مهرجون في مسرح الحياة

قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا يكُنْ أحَدُكمْ إمَّعَة، يقول: أنا مع الناس، إن أحسن الناس أحسنتُ، وإن أساؤوا أسأتُ، ولكن وَطِّنُوا أنفسكم إن أحسنَ الناسُ أن تُحْسِنُوا، وإن أساؤوا أن لا تَظلِمُوا». لا تتبع الكثرة ولا تكن «كوبي» مثل الاغلبية كن نفسك بشخصيتك. ما تفاهة الحياة عندما يكون التقليد أساسها، لأنّه يتم تغييب الذات لصالح من أقلِّدهم، وتغييب الذات هو أبشع طريقة لاحتقار النفس، وبخسِها حقها. فما بشاعةً أنْ نمحي ذواتنا الخاصة ونلهث وراء تتبع خطوات الناس فيما يفعلون، ويقولون، ويلبسون. أين حقي في نفسي أن أكون بعيدا عن كل تقليد أعمى؟ ثم من هم؟ هؤلاء الناس المشاهير حتى أُقلِّدهم؟ ألا تستحق نفسي ليكون لها هُوية مختلفة، ومميزة خاصة، وببصمتي وطريقتي وحركاتي هي نفسي ! وللأسف الكثرة من الناس ليس لهم الشجاعة والثقة في أنفسهم لكي يكونوا هم أنفسهم. ما حجتهم لا تعلم ما منطقهم لا تعلم وإذا دخلوا جحر ضب لدخلتموه.. هكذا صرنا وهكذا نصبح ونمسي.. فقط نجدهم يتخفون وراء القطيع والكثرة. ان جمال الحياة ورونقها قائم عندما تقول هذه ذاتي، كما هي، وكما تبدو، وتلك هي قدراتها، وإمكانياتها ولن أُساير القطيع. ألبس ما يعجبني، وليس ما يعجب الناس، وسأقرأ ما يهمني، وليس ما هو ترند ومشهور..لي أُسلوبي وتصرفاتي وذوقي العام خاص بي.. نعم اتباع الموضة والمشاهير والأفكار الرائجة هو ما يمحي الطريقة الخاصة في وجود الإنسان، فطريقة الوجود والحياة سأصنعها مع نفسي وعائلتي وبذوقي وحسب ما يتناسب مع دخلي المادي وطريقتي بالحياة.. تحقيق الذات قائم على توطين الذات على طريق خاص بها. بحسب إمكانياتها، وقدراتها، وبحسب مواهبها وظروفها. البعض ينتقد حتى اختياراتك الدراسية بحجة لا وظيفة مستقبلاً يرفضون تميزك ويرفضون قدراتك ويجبرونك أن تكون كالقطيع. كل إنسان منا في الحياة له بصمة لا تتشابه ولا تتطابق مع أحد كالصوت وبصمة اليد والاصابع كونوا أنفسكم.. أمّا التقليد الأعمى فيمحي خصوصيات الذات، ومواهبها، وطريقتها في النظر إلى الأشياء. فلو تحررت الذات من التقليد، لقدّمت إلى العالم أشياء جديدة، لم تكن موجودة أصلا.. لذلك فإنّ التقليد يقتل الإبداع في مهده ويمحي التنوع ويلغي الخصوصية. ولكن لا يعني أنْ لا يقلّد الإنسان من الأساس، فالتقليد في البداية هو أساس التعلم والتعليم. فالابن يقلد والديه، والتلميذ يقلّد أستاذه،والفنان والعالم والفيلسوف والأديب يقلدون في بداياتهم من عُرِفوا في العالم بحرفيتهم في هذا المجال. التقليد يكون سلبيا عندما يكتفي المقلّد بتقليد النموذج واعتباره شيئا مقدّسا وكأنه هبط من السماء.. لنتعظ ونحاذر فما سقوط الأمة العربية والإسلامية في هاوية التخلف إلا تبع لهذا التقليد السلبي للغرب، فالتقليد سلبي نعم لكن لا يعني هذا الوقوع في خطأ جسيم وهو خالف تُعرف ! وذلك باعتناق أفكارا غير منطقية، والهدف بالنهاية هو التميّز لا الحقيقة، والشهرة لا المعرفة.لتُسلّط عليك أضواء الشهرة والإعلام، والتقليد هنا يكون أفضل من سلوك طريق التميز الكاذب..فطريق الشهرة يشبه الفقاعة ما إنْ تنتفخ وتعلو حتى تنفجر وتتلاشى مثل ابطال وسائل التواصل الاجتماعي المليئة منهم، ونيتهم في ذلك، ليس البحث عن الحقيقة والإتيان بشيء جديد إلى العالم -لأن هذا الأمر محبوب -وإنّما نيتهم أنْ يُعرفوا، ويشتهروا. ببساطة . ختاماً ..كن ذاتك وكن طموحاً وشغوفاً في تحقيق أهدافك وليس مهرجاً في مسرحية الحياة وكن نموذجاً مشرفاً ومتميزاً يشار له بالبنان.