alsharq

د. محمد عياش الكبيسي

عدد المقالات 336

المسلمون في بورما.. والامتحان الصعب

07 أغسطس 2012 , 12:00ص

ربما يقرب عدد المسلمين في بورما من التسعة ملايين من أصل خمسة وخمسين مليونا المجموع الكلي لسكان بورما، فهم مكون أساس من مكونات الشعب البورمي وليسوا أقلية صغيرة كما يتوهم البعض، كما أن وجودهم قد يكون أسبق بكثير من تلك المكونات التي تتحالف اليوم لاضطهادهم. دخل الإسلام إلى هذه المنطقة أيام الخليفة العباسي هارون الرشيد على يد طلائع المسلمين الأولى والتي جاءت من العراق والجزيرة العربية، ولذا يقول المختصون: إن أغلب المسلمين هناك يرجعون إلى الأصول العربية، والباقي يرجعون إلى السكان الأصليين لشبه القارة الهندية. محنة المسلمين البورميين لم تبدأ الآن، حيث تمت عمليات التهجير القسري لهم عبر فترات متعاقبة امتدت لعشرات السنين وقد قضى الكثير من هؤلاء المهجرين بسبب المرض والفقر، وربما فاقم من هذه المحنة المركبة أن الدولة المسلمة الوحيدة التي تجاور بورما هي بنجلاديش وهي دولة ضعيفة وفقيرة لا تتحمل عبئا إضافيا ولذلك رفضت استقبال اللاجئين الجدد، حيث إنها عاشت تجربة مريرة في أواخر ثمانينيات القرن الماضي حيث استقبلت ما يقارب النصف مليون منهم لكنها لم تستطع أن توفر لهم أبسط متطلبات الرعاية. تتعامل الحكومة البوذية مع المسلمين كغرباء منبوذين لا يحق لهم أن يطالبوا بأبسط مقومات الحياة الآدمية كالتعليم والصحة فضلا عن مساواتهم بالبوذيين. أما المجتمع الدولي فكأنه لا يحب أن يسمع شيئا عن هذه المعاناة رغم قساوتها وطول عهدها! تعد قضية المسلمين في بورما تحديا جديدا يضاف إلى قائمة التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية اليوم، فرغم أن المعاناة التفصيلية يتحملها المسلمون البورميون اليوم لوحدهم إلا أن البعد الأوسع لهذه المعاناة يمتد ليشملنا جميعا في أي بقعة من الأرض، ذلك لأن الاضطهاد المهين الذي يتعرض له المسلمون هناك لم يكن إلا تحت هذا العنوان «المسلمون»، فالمستهدف هو هذا العنوان فقط وليس هناك هدف آخر سياسي أو اقتصادي أو حتى عرقي، وبالتالي فإن المهانة التي تلحق المسلمين هناك ستلحق بكل من يحمل هذا الاسم مهما حاول أن يتغافل أو يغض الطرف. من هنا يمكن القول إننا لا نناقش اليوم قضية المسلمين في بورما بقدر ما نناقش قضيتنا نحن المسلمون في العالم، فالأغلبية البوذية الحاكمة اليوم والتي تسخر كل مؤسسات الدولة لقمع المسلمين هناك توجّه هذه الإهانة بشكل مباشر لنا نحن المسلمون أينما كنا في هذا العالم. وإذا أردنا أن نحلل الأحداث هناك بطريقة علمية وموضوعية فإننا قد نصل إلى نتائج في غاية الخطورة، فالجرأة التي دفعت بحكومة بورما لهذا السلوك المشين تحمل في داخلها مؤشرات خطيرة عن نظرة العالم لنا ولوزننا وثقلنا في خارطة المجتمعات البشرية. هذه الأمة التي تمتد جغرافيا من نواكشوط إلى جاكرتا، وتمتد تاريخيا من القادسية واليرموك إلى ثورات الربيع العربي، وتتربع على عرش البترول العالمي ومصادر الطاقة الأساسية في الأرض، وتضم ما يقرب من ربع الموارد البشرية في العالم، هذه الأمة تتجرأ عليها حكومة فقيرة ضعيفة منزوية في نتوء ضيق تاريخيا وجغرافيا، ألا يستدعي هذا وقفة جادة من أصحاب القرار وأصحاب الرأي والفكر وكل القوى الفاعلة ليس من أجل إنقاذ مسلمي بورما وإنما من أجل إنقاذ هيبة الأمة التي مرّغتها حكومة بورما. وإذا كانت دولة مثل بورما تمتلك كل هذه الجرأة فلماذا نستغرب من الحلف الثلاثي الروسي الصيني الإيراني وهو يستهتر بدمائنا وأعراضنا في دمشق وحلب ودير الزور؟ وإذا كان العرب كلهم مشغولين فعلا بتداعيات الربيع العربي، وليس عندهم من الوقت ما يلتفتون فيه لتلك المأساة! فأين الملايين التي تسد عين الشمس في باكستان والهند وماليزيا وإندونيسيا؟ ثم هل فعلا أن ردع الحكومة البورمية يتطلب جهدا أو حشدا استثنائيا بحجم إمكانات الأمة ومواردها؟ إن الموضوع لا يتعلق أبداً بالقدرات والإمكانات، فاليسير مما عندنا يكفي لردع بورما وغيرها، لكنها الثقافة المريضة التي تسللت في كل مفاصل الأمة فأفقدتها القدرة على صناعة الرؤية والقدرة على تقدير الموقف وتداعياته. فالمتدينون اليوم وهم يعمرون البيت الحرام وكل بيوت الله قد فصلوا بين هذه العبادات وبين غاياتها في النفس والمجتمع والأمة، فصلاة الجماعة لم تعد قادرة على بناء روح الجماعة، والكعبة التي توحّدنا في الحج والصلاة لم تتمكن من توحيد همومنا ومشاعرنا، حتى ترى أبناء الحي الواحد من المسلمين وهم يلتقون في مسجد الحي خمس مرات في اليوم الواحد لكن قد لا يعرف أحدهم اسم صاحبه الذي يقف بجنبه! وأما الزكاة فلم تعد تلك التي نقرأ عنها في كتب التراث أنها تجمع قلوب الأغنياء والفقراء بل أصبحت مجرد مساعدات إنسانية مفروضة على الأغنياء وهم يرسلونها إلى الفقراء عبر مسافات مادية أو معنوية قد لا تسمح لهذا الفقير حتى بتقديم الشكر لأخيه المزكّي. لقد انتقلنا من ثقافة البناء (بني الإسلام على خمس) إلى ثقافة التجزيء لمفردات الإسلام، وشتان بين من ينظر إلى الإسلام على أنه بناء كامل وشامل نستظل به من القرّ والحر والرياح العاتية، وبين من ينظر إليه كمواد أولية متناثرة يختار منها ما يناسب ذوقه ومزاجه! ولإدراك الفرق بين الثقافتين لنقرأ هذه الآية «والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا» الأنفال/72، فالقرآن ينهانا عن موالاة هؤلاء المؤمنين فقط لأنهم لم يهاجروا، وما ذاك إلا لأن الهجرة في ذلك الوقت كانت عنصرا أساسيا من عناصر البناء، ولم يشفع لهؤلاء المؤمنين إيمانهم ولا عباداتهم! أما المثقفون -أفرادا ومؤسسات- فقد جنحوا إلى مفهوم جديد في العلم والتعلم والتثقف يفصل بين مفردات العلم ومفردات الهوية، والعلم حقيقة لا يصنع أمة، وإنما ينهض بها بعد أن توجد، لكن الهوية هي التي تصنع الأمة، وقد اطلعت على برنامج ثقافي تطويري لإحدى المؤسسات المهتمة بهذا الشأن فعلّقت عليه: إن هذا البرنامج كمن يتعلم هندسة العمران بكل إتقان ثم لا يدري هل سيبني مسجدا أو كنيسة أو حسينية!! وهذا ما يفسّر وجود الكفاءات الجيدة ومهارات التواصل المتطورة لكن مع ضعف في بناء الرؤى الجامعة والمواقف الموحدة -إذا استثنينا ما طرأ في بلدان الربيع العربي- مما يبشر بانتقالة جديدة في هذا المجال. أما صنّاع القرار السياسي، فهم أولا وأخيرا جزء من هذه الثقافة وهذه التربية، لكنهم محمّلون فوق هذا بحسابات أكثر تشابكا وأشد تعقيدا، وليس من بين هذه الحسابات مراعاة الرأي العام وضغوط الشارع إذ إن الرأي العام ما زال مرتبكا حتى في تصوراته النظرية البدائية. إذن نحن حقيقة لا نناقش المأساة البورمية بقدر ما نناقش المعضلة الأكبر وهي الحالة المرَضية في الأمة والتي تفرز باستمرار مثل هذه الأعراض، تماما كالجسد الذي لا ينتفض أو لا يحس ببتر عضو أو طرف من أطرافه، فالعلة ليست في هذا العضو أو الطرف وإنما العلة في الجسد كله. لقد صاحت امرأة واحدة في أطراف الأرض «وا معتصماه» فحفظت الأرض كلها هذه الصيحة وحفظها التاريخ كله، ليس لأن المعتصم كان أكثر تدينا أو تفقها في الدين من فقهاء المسلمين اليوم وعبّادهم، لكنها ثقافة البناء التي تجمع بين قاعدة (بُني الإسلام) وقاعدة (الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)، هذا هو المطلوب منا اليوم سياسيين ومثقفين وإعلاميين، معلمين ومتعلمين، وهذا هو الامتحان الصعب.

لماذا هذا الهجوم المتزايد على صحيح الإمام البخاري؟ (4-4)

هناك من يردد سؤالاً آخر مؤدّاه، ماذا نفعل إذا وجدنا في البخاري ما يعارض القرآن الكريم، أو يعارض العقل؟ وهذا السؤال بدأ يتردد مع هذه الموجة كجزء من حملة التشويه ومحاولة النيل من مكانة البخاري...

لماذا هذا الهجوم المتزايد على صحيح الإمام البخاري؟ (3-4)

المسألة ليست مسألة تقديس للبخاري، ولو كانت المسألة كذلك لاتجه الناس إلى موطّأ الإمام مالك إمام دار الهجرة، أو مسند ابن حنبل إمام أهل السنّة، بل لقدّسوا مرويّات البخاري نفسه في كتبه الأخرى، فالمسألة عند...

لماذا هذا الهجوم المتزايد على صحيح الإمام البخاري؟ (2-4)

إن هذا الاضطراب والتخبّط لدى هؤلاء يكشف أيضاً عن جهل عريض في أصول هذه العلوم ومبادئها الأولية، ولذلك لا ترى هذا الطعن إلا منهم ومن أمثالهم، ممن لا علم لهم بالسنّة وعلومها. إن علماء السنّة...

لماذا هذا الهجوم المتزايد على صحيح الإمام البخاري؟ (1-4)

يتعرض صحيح البخاري هذه الأيام لحملة من التشكيك وإثارة الشبهات، مع حالة من الغموض بالنسبة لدوافعها وغاياتها، والعلاقات التي تجمع بين أصحابها، الذين كأنهم تفرّغوا اليوم أو فُرّغوا لهذه المهمة. هؤلاء بالعموم لم يُعرف عنهم...

جريمة نيوزيلندا في إطارها الأوسع

لست أهوّن أبداً من مشروعية الغضب في مثل هذه الصدمات، بل أعتبر هذا دليلاً على حياة الأمة واعتزازها بهويتها وبذاتها، وبالعنوان الكبير الذي يجمعها، رغم محاولات تغييبها وتجزئتها، فحينما أرى شاباً عربياً أو تركياً أو...

وقفة مع التجربة الإسلامية في السودان

قبل ثلاثين سنة، استبشر التيار الإسلامي بالانقلاب الذي قاده الرئيس عمر حسن البشير، وتصاعدت الآمال بالنموذج المرتقب للحكم الإسلامي المعاصر، وصار الناس يتداولون الأخبار والقصص عن زهد الرئيس البشير وتواضعه وحكمته، حتى سمعت من أحد...

خطوات سليمة لبناء مناهج التربية الإسلامية

بقرار من وزارة التعليم في دولة قطر، تشكلت لجنة من الكفاءات العالية لمراجعة وثيقة المعايير المتعلقة بمناهج التربية الإسلامية. وقد جاء القرار بحد ذاته ليعكس رؤية عميقة وواعدة يمكن تلخيصها في الآتي: أولاً: الاهتمام الخاص...

المعايير الناقصة والمغلوطة في محاكمة التاريخ (3-3)

إن الحكم الوراثي السلالي كان جزءاً من ثقافة العرب عموماً، فإذا مات شيخ القبيلة ورثه ابنه، فإن لم يتهيّأ كان أقرب الناس إليه، ودول العالم المجاور للجزيرة -على الأقل- لم تكن تعرف غير هذا، وحينما...

المعايير الناقصة والمغلوطة في محاكمة التاريخ (2-3)

من الغريب جداً أن «المتنورين» بروح العصر وقيمه وثقافته، يجعلون معيار الحكم على تلك المرحلة معياراً مستنداً بالأساس إلى روح «القداسة» أو قداسة «الروح»، فمرة يحدّثونك عن جريمة الخروج على الإمام علي، بمحاكمة أحادية الجانب،...

المعايير الناقصة والمغلوطة في محاكمة التاريخ (1-3)

التاريخ بكل تأكيد لا تصنعه الملائكة، وإنما هو صناعة بشرية بأحداثه ومواقفه ورواياته وتدويناته وتحليلاته واستنتاجاته ومصادره، إلا ما ورد منه بآية قرآنية أو حديث صحيح. هذه المقدمة -التي ينبغي ألا نختلف فيها- تفتح باباً...

حينما تتبرقع الباطنية بشعارات التجديد (2-3)

تستغل الباطنية اليوم حالة الضعف العام الذي تمر به الأمة سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وما يصاحبها من تفكك واضطراب في المنظومة القيمية والعقدية الجامعة، وتراجع مستويات التعليم الديني، وعجز المؤسسات الشرعية والجماعات الإسلامية عن مواجهة التحديات...

حينما تتبرقع الباطنيّة بشعارات التجديد (1-3)

الباطنية مذاهب مختلفة، يجمعها اعتقاد باطن للقرآن يخالف ظاهره، وأن هذا الباطن هو مراد الله تعالى، والمقصد من هذا إنما هو تحريف العقيدة وإبطال الشريعة، وإشاعة الشك والفوضى، وتبديل الأحكام الواضحة بمفاهيم عائمة لا تحق...