


عدد المقالات 336
يلتزم المسلمون في كل أنحاء العالم التزاماً دينياً بالاستماع لخطبة الجمعة، وهذا يعني أن هنالك رسالة يجب أن يتلقاها المسلمون كل أسبوع، وهذه ميّزة لا يشارك الإسلام أو ينافسه فيها أحد، وهي فرصة كبيرة ومتجددة لتشكيل وعي عام بكل مسألة من مسائل الدين، أو حدث من أحداث الدنيا، وهي كذلك مسؤولية كبيرة لا يتحملها الخطيب وحده، بل الدولة والمجتمع وعامّة الناس. إن القصة لا تبدأ بما يسمعه الناس من على المنابر، بل تلك هي النهاية والمخرج الذي يعبّر عن سلسلة من الاستعدادات والإجراءات التي لا يمثّل الخطيب إلا جزءاً من أجزائها وحلقة من حلقاتها. إن الخطيب الذي يحمل رسالة الإسلام الأسبوعية لمجتمعه ينبغي أن يُعدّ بطريقة تتناسب مع هذه المهمّة، وهذا يقودنا إلى فحص محاضن التعليم الديني، وإعادة النظر في البرامج والمناهج والدورات التدريبية والتطويرية، وأضرب مثالاً سريعاً من واقعنا المعاصر، فمناهج التعليم الديني في المدارس والمعاهد والجامعات لا تكاد تجد فيها أثراً لفقه العمل السياسي مثلاً، لكن الخرّيج فور صعوده على المنبر يرى نفسه مضطراً لأن يتطرّق للأحداث السياسية التي تعصف بالأمة، والمصلّون بكل تأكيد لا يريدون آراءه وانطباعاته الشخصية، وهنا يبدأ الارتباك، حتى أنك في بعض الأحيان تتمنى لو أن الخطيب اكتفى بالوعظ الأخروي والتذكير ببعض الأحكام الفقهية وفضائل الأعمال، لعله يحفظ للمنبر هيبته أو شيئاً منها. إن شكوى الخطباء من تطفّل بعض الناس وتدخلاتهم في مسائل الشريعة دون علم ولا وعي حتى بأوليّات الشريعة ومصطلحاتها قد يقع فيه الخطباء أنفسهم حينما يحاولون التدخل في المجالات الأخرى كعلوم السياسة والاقتصاد والطب والفلك، دون أن يكون لهم إلمام ولو بأصولها ومبادئها، أما إذا كان الناس بحاجة عملية لموقف ما ويتطلعون إلى المنبر لمساعدتهم في اتخاذ هذا الموقف، كما هو الحال مثلاً في العراق وسوريا، حيث ممكن أن تتحول الخطبة بالفعل إلى موقف وحركة وصيغة عمل، فإننا سنكون أمام احتمالات ومجازفات كبيرة وخطيرة. إن الخطيب الذي يعطي لنفسه صلاحية التدخّل في كل شأن من شؤون الحياة من دون إعداد كافٍ لا شك أنه يعرّض الإسلام نفسه لأزمة أو أزمات مختلفة حتى في محيطه الأقرب، وقد حصل أن خرج أستاذ جامعي متخصص في العلوم السياسية من المسجد وترك صلاة الجمعة في ذلك اليوم لما سمعه من تنظيرات سياسية لا محل لها من السياسة ولا من الدين، وقد حدّثني هو بذلك، والأطباء كذلك يشكون من بعض الخطباء حينما يتحدّثون عن «الطب النبوي» ويؤكّدون: «لقد ثبت طبيّاً»، أو يتحدّثون عن الهلال فيقولون: «لقد ثبت فلكيّاً»، ومعلومات الشيخ ربما لا تتعدى صفحته على «الواتس آب» أو «الفيس بوك»! ولقد رأيت أحد المشايخ يتحدث بقوّة ليثبت أن الأرض ليست كروية، وأنها لا تدور، وشيخاً آخر يتحدّث عن الأضرار الصحية على «مبايض المرأة» التي تقود السيارة، ولقد رأيت في بعض مساجد أوروبا من يغرس في المصلين الكراهية للمجتمع الذي يعيشون فيه، بفهم مشوّه لعقيدة الولاء والبراء، ودون مراعاة للمشهد الكلي بأبعاده ومآلاته.
هناك من يردد سؤالاً آخر مؤدّاه، ماذا نفعل إذا وجدنا في البخاري ما يعارض القرآن الكريم، أو يعارض العقل؟ وهذا السؤال بدأ يتردد مع هذه الموجة كجزء من حملة التشويه ومحاولة النيل من مكانة البخاري...
المسألة ليست مسألة تقديس للبخاري، ولو كانت المسألة كذلك لاتجه الناس إلى موطّأ الإمام مالك إمام دار الهجرة، أو مسند ابن حنبل إمام أهل السنّة، بل لقدّسوا مرويّات البخاري نفسه في كتبه الأخرى، فالمسألة عند...
إن هذا الاضطراب والتخبّط لدى هؤلاء يكشف أيضاً عن جهل عريض في أصول هذه العلوم ومبادئها الأولية، ولذلك لا ترى هذا الطعن إلا منهم ومن أمثالهم، ممن لا علم لهم بالسنّة وعلومها. إن علماء السنّة...
يتعرض صحيح البخاري هذه الأيام لحملة من التشكيك وإثارة الشبهات، مع حالة من الغموض بالنسبة لدوافعها وغاياتها، والعلاقات التي تجمع بين أصحابها، الذين كأنهم تفرّغوا اليوم أو فُرّغوا لهذه المهمة. هؤلاء بالعموم لم يُعرف عنهم...
لست أهوّن أبداً من مشروعية الغضب في مثل هذه الصدمات، بل أعتبر هذا دليلاً على حياة الأمة واعتزازها بهويتها وبذاتها، وبالعنوان الكبير الذي يجمعها، رغم محاولات تغييبها وتجزئتها، فحينما أرى شاباً عربياً أو تركياً أو...
قبل ثلاثين سنة، استبشر التيار الإسلامي بالانقلاب الذي قاده الرئيس عمر حسن البشير، وتصاعدت الآمال بالنموذج المرتقب للحكم الإسلامي المعاصر، وصار الناس يتداولون الأخبار والقصص عن زهد الرئيس البشير وتواضعه وحكمته، حتى سمعت من أحد...
بقرار من وزارة التعليم في دولة قطر، تشكلت لجنة من الكفاءات العالية لمراجعة وثيقة المعايير المتعلقة بمناهج التربية الإسلامية. وقد جاء القرار بحد ذاته ليعكس رؤية عميقة وواعدة يمكن تلخيصها في الآتي: أولاً: الاهتمام الخاص...
إن الحكم الوراثي السلالي كان جزءاً من ثقافة العرب عموماً، فإذا مات شيخ القبيلة ورثه ابنه، فإن لم يتهيّأ كان أقرب الناس إليه، ودول العالم المجاور للجزيرة -على الأقل- لم تكن تعرف غير هذا، وحينما...
من الغريب جداً أن «المتنورين» بروح العصر وقيمه وثقافته، يجعلون معيار الحكم على تلك المرحلة معياراً مستنداً بالأساس إلى روح «القداسة» أو قداسة «الروح»، فمرة يحدّثونك عن جريمة الخروج على الإمام علي، بمحاكمة أحادية الجانب،...
التاريخ بكل تأكيد لا تصنعه الملائكة، وإنما هو صناعة بشرية بأحداثه ومواقفه ورواياته وتدويناته وتحليلاته واستنتاجاته ومصادره، إلا ما ورد منه بآية قرآنية أو حديث صحيح. هذه المقدمة -التي ينبغي ألا نختلف فيها- تفتح باباً...
تستغل الباطنية اليوم حالة الضعف العام الذي تمر به الأمة سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وما يصاحبها من تفكك واضطراب في المنظومة القيمية والعقدية الجامعة، وتراجع مستويات التعليم الديني، وعجز المؤسسات الشرعية والجماعات الإسلامية عن مواجهة التحديات...
الباطنية مذاهب مختلفة، يجمعها اعتقاد باطن للقرآن يخالف ظاهره، وأن هذا الباطن هو مراد الله تعالى، والمقصد من هذا إنما هو تحريف العقيدة وإبطال الشريعة، وإشاعة الشك والفوضى، وتبديل الأحكام الواضحة بمفاهيم عائمة لا تحق...