حلق في المحيط وكن شغوفاً

نتفاوت في شهاداتنا وتعليمنا وثقافتنا واهتماماتنا.. ولكل منا جانب خاص به مليء بالخصوصية لا يعرف عنه إلا القليل وقد يكون فقط داخل قلوبنا وعقولنا.. يقول الكاتب والروائي البرازيلي - باولو كويلو - الشغف هو الإثارة التي يحدثها ما هو غير متوقع، هو الرغبة في التصرف بغرابة، واليقين أننا سننجح في تحقيق الحلم الذي طالما راودنا. يرسل الشغف لنا إشارات لنهتدي ونسترشد بها في حياتنا، ويجب أن نعلم كيف نفك رموز هذه الإشارات، ونعرف كيف نسير بالطريق نحو هذا الشغف. الشغف هو أكثر حالات الإنسان تألقا وتفرداً وتميزاً، فوحده الشغف يوقظ فينا جمرات الإبداع والتميز ويحفزنا ويمنحنا بريق الحياة، وأن يَشغف الإنسانُ بشيءٍ أو بحالةٍ أو بطريقةٍ أو بفكرةٍ ما فهذا يعني أنه قد ارتقى مستوىً من أعلى مستويات التعلّق بذلك الشيء، والفتنةِ به والتداخل والتجاذب معه، وحتى التفلسف فيه خلقاً جديداً، فلا يمكن لكَ أن تكونَ شغوفاً بشيءٍ ما،من غير أن تسير به أو يسير بكَ إلى أعلى مستويات التعلّق به حباً وفتنةً وابتهاجاً وإبداعاً وتألقاً، والحقيقة لا يمكن أن نكونَ شغوفينَ بشيءٍ ما حدَّ الامتلاء والإشباع من دون أن نكونَ مستمتعينَ به جداً.. فالشغف حالةٌ خاصة من الاستمتاع بالأشياء التي نشغفُ بها، ونهيم بها، هذا الاستمتاع يعني أننا على قيد الشغف نعيش ونطير به تفنناً وإبداعاً وتذوقاً.. ويتجلّى بنا بهاءً وسعداً.. ونمارسه باستمتاع وفرح يجعلنا نستشعر حلاوة الوصول له ويغنينا عن كل شيء. وحينما يقل منسوب الشغف بداخلنا تبدأ رغبتنا في الأشياء التي قد تعلقنا بها ورغبنا فيها بشدة تبدأ بالضمور إلى أن تختفى تماماً، فلا نعلم أين وكيف ومتى ذهبت ؟؟ وهذا ليس بفلسفة بل هناك بعض الدراسات ومنها الدراسة التي قام بها أحد الباحثين من كلية «ويست بوينت» وثالث من جامعة بنسلفانيا ورابع من جامعة ميتشغان الأميركية،حيث تدور تلك الدراسة حول الأسباب التي تجعل بعض الشباب لا يكملون دراستهم في الكليات العسكرية أو بعض الكليات الأخرى،فكانت هنالك بعض التفسيرات التي تقول إن تلك الظاهرة ترجع إلى قلة التوعية وعدم تحمل المسؤولية والرفاهية والدلع من قبل الأهل والعديد من الأسباب.. ولكن ما توصلوا إليه أن أسباب استمرارية الطلبة لا علاقة لها بالمعرفة العلمية ولا بالتفوق فقط ولا بالأمور البدنية، وإنما هي تكمن في «الشغف والمثابرة» التي هي نقطة الوصول لتحقيق الأهداف طويلة الأجل.. ولكن قد تكون الأشياء ذاتها هي نفسها التي قد اعتراها الصدأ أو التكرار أو الروتين وفقدت بريقها ولمعانها وجاذبيتها وحيويتها وفرحتها وذلك احتمال وارد قطعاً.. ولكن في مطلق الأحوال يبقى الإنسان خارقاً في صناعة الأشياء التي تبعث فيه بهجة.. نعود للشغف ولنحاول دائماً أن يكون على قيد الشغف مشتعلاً متوهجاً بالحياة والإبداع والأمل،وخارقاً في الوقت نفسه باستبدال الأشياءَ بأشياءٍ أخرى كلّما شعر بحاجتهِ لتغييرها واستبدالها. الشغف عموما نعمة متى ما تمتعنا به خصوصاً إذا ما ارتبط بالمثابرة، إننا بالفعل نحتاج إلى الشغف في أعمالنا ووزاراتنا ومؤسساتنا التي تخلق من الروتين أطواقا وسلاسل مكبلة شغفنا.. ألا تتفقون معي في أننا نحتاج أن نكون شغوفين.. اسمحوا لنا رجاءً لذلك نصيحة أخيرة.. حلق بالمحيط وكن شغوفاً.