


عدد المقالات 336
الحقيقة أن العلماء لم يختلفوا في القطعيات أو البديهيات، لكنها أزمة الحوار التي حوّلت الخلاف في هذه المسألة وغيرها من دائرة الظنّيات إلى دائرة القطعيات، ومن دائرة الفرعيات إلى دائرة الكليات، وهي أزمة تنقل الحوار من دائرة البحث عن الحقيقة والرأي الأصوب إلى دائرة التشنيع والتهويل وتسجيل النقاط على الخصوم، وللأمانة فهي أزمة متجذرة في تراثنا وتاريخنا الطويل. أنظر مثلاً إلى محنة الإمام أحمد ومسألة خلق القرآن ومسألة الأسماء والصفات، كم أخذت من الجهد والوقت والصراع والنزاع، ما حقيقتها؟ وما مسوّغ الخلاف فيها؟ وهل فعلاً كان الإمام أحمد أو الحنابلة عموماً مشبّهة ومجسمة، كما يصفهم المعتزلة؟ أو هل كان المأمون والمعتصم ومن تبعهما من أهل الاعتزال ينكرون أن يكون القرآن كلام الله كما يصفهم بعض الحنابلة؟ ليس هذا فقط، بل كل فرقة راحت تنسب أفكار الفرقة الأخرى إلى الأصول «اليهودية»، فاليهود يجب أن يحضروا في المشهد بقوّة!! والحقيقة أن بقية الفِرق لا تختلف كثيراً في استخدام مثل هذه الأساليب، وكأنّ هؤلاء كانوا يتقربون إلى الله بهذا التهويل والتشنيع ولو بأدنى لازم أو شبهة، ولو كان هذا على حساب الحق والحقيقة ومصلحة الأمة، ولذلك فإن على كل باحث اليوم أن يتحرّى أفكار كل مذهب من مصادر المذهب نفسه لا من مصادر مخالفيه، وإلا فهو واقع في الظلم ومجانبة الصواب في الحكم شاء أو أبى. في موضوعنا اليوم، يمكن القول إن نقطة الخلاف ليس لها علاقة بالثوابت ولا بالقطعيات، ولا ينبغي أبداً إدخالها في هذا الإطار الخطير، فالمسلمون ليسوا متشككين في عقيدتهم، ولا ينبغي النزول إلى هذا الدرك من الاتهامات، وإنما الإطار الصحيح هو النظر في النتائج والمآلات والآثار العملية لكل رأي أو فتوى، وانعكاسات ذلك في حياتنا وعلاقاتنا وثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا. إن نقطة الخلاف الجوهرية التي تنتظم هذه المسألة ومثيلاتها تكمن في ضبط التوازن بين قيمة الحفاظ على هويتنا وخصوصيتنا الثقافية من ناحية، وبين قيمة التسامح والتعايش مع الآخرين على ما هم عليه من ناحية أخرى، وهذا الخلاف ينبغي أن يتجاوز حالة ردود الأفعال والتعصّب الأعمى إلى دراسة علمية موضوعية وتقدير سليم لطبيعة المجتمع ومدى حصانته أو قابليته للتأثّر، وقياس جملة المصالح والمفاسد زماناً ومكاناً وحالاً، فمثلاً: انعزال الجاليات الإسلامية عن محيطها في تلك الدول يحكم عليها بالاختناق والموت، كما أن الانفتاح المطلق سيهدد تلك الجاليات بالذوبان والأفول، وهنا نحتاج إلى اجتهاد دقيق، نتجاوز فيه الاختناق كما نتجاوز فيه الذوبان. إن التغني الفارغ بقيمة الانفتاح والتعايش والتسامح من دون إعداد مكافئ وتربية رصينة، قد يعرّض أجيالنا بالفعل للضياع، كما أن سياسة التخويف وتغليق الأبواب قد تخرج لنا شخصيات مهزوزة وضعيفة الثقة بهويتها وثقافتها، مما يهدد بنتائج عكسية قد تصل إلى حالة من التمرد على هذه الأبواب وعلى حرّاسها. إن بداية الحل لن تكون بتصحيح هذه الفتوى أو تلك، ولا بالتقاط الشواهد التفصيلية المقطّعة من هنا وهناك، وإنما بمعالجة جذرية لأزمة الحوار و»التخاطب» الإسلامي-الإسلامي، والخروج من عنق هذه الزجاجة قبل أن يغادرنا الزمن إلى غير رجعة.
هناك من يردد سؤالاً آخر مؤدّاه، ماذا نفعل إذا وجدنا في البخاري ما يعارض القرآن الكريم، أو يعارض العقل؟ وهذا السؤال بدأ يتردد مع هذه الموجة كجزء من حملة التشويه ومحاولة النيل من مكانة البخاري...
المسألة ليست مسألة تقديس للبخاري، ولو كانت المسألة كذلك لاتجه الناس إلى موطّأ الإمام مالك إمام دار الهجرة، أو مسند ابن حنبل إمام أهل السنّة، بل لقدّسوا مرويّات البخاري نفسه في كتبه الأخرى، فالمسألة عند...
إن هذا الاضطراب والتخبّط لدى هؤلاء يكشف أيضاً عن جهل عريض في أصول هذه العلوم ومبادئها الأولية، ولذلك لا ترى هذا الطعن إلا منهم ومن أمثالهم، ممن لا علم لهم بالسنّة وعلومها. إن علماء السنّة...
يتعرض صحيح البخاري هذه الأيام لحملة من التشكيك وإثارة الشبهات، مع حالة من الغموض بالنسبة لدوافعها وغاياتها، والعلاقات التي تجمع بين أصحابها، الذين كأنهم تفرّغوا اليوم أو فُرّغوا لهذه المهمة. هؤلاء بالعموم لم يُعرف عنهم...
لست أهوّن أبداً من مشروعية الغضب في مثل هذه الصدمات، بل أعتبر هذا دليلاً على حياة الأمة واعتزازها بهويتها وبذاتها، وبالعنوان الكبير الذي يجمعها، رغم محاولات تغييبها وتجزئتها، فحينما أرى شاباً عربياً أو تركياً أو...
قبل ثلاثين سنة، استبشر التيار الإسلامي بالانقلاب الذي قاده الرئيس عمر حسن البشير، وتصاعدت الآمال بالنموذج المرتقب للحكم الإسلامي المعاصر، وصار الناس يتداولون الأخبار والقصص عن زهد الرئيس البشير وتواضعه وحكمته، حتى سمعت من أحد...
بقرار من وزارة التعليم في دولة قطر، تشكلت لجنة من الكفاءات العالية لمراجعة وثيقة المعايير المتعلقة بمناهج التربية الإسلامية. وقد جاء القرار بحد ذاته ليعكس رؤية عميقة وواعدة يمكن تلخيصها في الآتي: أولاً: الاهتمام الخاص...
إن الحكم الوراثي السلالي كان جزءاً من ثقافة العرب عموماً، فإذا مات شيخ القبيلة ورثه ابنه، فإن لم يتهيّأ كان أقرب الناس إليه، ودول العالم المجاور للجزيرة -على الأقل- لم تكن تعرف غير هذا، وحينما...
من الغريب جداً أن «المتنورين» بروح العصر وقيمه وثقافته، يجعلون معيار الحكم على تلك المرحلة معياراً مستنداً بالأساس إلى روح «القداسة» أو قداسة «الروح»، فمرة يحدّثونك عن جريمة الخروج على الإمام علي، بمحاكمة أحادية الجانب،...
التاريخ بكل تأكيد لا تصنعه الملائكة، وإنما هو صناعة بشرية بأحداثه ومواقفه ورواياته وتدويناته وتحليلاته واستنتاجاته ومصادره، إلا ما ورد منه بآية قرآنية أو حديث صحيح. هذه المقدمة -التي ينبغي ألا نختلف فيها- تفتح باباً...
تستغل الباطنية اليوم حالة الضعف العام الذي تمر به الأمة سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وما يصاحبها من تفكك واضطراب في المنظومة القيمية والعقدية الجامعة، وتراجع مستويات التعليم الديني، وعجز المؤسسات الشرعية والجماعات الإسلامية عن مواجهة التحديات...
الباطنية مذاهب مختلفة، يجمعها اعتقاد باطن للقرآن يخالف ظاهره، وأن هذا الباطن هو مراد الله تعالى، والمقصد من هذا إنما هو تحريف العقيدة وإبطال الشريعة، وإشاعة الشك والفوضى، وتبديل الأحكام الواضحة بمفاهيم عائمة لا تحق...