التعايش الناجح بين السينما والأدب: «السينما بين الرواية والسيرة الذاتية: جاك لندن وجيمس فراي نموذجاً»

قبل حوالي نصف قرن، سأل أحد النقاد الفرنسيين «BFI» حول ما إذا كانت السينما قادرة على الوقوف دون أن تتكئ على عكازة الأدب، قفزت هذه العبارة إلى ذهني وأنا أسترجع بعضاً من أفضل الأفلام التي تشهدها صالات السينما هذه الأيام، وتستند إلى أعمال أدبية روائية خيالية «نداء البرية» أو سيرة ذاتية واقعية «مليون قطعة صغيرة». يروي فيلم نداء البرية -الذي تعرضه صالات السينما المحلية بنجاح منذ الأسبوع الماضي- قصة كلب مدلل وذكي كان ملكاً لقاضٍ من كاليفورنيا، تتم سرقته ويجبر على العمل ككلب زلاجات في مناخ قاسٍ في يوكون - ألاسكا، قصة مذهلة عن روح غير قابلة للكسر، عاش مهزوماً ولكنه لم يستسلم، تعلم كثيراً من الدروس في البرية القاسية من أجل البقاء حياً. استند الفيلم على رواية شهيرة للكاتب الأميركي جاك لندن «1876-1916»، وهو أحد أكثر الروائيين نجاحاً في عصره، وأشهر الشخصيات الرومانسية في زمانه، كان لندن صحافياً نشيطاً ويسارياً ملتزماً وكاتباً غزير الإنتاج، كتب خلال الفترة من 1899-1916 أكثر من 1000 مقال في مواضيع تتراوح بين الرومانسية والملاكمة، ومن الحياة في القطب الشمالي إلى الصراع في أستراليا «يو أس توداي»، كان شخصاً مثيراً للجدل، كتب بحماسة عن الحياة والموت، وعن الصراع الطبقي بين العمال والرأسمالية، وتجاربه الخاصة في البحر، وأيضاً الاقتصاد والسياسة، في رسالة كتبها قبل موته قال فيها نشرتها «الجارديان»: عندما كنت صبياً كان أول أبطال وضعتهم في البانثيون «Pantheon» هم نابليون والإسكندر الأكبر، بعد سنوات دمرت هذا البانثيون وقمت ببناء بانثيون جديد سجلت فيه أسماء مثل ديفيد ستار جوردون، هربرت سبنسر هوكسلي، داروين، كيندال»، الغريب أن الشخصيات الرئيسية التي بنى فلسفته عليها مثل كارل ماركس وهيجل وفريدريك نيتشه لم يبنِ لها بانثيوناً خاصاً بها. ويستلهم فيلم مليون قطعة صغيرة، الذي تشهده صالات السينما ابتداء من اليوم، حبكته من السيرة الذاتية لرجل الأعمال والكاتب الأميركي جيمس فراي «1969»، يروي فيها قصته مع الإدمان ورحلة تأهيله المضنية، نشر فراي مذكراته عام 2003 «الناشر راندوم هاوس»، تلقى الكتاب مراجعات إيجابية من جميع الصحف الشهيرة بما في ذلك «نيويوركر»، واختارته أوبرا وينفري لناديها الشهري للكتاب عام 2005، مما جعله يحقق حضوراً هائلاً في سوق الكتاب الأميركي، وباع منه خلال فترة وجيزة أكثر من مليوني نسخة، تبدل الحال بين عشية وضحاها عندما قام سموكنج غان -وهو موقع ويب ينشر المستندات القانونية وسجلات الاعتقال على أساس يومي- بنشر تقرير ضد الكتاب، اكتشف فيه أن معظم أجزائه ملفقة، بعد تحقيقات دقيقة استمرت لستة أسابيع، لا تزال هناك كثير من المناقشات التي تحيط بالمفاهيم المتعلقة بكتب السيرة الذاتية، ولكن تأثير الرواية لا يمكن إنكاره. لقد ظلت العلاقة بين الأدب والسينما دائماً جدلية، تختلف أحياناً وتتعايش في أحايين أخرى، وكانت السينما تنظر إلى الأدب باستمرار كمصدر إلهام هائل، ويجد الأدب في السينما قدرتها الفذة على ترجمة الأفكار العميقة للأدب، وأحياناً فضح الأفكار الزائفة للسيرة الذاتية.