الهروب من إيران عبر أنفاق «غزة»

كالعادة وقبل كل انتخابات في إسرائيل يحاول قادة الكيان الصهيوني إفراغ «بخار» الإناء الداخلي قبل انفجاره، فهو إجراء على الأقل يخرج القليل من البخار و «يسكن» الوضع قبل البحث عن حل آخر لمشكلات إسرائيل الخارجية والداخلية على حد سواء، وتبقى غزة هي الحلقة الأضعف دائما، فهي العدو «الجاهز» دائما للضرب والذريعة أيضا «جاهزة» وهي إطلاق الصواريخ على جنوب إسرائيل من قبل الفصائل الفلسطينية خاصة من حركتي حماس والجهاد الإسلامي. الهجوم والتصعيد الإسرائيلي الأخير ضد قطاع غزة جاء من قادة الليكود وعلى رأسهم رئيس الوزراء نتنياهو ليسقط عدة عصافير بحجر واحد أولها حفظ ماء الوجه بعد «الجلبة» الشديدة والتي أوحت إسرائيل من خلالها للعالم أنها قادمة بلا محالة لضرب إيران وذلك لعرقلة برنامجها النووي، وهو الشيء الذي عدلت عنه إسرائيل مؤخرا بعد المعارضة الأميركية الشديدة لهذه الخطوة، وتخليها عن دعم الكيان الصهيوني في هذا التوجه خاصة مع نجاح الرئيس الأميركي أوباما في الانتخابات الرئاسية، وعدم تحمسه لصب المزيد من الزيت على النار في منطقة الشرق الأوسط التي تغلي في الأساس من كم الاضطرابات الموجودة بها، وأيضا معارضة العديد من القوى الإقليمية التصعيد ضد إيران التي طورت قدرتها العسكرية مؤخرا خاصة الصاروخية والبحرية وهو ما قد يهدد نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة، أيضا مع ارتباط هذه المنطقة بتدفق النفط والغاز إلى دول العالم، وكذلك معارضة كبار جنرالات الحرب الحاليين والسابقين لنتنياهو في هذا التوجه، ومن هنا يتضح هروب إسرائيل من المواجهة مع إيران عبر أنفاق غزة! «عضلات» إسرائيل التي تحاول إبرازها من خلال غزة دائما.. اتضح أخيرا أنها بلا فائدة بعد تمزيقها على يد صواريخ الفصائل والتي طالت تل أبيب في تطور استراتجي وعسكري مهم خلال هذه المرحلة التي أثبت فيها فشل نظام القبة الحديدية الإسرائيلي المزعوم والذي رسب في أول اختبار من صواريخ هي في عرف العسكرية «بدائية» ولا ترقى إلى منظومات الصواريخ المتطورة والموجهة بالليزر وبالأقمار الصناعية والتي يتفاخر الغرب بها، فالصواريخ الفلسطينية الجديدة من طراز «فجر 5» أدخلت جنود الاحتلال قبل المواطنين داخل الملاجئ. التطور الجديد اللافت هو موقف مصر بعد الثورة ورد الفعل غير المتوقع من جانب القاهرة والمرشح للتصاعد بشكل أعمق في حالة لم تكف إسرائيل عن ممارساتها، فسحب السفير المصري من تل أبيب وإعلان النظام الرسمي في مصر دعم غزة بشكل واضح وصريح قوض التحييد المصري الذي كانت تعول عليه إسرائيل دائما عندما تصعد ضد غزة. حكومة الحرب الإسرائيلية الحالية دائما ما تسوق للخطر القادم من غزة ومن إيران وتحاول إبراز هذا الخطر، وعمق تأثيره على وجود الكيان الصهويني، وهذا ما تستمد منه دائما قوتها وبقاءها في سدة الحكم، وتحاول من خلاله التأثير على الرأي العام لديها، ورغم التشابه الكبير في الأدوار بين الليكود وباقي الأحزاب الإسرائيلية التي توالت على الحكم إلا أن تجميد الوضع لأكبر فترة ممكنة وعدم تحقيق أي مكاسب على الأرض في اتجاه السلام مع الفلسطينيين يبقى خيار الليكود يضاف إليه التوحش في موضوع الاستيطان، وخلق الذرائع دائما لعرقلة أي حل أو تسويه حقيقية. إناء غزة المشتعل لن يبقى دائما الحل الجاهز لهروب السياسيين في إسرائيل من واقعهم الداخلي والخارجي، وستعطي غزة درسا جديدا يضاف إلى دروس حزب الله والمقاومة الإسلامية لإسرائيل، وستبحث إسرائيل بلا شك بعد ذلك عن إناء جديد تفرغ من خلاله بخار مشكلاتها!