


عدد المقالات 58
بدأت قدراته القيادية تظهر عندما كان في الجامعة وفي تلك الفترة اطلع على رسالة عن حياة «غاندي» وتعاليمه تركت فيه أثرا خالدا، فأخذ يدرس حياة هذا القائد الهندي العظيم بجدية ووعي، وفي الوقت نفسه واصل تعليمه حتى نال شهادة الدكتوراه. وفي دسمبر 1955 حدثت حادثة بسيطة غيرت تاريخ أمة بأكملها عندما رفضت وبإصرار السمراء «روزا باركس» التخلي عن مقعدها في الباص لراكب أبيض كما تقتضيه القوانين العنصرية آنذاك؛ حيث كان الأميركان السود يتعرضون لأنواع الذل والمهانة وويلات العذاب ويواجهون بالكراهية، ما أدى إلى اعتقالها، عندها قام الأميركيون من أصول إفريقية بإضراب قاطعوا فيه النقل العام ليوم واحد فلما نجحوا قرروا إنشاء جمعية لمواصلة المقاطعة وحيث كان «كينج» قائدا في المجتمع فقد انتُخب رئيسا لها بالإجماع. طالبت الجمعية بأن يكون المقعد في وسائل النقل العمومية لمن يجلس عليه أولا وبتوظيف السائقين من السود وبأن يعامل الركاب السود باحترام، وبعد فترة من النضال بدأت جهود الجمعية تؤتي ثمارها وبدا عالم السود يتغير نحو الأفضل، ومع كل نجاح جديد كان نجم «كينج» كقائد يسطع أكثر وتترسخ قيادته في المجتمع أكثر وأكثر، وفي الوقت نفسه كان الثمن الذي يدفعه كإنسان يكبر أكثر فأكثر. تقول زوجته: «كان جرس الهاتف يرن ليل نهار ونتلقى الشتائم البذيئة والتهديد بقتلنا، ورغم ذلك كنت أشعر بالإلهام بل بالبهجة والسرور». لقد كانت الأوضاع تنذر بتفجر العنف وإسالة أنهار من الدماء لولا اختيار «كينج» المقاومة اللاعنيفة؛ فمثلا في 1956 ألقيت قنبلة على منزله كاد يفقد بسببها زوجته وابنه، وكردة فعل اجتمع مجموعة من السود بأسلحتهم يريدون الانتقام لكنه خاطبهم قائلا: «إننا لا ندعو للعنف». وفي عام 1957 هاجم «كينج» الحزبين الرئيسيين (الجمهوري والديمقراطي) في أميركا وقال صيحته الشهيرة: «أعطونا حق الانتخاب» وبعد فترة نجح في انتزاع حق الانتخاب لقومه. وفي 1963 قاد أكبر مظاهرة في تاريخ الحقوق المدنية شارك فيها 250000 شخص منهم 60000 من البيض ألقى فيها واحدة من أروع الخطب ومما قال فيها: «لدي حلم أن يعيش أطفالي الأربعة يوما من الأيام في شعب لا يحكم على الناس بألوان جلودهم وإنما بما تنطوي عليه أخلاقهم». إن من القواعد الثابتة في القيادة أنه كلما كان القائد أعظم كان ما يجب عليه دفعه من ثمن أعظم، لقد سجن «كينج» مرات ورمي بالحجارة وتعرض للطعن وفُجر بيته، وفي النهاية وعن طيب خاطر ضحى بأغلى ما يملك.. ضحى بنفسه، وفي خطابه الأخير قال: «أعلم أن الأيام القادمة ستكون صعبة ولكني لا أبالي، إنني مثل جميع الناس أحب أن أعيش حياة طويلة وما يشغل بالي هو أن تتم إرادة الله، فهو سمح لي بتسلق ذلك الجبل ورأيت من فوقه بلدا رائعا، قد لا أعيش فيه معكم، ولكني أريد أن تعرفوا أننا كشعب سنصنع هذا البلد الرائع «، وفي اليوم التالي لخطابه تم اغتياله. لقد آمن «كينج» أن جوهر القيادة إيثار الآخرين على الذات، وأن القائد الحقيقي يتنازل عن التفكير في نفسه وعن الكثير من حقوقه. وكما أن عليه أن يضحي ليعلو ويرتقي فعليه أن يضحي أكثر كي يبقى في الأعلى. إن التضحية لصالح المجموع ليست ثمنا يدفع مرة واحدة وينتهي الأمر بل هي عملية مستمرة ما استمرت القيادة، لذلك كان تأثير «كينج» عميقا ومن نتاج تضحياته ما تراه من ترؤس «باراك أوباما» اليوم رئاسة الولايات الأميركية المتحدة ولفترتين بعدما تغيرت الولايات المتحدة نحو الأفضل بالنسبة للسود. يقول عمر أبوريشة: تَقضي البطولةُ أَن نَمُدَّ جُسومَنا جِسرا فَقُل لِرفاقِنا أَن يَعبُروا إن هذه الملحمة البطولية والتي أثمرت نتائج رائعة على مستوى القيم ونجحت على مستوى الواقع ما أحوج الدول العربية عموما ودول الثورات والتغيير خصوصا أن يستفيدوا منها كما استفاد «كينج» من تجربة «غاندي». إن عليهم أن يتمسكوا بحلمهم بدولة العدل والمساواة والحقوق والرخاء والمواطنة الحقة. إن نشر الوعي الفكري العميق وثقافة القيم والمبادئ السامية سيساعد الشعوب لتصنع قيادات مجتمعية مخلصة وفذة تحمل حلما جميلا وتؤمن بقيم سامية ومستعدة للتضحية ودفع الثمن لتحقيق هذا الحلم. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم قائد عرفه التاريخ جاء بأسمى رسالة وأنبل مبادئ وقيم وضرب أروع أنواع التضحية؛ كانت الأموال بأنواعها تحت يديه وعنده من الأصحاب من يحبونه ويفدونه بأرواحهم ومع ذلك مات ودرعه مرهونة عند يهودي.
في ربيع الأول من سنة 41 هـ تنازل الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما إلى معاوية بن أبي سفيان عن الخلافة, وعلق المؤرخ ابن كثير على هذه الحادثة قائلاً: «وذلك كمال ثلاثين...
في العام الثامن للهجرة أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية في قرابة ثلاثة آلاف فارس إلى البلقاء من أرض الشام لمقاتلة جيش يعد يومئذ أقوى جيوش العالم وأمر عليهم زيد بن حارثة، وقال:...
في يوم من الأيام بحدود 350 قبل الميلاد وقبل غروب الشمس كان فيلسوف الهند الكبير «شاناكيا» -وله أسماء أخرى اشتهر بها مثل «فشنوجوتبا» و «كاوتيليا»- يراقب باهتمام مجموعة من الصبية يلعبون؛ فلفت نظره أن أحد...
كان يُعرف بالفتى المُدَلَّل؛ فكان لا يلبس الثوب الواحد ليومين مُتتاليين، وكان له عِطر يُعرف به بسبب نَشْأته في أحضان أم مُترَفة فعاش في يُسر وسعة. اختار ابن الدار الواسعة السير في طريق الإسلام الشاقة،...
في العقد الأخير من القرن التاسع عشر(1890م) كان هناك شاب في العشرين من عمره يعمل لدى شركة «بوفالو فورج» في «بونالو» بنيويورك، وَعُيِّن في قسم آلات تزويد الغاز في مصنع تابع لشركة «بيتسبرج بلايت جلاس»...
جاءت قريش وشكت النبي إلى أبي طالب فكان جوابه عليه السلام لعمه وهم يسمعون: «يا عم، إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها، تدين لهم بها العرب، وتؤدي إليهم بها العجم الجزية»، ففزعوا لكلمته ولقوله، فقالوا:...
لقد سرنا سوياً في هذه السلسلة التاريخية والفكرية المسماة «صراع المشاريع» برحلة طويلة من الزمن، حيث بدأنا في الحلقة الأولى من نهاية القرن الهجري الثالث إلى أن وقفنا في الحلقة العاشرة عند القرن الثامن الهجري،...
كان المشروع الصليبي أطولَ المشاريع المعادية للأمة عُمرا وأكثرَها استنزافا لطاقتها وإرهاقا لها، وقد استمر فترة طويلة من الزمن تعاقبت على حربه دولٌ إسلامية كثيرة حتى قدَّر الله سبحانه أن تكون نهاية وجودهم كإمارات وحكام...
تُعتبر مرحلة الأيوبيين ما بعد «صلاح الدين» من أهم مراحل الصراع بين المشروع الإسلامي والمشروع الصليبي الذي أبى أن يَفتُر أو يستسلم؛ بل شنَّ أربع حملات متتاليةً وشرسة. والحقيقة أن «صلاح الدين الأيوبي» بما تميز...
بوفاة الملك الناصر «صلاح الدين الأيوبي» رحمه الله عام589هـ يكون قد مضى على بدء ملحمة صراع المشاريع مرحلة زمنية كبيرة نسبياً تقارب الثلاثة قرون، وذلك إذا قدَّرنا بداية الصراع بظهور أول دولة للمشروع الباطني وهي...
يستمرصراع المشاريع ليتجاوز القرون من الزمن، والأمة من حرب إلى حرب، ومن صراع إلى صراع، تسطر ملحمة حضارية حافلة بالانتصارات والهزائم والأفراح والآلام توجتها البطولات التاريخية التي قادتها إلى نصر حضاري قبل أن يكون عسكريا...
قال المؤرخ ابن الأثير: «طالعتُ سير الملوك المتقدمين فلم أر بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبدالعزيز أحسن سيرة ولا أكثر تحريا للعدل منه، وهو أول من ابتنى دارا للعدل وكان يجلس فيها أربع مرات أسبوعيا...