


عدد المقالات 336
الفراغ الذي نعيشه اليوم كان نتيجة طبيعية لحركة التاريخ التي عصفت بالوحدة الإسلامية ورمزيتها السياسية المتمثلة بالخلافة، فانقلبت الوحدة إلى حالة من التجزئة المتشعبة قوميا وقُطريا وطائفيا، ولم تكن سايكس بيكو سوى المظهر السياسي لهذه التجزئة بعد أن وصلت إلى الأسس الثقافية للمجتمع ودخلت حتى في المناهج التربوية، وأصبح الوطن الصغير هو الهويّة التي نطوف حولها، ولم يعد هناك ما يذكّرنا بهويتنا الأصيلة سوى بعض الشعائر التي تجمعنا على عرفات الله أو حول بيته العتيق، حتى الدعاة والخطباء صاروا يروّجون لهذا المفهوم الجديد ويمنحونه الغطاء الديني تحت اسم (حب الوطن من الإيمان)، بينما يتجمع اليهود من أوطان شتى أميركية وأوروبية وآسيوية وإفريقية ليعلنوا أن ولاءهم الديني فوق ولاءاتهم الوطنية، ثم تحرّك المشروع الفارسي الإيراني ليخطف منا أبناءنا وأشقاءنا تحت عنوان (الولاء للطائفة فوق كل ولاء) وبهذا وجد له مواطئ ومراتع واسعة في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين وغيرها من بلاد المسلمين، وكل هؤلاء صاروا يتحركون بحركته ويأتمرون بأمره! إننا باختصار ما زلنا نعيش أزمة الهويّة، فالهويّة القُطرية أو الوطنية لم تعد قادرة على حمايتنا في ظل هذه المشاريع العابرة للحدود، وفي ظل التحالفات العالمية الغربية منها والشرقية، والاعتماد على الخارج لم يعد مضمونا في ظل التغيّرات والتقلبات السياسية والاقتصادية، فالخارج ليس جمعية خيرية، ولا مركزا أمنيا يتقبل الشكاوى من المظلومين والمقهورين، إنها المصلحة والمصلحة فقط، وبما أن المصلحة تتغيّر زمانا ومكانا، فإن مواثيق الخارج ستتغيّر أيضا. حدثني بعض من كانوا على صلة بالشيخ الباكستاني المعروف إحسان إلهي ظهير أنه التقى بصدام حسين أيام القادسية وقال له: إن الخميني نصّب نفسه إماما للشيعة في العالم، وحمل راية الحسين كذبا وزورا، وإنك لن تستطيع مواجهته تحت راية البعث، فارفع راية جدك محمد -صلى الله عليه وسلم- بصدق وعزيمة وسترى الأمة كلها تلتف حولك من باكستان إلى موريتانيا، قال الشيخ لأصحابه: لقد أحسست أن كلمتي هذه قد وقعت موقعا حسنا في قلب صدام لكنه لم يجبني بكلمة. إن تلك الكلمة ليست كلمة الشيخ إحسان -رحمه الله- بل هي ضمير الأمة كلها، ودليله هذه الروح التي سرت في جسد الأمة مع أول لقاء (سعودي تركي باكستاني) حتى قبل أن تتضح أبعاد هذا اللقاء. بنظرة أولية تقويميّة يمكن القول: إن باكستان دولة نووية وتمتلك طاقات بشرية هائلة، وشعبها مشبوب بعاطفة إسلامية تجعله مشدودا دائما نحو الحرمين الشريفين، وهو مستعد كامل الاستعداد للدفاع عنهما والتضحية في سبيلهما، كما أنه يشكل محورا كبيرا لشعوب القارة الهندية خاصة أفغانستان وبنجلادش، لكن النظام القائم ليس منسجما تماما مع هذه الروح الشعبية، وبالتالي فلا بد من العمل لردم هذه الفجوة والسير بطريقين متوازيين رسميا وشعبيا، وإذا كانت الشراكات السياسية والاقتصادية هي محور العلاقات الرسمية، فإن جهود العلماء ستكون محور العلاقات الشعبية. تركيا -وهي الدولة التي ما زال طعم الخلافة فيها غضا طريا خاصة في ظل العدالة والتنمية- تمثل ثقلا آخر في المعادلة، كونها عضوا في حلف الناتو وامتلاكها لشراكات اقتصادية هائلة مع مختلف دول العالم، كما أنّ شعبها هو الآخر مشدود بتكوينه التاريخي والثقافي نحو بلاد الحرمين الشريفين، وهناك حالة من الانسجام والتوافق إلى حد ما بين الرسمي والشعبي، وهذا يجعلها أكثر استعدادا للمشاركة في بناء (المشروع الثالث) شريطة أن لا يؤثّر هذا المشروع على الاستراتيجية المركزية لتركيا ذات الطابع التنموي والاقتصادي المعروف. أما السعودية فإنها سجّلت نقطة متقدمة على الدولتين السابقتين (باكستان وتركيا) من خلال المبادرة الكبيرة والمفاجئة (عاصفة الحزم)، إضافة لمكانتها الدينية، وقيادتها الفعلية لمجلس التعاون الخليجي، وتأثيرها الواسع في المحيط العربي، كما أنها تتمتع بانسجام تام أو شبه تام بين الرسمي والشعبي، وليس هناك معيقات دستورية أو مؤسساتية أمام أي قرار تراه القيادة مناسبا مهما كان مستوى تأثيره داخليا وخارجيا، على خلاف الوضع التركي والباكستاني. وفق هذه الركائز الأساسية في المعادلة يبدو أننا من الممكن أن نتقدم خطوات واسعة لبناء تحالف قوي وواسع لا يحمل طبيعة استفزازية لأي أحد مهما كان، بل على العكس يمكن أن يكون عنصر جذب لشراكات سياسية واقتصادية واسعة، بما يضمن للمنطقة استقرارها وتوازنها، وبما يكفل للخارج مصالحه أيضا، أما الدول العربية والإسلامية المترددة فإنها ستأتي تباعا بعد أول نجاح واضح يحققه هذا التحالف. إن تحرير اليمن على أهميته ليس هو نهاية المطاف وليس هو الذي يشكل هاجس الأمة؛ إذ الشعور باليأس والضياع كان قبل فاجعة صنعاء بكثير، كما أن (الربيع العربي) لم يعد يحمل أي أمل سوى لدى مجموعة من النخب التي ما زالت ترى فيه مؤشّرا على وجود طاقات كامنة قابلة للتحرّك والنهوض في ظرف ما. إن أولى ثمار (عاصفة الحزم) أنها تمكنت من ردم بعض الفجوات بين الحراك الشعبي والنظام الرسمي، وعلى المدى القريب والمتوسّط فإننا سنشهد حالة نفسية ومعنوية لدى الشباب تقيهم من الانزلاق في مهاوي العنف الأعمى و (الجماعات التكفيريّة) التي عاشت على ذلك الفصام النكد والشعور البائس واليائس من كل شيء، أما جماعات (الإسلام السياسي) فأغلب الظن أنهم سينسجمون مع حالة الأمة وروحها الجديدة وتطلّعات شعوبهم في تحقيق الاستقرار واسترداد شيء من الكرامة والأمن والسكينة بعيدا عن الصراع الأيديولوجي الذي يسبح في عالم من (الطوباويّة) والذي لا يمكن أن يقترب من الواقع في مثل هذه الظروف حتى لو أوكلت إليهم مقاليد الأمور. يا قادة الحزم إن شعوبكم وكل الأمة من حولكم لا ينظرون إلى هذا الحزم كأداة لدحر الميليشيات الحوثية، فالحوثيون أقل شأنا وأصغر من هذا بكثير، كما أنهم لا يطالبونكم الآن بإعادة الخلافة ولا بتحرير القدس أو دمشق وبغداد فهذا أبعد من إمكاناتكم الحاليّة وفق الموازنات الدولية والإقليمية المعروفة، إنهم لا يريدون منكم سوى أن تجتمعوا تحت خيمة واحدة لتكونوا بمجموعكم الممثل الشرعي والأمين لطموح هذه الأمة وتطلعاتها. • drmaiash@facebook.com @maiash10
هناك من يردد سؤالاً آخر مؤدّاه، ماذا نفعل إذا وجدنا في البخاري ما يعارض القرآن الكريم، أو يعارض العقل؟ وهذا السؤال بدأ يتردد مع هذه الموجة كجزء من حملة التشويه ومحاولة النيل من مكانة البخاري...
المسألة ليست مسألة تقديس للبخاري، ولو كانت المسألة كذلك لاتجه الناس إلى موطّأ الإمام مالك إمام دار الهجرة، أو مسند ابن حنبل إمام أهل السنّة، بل لقدّسوا مرويّات البخاري نفسه في كتبه الأخرى، فالمسألة عند...
إن هذا الاضطراب والتخبّط لدى هؤلاء يكشف أيضاً عن جهل عريض في أصول هذه العلوم ومبادئها الأولية، ولذلك لا ترى هذا الطعن إلا منهم ومن أمثالهم، ممن لا علم لهم بالسنّة وعلومها. إن علماء السنّة...
يتعرض صحيح البخاري هذه الأيام لحملة من التشكيك وإثارة الشبهات، مع حالة من الغموض بالنسبة لدوافعها وغاياتها، والعلاقات التي تجمع بين أصحابها، الذين كأنهم تفرّغوا اليوم أو فُرّغوا لهذه المهمة. هؤلاء بالعموم لم يُعرف عنهم...
لست أهوّن أبداً من مشروعية الغضب في مثل هذه الصدمات، بل أعتبر هذا دليلاً على حياة الأمة واعتزازها بهويتها وبذاتها، وبالعنوان الكبير الذي يجمعها، رغم محاولات تغييبها وتجزئتها، فحينما أرى شاباً عربياً أو تركياً أو...
قبل ثلاثين سنة، استبشر التيار الإسلامي بالانقلاب الذي قاده الرئيس عمر حسن البشير، وتصاعدت الآمال بالنموذج المرتقب للحكم الإسلامي المعاصر، وصار الناس يتداولون الأخبار والقصص عن زهد الرئيس البشير وتواضعه وحكمته، حتى سمعت من أحد...
بقرار من وزارة التعليم في دولة قطر، تشكلت لجنة من الكفاءات العالية لمراجعة وثيقة المعايير المتعلقة بمناهج التربية الإسلامية. وقد جاء القرار بحد ذاته ليعكس رؤية عميقة وواعدة يمكن تلخيصها في الآتي: أولاً: الاهتمام الخاص...
إن الحكم الوراثي السلالي كان جزءاً من ثقافة العرب عموماً، فإذا مات شيخ القبيلة ورثه ابنه، فإن لم يتهيّأ كان أقرب الناس إليه، ودول العالم المجاور للجزيرة -على الأقل- لم تكن تعرف غير هذا، وحينما...
من الغريب جداً أن «المتنورين» بروح العصر وقيمه وثقافته، يجعلون معيار الحكم على تلك المرحلة معياراً مستنداً بالأساس إلى روح «القداسة» أو قداسة «الروح»، فمرة يحدّثونك عن جريمة الخروج على الإمام علي، بمحاكمة أحادية الجانب،...
التاريخ بكل تأكيد لا تصنعه الملائكة، وإنما هو صناعة بشرية بأحداثه ومواقفه ورواياته وتدويناته وتحليلاته واستنتاجاته ومصادره، إلا ما ورد منه بآية قرآنية أو حديث صحيح. هذه المقدمة -التي ينبغي ألا نختلف فيها- تفتح باباً...
تستغل الباطنية اليوم حالة الضعف العام الذي تمر به الأمة سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وما يصاحبها من تفكك واضطراب في المنظومة القيمية والعقدية الجامعة، وتراجع مستويات التعليم الديني، وعجز المؤسسات الشرعية والجماعات الإسلامية عن مواجهة التحديات...
الباطنية مذاهب مختلفة، يجمعها اعتقاد باطن للقرآن يخالف ظاهره، وأن هذا الباطن هو مراد الله تعالى، والمقصد من هذا إنما هو تحريف العقيدة وإبطال الشريعة، وإشاعة الشك والفوضى، وتبديل الأحكام الواضحة بمفاهيم عائمة لا تحق...