن زهد الرئيس البشير وتواضعه وحكمته، حتى سمعت من أحد...
بقرار من وزارة التعليم في دولة قطر، تشكلت لجنة من الكفاءات العالية لمراجعة وثيقة المعايير المتعلقة بمناهج التربية الإسلامية. وقد جاء القرار بحد ذاته ليعكس رؤية عميقة وواعدة يمكن تلخيصها في الآتي: أولاً: الاهتمام الخاص...
إن الحكم الوراثي السلالي كان جزءاً من ثقافة العرب عموماً، فإذا مات شيخ القبيلة ورثه ابنه، فإن لم يتهيّأ كان أقرب الناس إليه، ودول العالم المجاور للجزيرة -على الأقل- لم تكن تعرف غير هذا، وحينما...
من الغريب جداً أن «المتنورين» بروح العصر وقيمه وثقافته، يجعلون معيار الحكم على تلك المرحلة معياراً مستنداً بالأساس إلى روح «القداسة» أو قداسة «الروح»، فمرة يحدّثونك عن جريمة الخروج على الإمام علي، بمحاكمة أحادية الجانب،...
التاريخ بكل تأكيد لا تصنعه الملائكة، وإنما هو صناعة بشرية بأحداثه ومواقفه ورواياته وتدويناته وتحليلاته واستنتاجاته ومصادره، إلا ما ورد منه بآية قرآنية أو حديث صحيح. هذه المقدمة -التي ينبغي ألا نختلف فيها- تفتح باباً...
تستغل الباطنية اليوم حالة الضعف العام الذي تمر به الأمة سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وما يصاحبها من تفكك واضطراب في المنظومة القيمية والعقدية الجامعة، وتراجع مستويات التعليم الديني، وعجز المؤسسات الشرعية والجماعات الإسلامية عن مواجهة التحديات...
الباطنية مذاهب مختلفة، يجمعها اعتقاد باطن للقرآن يخالف ظاهره، وأن هذا الباطن هو مراد الله تعالى، والمقصد من هذا إنما هو تحريف العقيدة وإبطال الشريعة، وإشاعة الشك والفوضى، وتبديل الأحكام الواضحة بمفاهيم عائمة لا تحق...