جنوب أفريقيا سياسة تشرف العالم

اليوم رحلتنا خاصة مع دولة عظيمة تخلصت من العنصرية ومن احتلال غادر ظالم وتعرف فعليا معنى الاحتلال وتعرف خباياه .. وقد يستغرب الكثير بأن تتصدى حكومة جنوب إفريقيا لجريمة الإبادة الجماعية الهلوكوست الممنهج الذي ترتكبه إسرائيل في حق الشعب الفلسطيني وخصوصا في غزة. ومنذ استقلال جنوب أفريقيا أعلنها نيلسون مانديلا - وبلا تردد كأول رئيس لجنوب إفريقيا بعد انتهاء الحكم العنصري البريطاني الهولندي حينها - في الإشادة بنضال الشعب الفلسطيني وتأكيد التضامن معه. بعدها استمرت حكومة جنوب إفريقيا تحت قيادة حزب المؤتمر الإفريقي تتخذ نفس الموقف بالتضامن مع الشعب الفلسطيني. وبحكم أني زوجة لسفير دولة قطر في جنوب أفريقيا سابقا من 2020 -2023 قد عايشت هذا الشعب وأرضه المليئة طيبة واحتراما وذوقا وأخلاقا لا استغرب موقفهم ولا نهضتهم لنصرة الفلسطينيين وهم لا يخلو اي خطاب رسمي لهم عن العنصرية ونبذها وذكر فلسطين كدولة لها كل الحق في العيش بسلام على ارضها وموطنها .. وجاءت حكومة جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية.. تحية خاصة بقلمي المتواضع لسعادة السيدة ناليدي باندو وزيرة خارجية جنوب أفريقيا لهذه الأسباب .. لم يدهشني أن تتبنى قضية الشعب الفلسطيني، وتتقدم بطلب إلى محكمة العدل الدولية بلاهاي تتضمن الأمر بإجراءات احترازية بوقف الأعمال المسلحة للقوات الإسرائيلية في غزة، وإدانة إسرائيل بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في حق الشعب الفلسطيني بالقطاع . وتحية مملوءة فخراً لرئيس جمهورية جنوب إفريقيا بهذه المبادرة التي عجزت العديد من الدول العربية والأوروبية عن القيام بها . ويمثل وفد جنوب إفريقيا والذي تألف من خمسة أشخاص التعدد العرقي والنوعي في شعبها. ويحتل أعضاؤها مناصب رفيعة في حكومتها، ومن بينهم مستشار للرئيس، ووزير العدل، وأساتذة جامعات، ومحامون ضليعون في قضايا حقوق الإنسان، وإلى جانبهم فريق مساعد من خمسة خبراء، ويقود هذا الفريق جون دوجارد ــ وهو مقرر سابق للأمم المتحدة لشؤون الأراضي المحتلة ومن جنوب إفريقيا ــ كما أنه قاض سابق في محكمة العدل الدولية. وقد أعد موقفا متماسكا ومتناسقا يستند إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمنع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية الموقعة في سنة 1948. تضمن الطلب لحكومة جنوب إفريقيا أمرين أساسيين من المحكمة؛ أولا أن تأمر باتخاذ إجراءات احترازية لوقف الأعمال المسلحة التي تقوم بها إسرائيل في غزة، وثانيهما أن تدين إسرائيل لارتكابها جريمة الإبادة الجماعية، والتي عرفتها الاتفاقية المذكورة بأنها جريمة يمكن أن تقع في وقت الحرب أو وقت السلام، وأنها ترتكب بنية تدمير جماعة قومية، أو عرقية أو جنسية أو دينية ككل أو قسما منها. وقد عدد فريق جنوب إفريقيا أنواع الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في حق الفلسطينيين والفلسطينيات في غزة، والتي تشكل في رأي الفريق جريمة إبادة جماعية، واستشهد الفريق باقتباسات من تصريحات المسؤولين الإسرائيليين بل وأحاديث جنودهم التي تؤكد على توافر النية في استئصال الشعب الفلسطيني، ودعم ذلك بشرائط فيديو من ممارسات الجنود الإسرائيليين. وخلال أيام قليلة سيكون هناك اجتماع لقضاة المحكمة للنظر في طلب جنوب إفريقيا وردود إسرائيل عليه، وسوف ينضم إلى قضاتها الخمسة عشر، ومنهم ثلاثة من العرب، قاضيان اختار كلا منهما الطرفان المتنازعان. اختارت جنوب إفريقيا ديكجانج موسينيكى نائب المدعى العام فيها، واختارت إسرائيل أهارون باراك الرئيس السابق لمحكمتها العليا والمعروف بمواقفه تأييدا لبناء سور الفصل العنصري بين غزة وإسرائيل. ولاشك أن الفريق المتميز الذي اختارته جنوب إفريقيا يملك من العلم والخبرة والحس الإنساني ما يمكنه من الرد على دفوع إسرائيل. حالياً ننتظر القرار والحكم الذي ستأخذه المحكمة وحقيقة ننتظر وكلنا آملين لقدرة المؤسسة القضائية الأعلى في النظام الدولي على فرض احترام حكم القانون وبيان للعالم بأن مازال هناك حقوق وواجبات لابد أن تحترم.