


عدد المقالات 336
بعد ذلك الاجتماع، اتصلت بصديقي الدكتور عبدالناصر الجزائري، وهو طبيب استشاري، وعضو في فريق الخبراء في المجلس القطري للتخصصات الصحية، وطلبت منه أن يتأنّى في دراسة هذه المسألة بطريقة علمية وموضوعية محايدة، فأفادني بعد مدّة ليست بالقصيرة، أنه بحث في مصادر طبية موثوقة، فتأكّد له أن الامتناع عن الطعام لـ 20 ساعة ولأيام متعددة، من شأنه أن يصيب العضلات بالضمور ثم بالتكسّر، وتزداد نسبة الخطورة في حالة العمل والجهد العضلي المقترن بحالة الجوع هذه. أبلغت أحد المشايخ المعنيين بهذا الأمر هناك، وأرسلت له إفادة الدكتور الاستشاري فلم يصلني منه أي جواب، مع مضي عدة أشهر، ثم التقيت لقاء عرضياً بأحدهم فقال: الجواب عندنا واضح أن الذي يشق عليه الصوم ولا يتحمل يفطر ويقضي، قلت: يا شيخ الموضوع ليس موضوع مشقة وتحمل، نحن نتكلم عن ضرر بالغ قد لا يشعر به الصائم، وهو ضرر عام، فهل ستشرحون هذا للناس؟ وهل ستفتونهم جميعاً بالإفطار ثم القضاء؟ وذهب ولم يرد لحد الآن! نأتي الآن إلى النص الذي يتمسك به المُفتون، والذي دفعهم ورعهم إلى إهمال ما سواه، وهو قوله تعالى: «ثم أتموا الصيام إلى الليل»، لنسأل بعض الأسئلة -ولسنا في مقام الإفتاء-: هل مسمى الليل الذي يتحدّث عنه القرآن، هو نفسه مسمى الليل هناك؟ القرآن يصف الليل بأنه سكن ولباس، وفيه أحوال وأوقات مختلفة، فيه الغروب وفيه الشفق والغسق والظلمة والعتمة والسحر، هذا هو الليل الذي يقابل النهار، فهل يصح إطلاق الليل على ساعة واحدة أو ساعتين، قد لا يحل فيهما ظلام أصلاً، حيث تبقى الشمس قريبة من الأفق؟ إن علاقة الاسم بالمسمى مبحث لغوي، وهو مبحث فقهي كذلك، تنبني عليه عشرات المسائل العملية، وقد بحثه علماؤنا الأوائل بحثاً مستفيضاً، ومن ذلك قولهم: «للأكثر حكم الكل بقاء وذهاباً»، ومن تطبيقات هذه القاعدة قولهم: «والميت اسم لكله، ولو وجد الأكثر منه غسل لأن للأكثر حكم الكل، وإن وجد الأقل منه أو النصف لم يغسل». ألا يمكن القول هنا إن الليل قسيم النهار، وإن الأصل فيه 12 ساعة، فإذا ذهبت 7 ساعات منه فقد ذهب مسمى الليل، وإذا ذهب الليل عدنا إلى التقدير المنصوص عليه في حديث الدجال، مع ملاحظة أن التقدير ينبغي أن يكون بأسس علمية، وليس وفق مقولات عائمة ومرتبكة. الليل والنهار في لغة القرآن لهما صفات ولهما وظائف دينية ودنيوية، مثل قوله تعالى: «وبالأسحار هم يستغفرون»، وقوله: «أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم»، وقد جاء في الحديث الشريف: «يوم الجمعة اثنتا عشرة -يريد اثنتا عشرة ساعة-» رواه أبو داود، وفي صحيح البخاري: «ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة»، فواضح في القرآن والسنة أن الحديث إنما هو عن الليل المعتاد والنهار المعتاد، وليس عن الحالات الشاذّة التي لم يسمع بها العرب. إننا -حقيقة- نعاني من منهجية قاصرة، عجزت عن تقديم «الحل الإسلامي» لكثير من المشكلات والمعضلات، بدءاً من الرؤية والحساب الفلكي، وانتهاء بموضوع الانتخابات والمواقف السياسية المختلفة.
هناك من يردد سؤالاً آخر مؤدّاه، ماذا نفعل إذا وجدنا في البخاري ما يعارض القرآن الكريم، أو يعارض العقل؟ وهذا السؤال بدأ يتردد مع هذه الموجة كجزء من حملة التشويه ومحاولة النيل من مكانة البخاري...
المسألة ليست مسألة تقديس للبخاري، ولو كانت المسألة كذلك لاتجه الناس إلى موطّأ الإمام مالك إمام دار الهجرة، أو مسند ابن حنبل إمام أهل السنّة، بل لقدّسوا مرويّات البخاري نفسه في كتبه الأخرى، فالمسألة عند...
إن هذا الاضطراب والتخبّط لدى هؤلاء يكشف أيضاً عن جهل عريض في أصول هذه العلوم ومبادئها الأولية، ولذلك لا ترى هذا الطعن إلا منهم ومن أمثالهم، ممن لا علم لهم بالسنّة وعلومها. إن علماء السنّة...
يتعرض صحيح البخاري هذه الأيام لحملة من التشكيك وإثارة الشبهات، مع حالة من الغموض بالنسبة لدوافعها وغاياتها، والعلاقات التي تجمع بين أصحابها، الذين كأنهم تفرّغوا اليوم أو فُرّغوا لهذه المهمة. هؤلاء بالعموم لم يُعرف عنهم...
لست أهوّن أبداً من مشروعية الغضب في مثل هذه الصدمات، بل أعتبر هذا دليلاً على حياة الأمة واعتزازها بهويتها وبذاتها، وبالعنوان الكبير الذي يجمعها، رغم محاولات تغييبها وتجزئتها، فحينما أرى شاباً عربياً أو تركياً أو...
قبل ثلاثين سنة، استبشر التيار الإسلامي بالانقلاب الذي قاده الرئيس عمر حسن البشير، وتصاعدت الآمال بالنموذج المرتقب للحكم الإسلامي المعاصر، وصار الناس يتداولون الأخبار والقصص عن زهد الرئيس البشير وتواضعه وحكمته، حتى سمعت من أحد...
بقرار من وزارة التعليم في دولة قطر، تشكلت لجنة من الكفاءات العالية لمراجعة وثيقة المعايير المتعلقة بمناهج التربية الإسلامية. وقد جاء القرار بحد ذاته ليعكس رؤية عميقة وواعدة يمكن تلخيصها في الآتي: أولاً: الاهتمام الخاص...
إن الحكم الوراثي السلالي كان جزءاً من ثقافة العرب عموماً، فإذا مات شيخ القبيلة ورثه ابنه، فإن لم يتهيّأ كان أقرب الناس إليه، ودول العالم المجاور للجزيرة -على الأقل- لم تكن تعرف غير هذا، وحينما...
من الغريب جداً أن «المتنورين» بروح العصر وقيمه وثقافته، يجعلون معيار الحكم على تلك المرحلة معياراً مستنداً بالأساس إلى روح «القداسة» أو قداسة «الروح»، فمرة يحدّثونك عن جريمة الخروج على الإمام علي، بمحاكمة أحادية الجانب،...
التاريخ بكل تأكيد لا تصنعه الملائكة، وإنما هو صناعة بشرية بأحداثه ومواقفه ورواياته وتدويناته وتحليلاته واستنتاجاته ومصادره، إلا ما ورد منه بآية قرآنية أو حديث صحيح. هذه المقدمة -التي ينبغي ألا نختلف فيها- تفتح باباً...
تستغل الباطنية اليوم حالة الضعف العام الذي تمر به الأمة سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وما يصاحبها من تفكك واضطراب في المنظومة القيمية والعقدية الجامعة، وتراجع مستويات التعليم الديني، وعجز المؤسسات الشرعية والجماعات الإسلامية عن مواجهة التحديات...
الباطنية مذاهب مختلفة، يجمعها اعتقاد باطن للقرآن يخالف ظاهره، وأن هذا الباطن هو مراد الله تعالى، والمقصد من هذا إنما هو تحريف العقيدة وإبطال الشريعة، وإشاعة الشك والفوضى، وتبديل الأحكام الواضحة بمفاهيم عائمة لا تحق...