«عمل أبيض»

قطعة خرِقة سوداء كأنها انتزعت بعنفٍ من ثوبِ أحدهم، نُقش عليها اسم لشخص مجهول، وكلمات مبهمة غير معروفة، ورسومات شيطانية مخيفة (ترى ما هذا الشيء)؟ وعندما اقتربت منها سارة أكثر، وإذ بها والعياذ بالله «عمل أسود» معلق وسط شجرة القرم الشائكة قرب البحر، ظنت سارة أنها توجهت للبحر بحثاً عن الاستجمام والراحة، ولم تعلم بأن ذهنها سينشغل كثيراً لمعرفة ذلك السر المدفون، أو بمعنى أصح «العمل المدفون» وسط تلك الأشواك. وتمنّت لو أنها استطاعت أن تقترب أكثر، كي تتمكن من الحصول على تلك القطعة السوداء «الملعونة» لتحرقها أو تتخلص منها، كي لا يصاب صاحبها بأذى، وللأسف لم تستطع، فكانت الأشواك الحادة تحيط بها من كل اتجاه. وتساءلت: لماذا يلجأ الناس للسحر والسحرة؟ سحر أسود، جلب الحبيب، رد المطلقة، أو تفريق الزوجين وغيره؟ بالعربي الفصيح إذا كان هناك شخص لا يحبك فلماذا تجبره على ذلك غصباً، وإذا كتب الله لشخصين الفراق وتطلقا فلماذا يجبر أحدهما الآخر على الرجوع غصباً، جاعلين الدنيا أكبر همهم. والسحرُ في اللغة هو كل أمر يخفى سببه، ويتخيل على حقيقته، ويجري مجرى التمويه والخداع، أي أنه قائم في أساس أمره وتكوينه على مبدأ الغش والخداع. بل وهو أيضاً خدعٌ ضعيفة يلجأ إليها ضعاف النفوس والحاقدون الذين ابتعدوا عن ربهم ودينهم، واتبعوا أهواء الشيطان، متخذين من هذه الأمور سبيلاً لكسب كل ما صعب عليهم. وظاهرة «العمل والسحر» هي من قديم الأزل وليست بجديدة، فكانوا وما زالوا يلجؤون إليها للتنبؤ ومعرفة المستقبل، وتغيير سلوكيات الناس حسب رغباتهم، أو لشفاء المرضى!! (أمرٌ مضحك للغاية). ورغم التطورات الحديثة وتقدم الإنسان الفكري إلا أن هناك عوامل كثيرة تساهم في استمرارية هذه الظاهرة السلبية، لا سيما البعد عن الدين، والانجراف خلف الأوهام الزائفة، وقلة الوعي المجتمعي والديني بعواقب تلك الظاهرة على حياتنا في الدنيا، وما أعظمها في الآخرة. (زهقنا) من تلك المكالمات الدولية المزعجة التي تردنا كل يوم وفحواها باختصار: «ألووو معك المستشار الروحاني مرجان من الدولة الفلانية، أريدك أن تساعدني بمبلغ مالي، والمقابل أن أقدم لك أي خدمة تطلبها مني، ولو كان المستحيل سأجلبه لك في يومين»، هكذا تبدو بداية المكالمة الملعونة وهلم ّ جرّا. لماذا لا تجعل من عملك هذا «عملاً أبيضاً» يذكرك به الناس بعد موتك، فأمامك الكثير من الخيارات الإيجابية النافعة، فبدلاً من سعيك خلف دفع آلاف الدولارات لأوهام السحرة، استثمر مالك وعطاءك لنفقة علاج شخص سيفارق الموت، أو لتبنّي مشاريع كفالة الأيتام، أو قضاء دين عن الغارمين، وساهم في الارتقاء بقيمة نفسك وذاتك، والرقي بأخلاقك. وهي ليست أعمالاً خيرية تقدمها فحسب، بل هي مساهمة منك في نمو وتطور المجتمع، وتعزيز ثقافة العطاء وحب الخير للناس، وترك بصمتك الإيجابية في الحياة، وسيرتك الحسنة (بعد عمرٍ طويل). الناس في هذه الحياة خاسرون إلا من توافرت لهم ثلاث عطايا (صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) ابحث الآن من حولك، فهل تملك إحدى هذه العطايا؟ انعكاس عملٌ حسنٌ أبيض يشفع لكَ (يوم تسوّدُ فيه صحف وتبيّض أخرى)