alsharq

أسامة عجاج

عدد المقالات 604

قنبلة دخان..!

08 أكتوبر 2015 , 01:26ص

حتى في أكثر اللحظات التي شعر فيها الرئيس الفلسطيني محمود عباس باليأس، وأنه فقد كل الأوراق التي يمكن أن يلعب بها، لم يكن حاسما بما فيه الكفاية، واكتفي -كما قالت إحدى الصحف الإسرائيلية- بوضع القنبلة على طاولة المجتمع الدولية ولم يفجرها، عندما أعلن في كلمته أمام الأمم المتحدة وقف تطبيق الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، طالما لم تلتزم بها تل أبيب. وتتعدد أسباب شعور أبومازن باليأس، وهو الذي كان يعول على أن تمثل اجتماعات الأمم المتحدة «نافذة أمل» لتحرك دولي بقياده الولايات المتحدة، باتجاه استئناف المفاوضات، أو طرح مبادرة جديدة بهذا الخصوص، فكانت المفاجأة أن قيادات السلطة في واد والعالم كله في واد آخر. اجتماعه مع جون كيري على هامش أعمال الدورة -وليس مع أوباما- لم يسفر عن شيء، وخرج ليحمله مسؤولية فشل مفاوضات السلام مع تل أبيب، وزادت الأزمة مع التجاهل التام لزعماء دول القرار الدولي للقضية الفلسطينية، أو مجرد الإشارة لها في كلماتهم، هذا ما فعله الرئيس الأميركي أوباما وكذلك الزعيم الروسي فلاديمير بوتن، مما يعني أن كل الأطراف الفاعلة لا تملك رؤية ولا إرادة سياسية للتحرك باتجاه الضغط على إسرائيل لاستئناف عملية السلام. أوباما مثلا تحدث عن كل شيء، من الأزمة السورية حتى إرساء قواعد الديمقراطية، وعن دور واشنطن في العالم، ولم يذكر القضية الفلسطينية بكلمة عابرة، الكل غارق «حتى أذنيه» في قضية مكافحة الإرهاب، ومهتم بالقضية السورية، الصراع في الجمعية العامة بين تيارين: إزاحة بشار الأسد أو استمراره، مع بدء التنفيذ العملي لسياسة روسية جديدة بالتدخل العسكري المباشر لحماية بشار الأسد، أما القضية الفلسطينية فقد غيبها النسيان. الضغوط على أبومازن كان من كل الجهات عربية ودولية لمنعه من إعلان وفاة اتفاقية أوسلو وإنهاء السلطة الوطنية واعتبار فلسطين دولة تحت الاحتلال، على إسرائيل أن تتحمل مسؤولية إدارة شؤون السكان الفلسطينيين. حتى مصر التي يعول أبومازن على علاقاته القوية مع الحكومة هناك تخلت عنه وببساطة، ففي الوقت الذي كان يبحث فيه عن دعم عربي ومؤازرة تتناسب مع صعوبة الموقف على الساحة الفلسطينية، فوجئ بالتصريحات التي لا محل لها من الأعراب، من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي اختار التوقيت الأسوأ للحديث عن توسيع اتفاقية السلام مع إسرائيل، وكأن الاتفاقيات التي عقدتها إسرائيل مع مصر والأردن قد آتت ثمارها فأصبح مطلوبا مشاركة الآخرين مرحلة جني الثمار! رغم أن اجتماعا جمع السيسي وأبومازن قبل ساعات من تلك التصريحات، ناهيك من الضغوط من الداخل الفلسطيني، بعد التصعيد الخطير في المسجد الأقصى، الذي يتعرض لمؤامرات فعلية وجادة هذه المرة، من جماعات مثل الشعلة اليهودية، وحماة التوراة، وحراس التلمود، بدعم من اليمين المتطرف وحكومة نتنياهو، من أجل فرض التقسيم الزماني والمكاني على المسجد الأقصى، والمواجهات المستمرة بين المقاومين من سكان مدينة القدس العزل وبين قوات الأمن الإسرائيلية. أما الضغوط المباشرة على أبومازن فلم يكن قادرا على مواجهتها، لتغيير لغة خطابه أمام الأمم المتحدة، والتراجع عن القرار الذي يلمح له منذ أشهر، في لقاءات صحافية حضرت إحداها في القاهرة، أو اجتماعات سياسية برغبته في حل السلطة الفلسطينية، فلم يكن الأمر سرا أو مفاجأة. اختار أبومازن -كما هي عادته دائما- اللون الرمادي، والتزم بالغموض في طرحه أمام الجمعية العامة، مما ساهم في أن تتحول «القنبلة» التي أطلقها إلى «قنبلة دخان»، تأثيرها محدود مؤقت، فلم يكن حاسما بما يكفي، مثلا بإعلان وفاة اتفاقيات أوسلو، وإنهاء العمل، وكل ما أشار إليه بالربط بين تنفيذ إسرائيل لاتفاقيات الموقعة والتزام السلطة بها، وهو أكثر من يدرك أن أوسلو ماتت منذ سنوات طويلة، خاصة أنها صيغت -وكان أحد القادة الفلسطينيين الذين عملوا عليها- بالغموض الشديد، كل بند فيها يحتاج إلى اتفاقية منفصلة ومباحثات مضنية، واستطاعت إسرائيل من خلالها إجادة لعبة إدارة الصراع، بدلا من الرغبة الحقيقية في حله أو تحقيق السلام، وتعددت المباحثات التي جرت بين الطرفين بشكل مباشر أو عبر رعاية أميركية، كما حدث في كامب ديفيد عام 2000 في نهاية عهد بيل كلينتون، وكان آخرها المفاوضات التي تمت برعاية أميركية في عام 2013، وانهارت في أبريل ٢٠١٤، بعد أن رفضت إسرائيل الإفراج عن الدفعة الرابعة من السجناء الفلسطينيين، أو وقف عمليات الاستيطان، ولم تستطع واشنطن الوفاء بكل وعودها، بمفاوضات محددة المدة، والتزامات من الطرفين، تنصلت منها تل أبيب فاستسلمت واشنطن وتوقفت المفاوضات. عباس أول من يدرك أن السلطة أعجز من أن تقوم بمراجعة الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، والتي تركها مبهمة بدون تحديد واضح، وبدون سقف زمني، أو تحديد موعد للتنفيذ، فللأسف الشديد، وضع السلطة طوال السنوات الماضية أنهى قدرتها على المناورة أو الحركة، فقد اعترف عباس بذلك ذات يوم في لقاء مع نخب مصرية -كنت أحد الحضور- عندما قال إن إسرائيل تتحكم في كل شيء حتى في عمليات دخوله وخروجه شخصيا، فالأمر يتم عبر تنسيق وتقديم طلب مسبق. على الصعيد الاقتصادي مثلا تستطيع إسرائيل احتجاز أموال الضرائب التي يتم تحصيلها من الفلسطينيين لصالح السلطة، وتحصل على فوائد من ذلك، وقامت بذلك عدة مرات، وهو بند مهم في موازنة السلطة، كما تستطيع التحكم في كميات الوقود التي تصل إلى المدن الفلسطينية. تل أبيب تتحكم في كل المنافذ التي تربط أراضي السلطة مع جيرانها، أما التعاون الأمني فيأخذ أكثر من شكل مدني يتعلق ببطاقات الهوية وجوازات السفر وحركة المعابر، وأي وقف لها يتضرر منة الفلسطينيون، وقد توقف الارتباط العسكري من قبل إسرائيل منذ الانتفاضة الأخيرة، ولا يبقى سوى تبادل المعلومات وإسرائيل، تحذر من أن وقف مثل هذا التنسيق يعني إنهاء للسلطة هذه المرة بقرار إسرائيلي. والحقيقة المجردة تقول إن الرئيس الفلسطيني بخطابه وما أعلنه من منصة الأمم المتحدة فإنه يناور ويحاول تحسين شروط العودة إلى المفاوضات، وليس أمامه سوى إعادة تنشيط عمل اللجنة الرباعية التي عقدت اجتماعا لها، سعت إلى توسيع المشاركين فيه بالدول دائمة العضوية وبعدد من الدول العربية، على أن يتم تعيين مبعوث آخر لها بدلا من توني بلير ليتفرغ لعمل الاستشارات الدولية، وكذلك المبادرة الفرنسية التي تنص على تشكيل مجموعة دعم دولية، في محاولة لإحياء السلام بين السلطة وتل أبيب، خاصة أن عباس -كرؤية وسياسة- ملتزم بها منذ سنوات توليه السلطة بعد الزعيم ياسر عرفات، لا يسعى أبدا إلى الدخول في مواجهة مع إسرائيل، كما أنه لم يقم بالواجب المنوط به لإقناع العالم بجدية موقفه في ظل غياب الوفاق أو المصالحة الفلسطينية، وكان يمكن أن يسير في هذا الاتجاه خلال الأسابيع الماضية، كما لم يفكر في جمع القيادات الفلسطينية من أجل التشاور في هكذا موقف، ولم يسع إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، كما لم يكن واضحا بما فيه الكفاية بإعلان حل السلطة الفلسطينية، أو سحب الاعتراف بإسرائيل، أو إطلاق يد المقاومة الفلسطينية، أو وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، فمثل هذه المفردات ليست في قاموس محمود عباس، كما أنها بعيدة تماما عن تفكيره، وعليه أن يقبل -ولو مؤقتا- بالإنجاز الرمزي برفع العلم الفلسطيني على مقر الأمم المتحدة. usama.agag@yahoo.com •

وشهد شاهد من أهلها!

لا أدري إذا كانت تصريحات المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا غسان سلامة، حول حقيقة ما جرى منذ هجوم اللواء المتقاعد خليفة حفتر الغادر على العاصمة الليبية طرابلس في أبريل من العام الماضي، نوعاً من إبراء...

سدّ النهضة.. أزمة في انتظار الحسم

عندما يتعلق الأمر بحاضر ومستقبل أكثر من مائة وخمسين عربي في مصر والسودان، فنحن في حاجة إلى الاصطفاف والحذر، والحرص في التناول والتعامل أثناء التعامل مع ملف سد النهضة، وعندما تكون القضية تخصّ شريان الحياة،...

ألغام في طريق الحوار!

هاهي أميركا تجني ثمار ما زرعته في العراق، فبعد أكثر من 17 عاماً من غزوها العاصمة بغداد، تجد نفسها مجبرة على الدخول في حوار استراتيجي مع حكومة الكاظمي؛ للاتفاق حول شكل وحجم قواتها هناك، بعد...

تونس.. العبور من الأزمة

إن أي مراقب محايد وحريص على التجربة الديمقراطية الوليدة في أعقاب أنجح نماذج الربيع العربي، لا بدّ أن يقرّ ويعترف بأن هناك أزمة حقيقية تعاني منها تونس، وبداية الحل في الاعتراف بوجودها، والاتفاق على آليات...

قرار الضمّ.. مواقف متخاذلة (1-2)

عندما يجتمع «الهوان» العربي، و»التخبّط» الفلسطيني، مع «الدعم» الأميركي، وموقف «إبراء الذمة» الأممي والأوروبي، فالنتيجة أن المشروع الإسرائيلي لضمّ 30% من الضفة الغربية -وهو قيد التنفيذ- في يوليو المقبل سيمرّ، وعلى الجميع أن يتنظر خطوة...

سد النهضة.. مرحلة الحسم (2-2)

بكل المقاييس، فإن شهري يونيو ويوليو المقبلين هما الأخطر في مسار أزمة سد النهضة، وسيحددان طبيعة العلاقات المصرية السودانية من جهة، مع إثيوبيا من جهة أخرى، وكذلك مسار الأحداث في المنطقة، وفقاً للخيارات المحدودة والمتاحة...

سدّ النهضة.. السودان وتصحيح المسار (1-2)

أسباب عديدة يمكن من خلالها فهم الاهتمام الاستثنائي من جانب الكثيرين من المعلّقين والكتّاب -وأنا منهم- بقضية سدّ النهضة، والأزمة المحتدمة على هذا الصعيد بين مصر وإثيوبيا والسودان، ومنها أنها تتعلّق بحاضر ومستقبل شعبين عربيين،...

الكاظمي.. السير في حقل ألغام

بعد عدة أشهر من استقالة رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبدالمهدي، كان الخيار الأول لمن يخلفه هو مصطفى الكاظمي رئيس الاستخبارات العراقية، ولكنه تحفّظ على قبول التكليف، ووسط عدم قبول كتل شيعية له؛ ولكنه أصبح...

في ليبيا.. سقطت الأقنعة (1-2)

المتابعة الدقيقة لمسيرة اللواء المتقاعد خليفة حفتر تؤكد أن الرجل لم ولن يتغير؛ فقد ظهر بشكل كوميدي لأول مرة في فبراير 2014، داعياً الليبيين إلى التمرّد على المؤتمر الوطني العام المنتخب من قِبل الشعب الليبي،...

في لبنان.. مناطحة الكباش!!

أزمات لبنان الحقيقية تبدأ وتنتهي عند المحاصصة السياسية والطائفية، يضاف إليها الرغبة في التسييس والتأزيم، مع تمترس كل طائفة وتيار وحزب سياسي وراء مواقفه، دون الرغبة في اللجوء إلى التسويات السياسية، أو لقاء الآخر عند...

الكاظمي.. مرشّح الضرورة!

لن تخرج الاحتمالات الخاصة بتمرير الحكومة العراقية الجديدة برئاسة مصطفى الكاظمي، عن هذه الاحتمالات؛ إما أن ينجح الرجل فيما فشل فيه سابقاه محمد توفيق علاوي وعدنان الزرفي، ويصل إلى التشكيلة المناسبة ليتم تمريرها عبر مجلس...

نتنياهو.. السياسي «المتلّون»

لا أسامح نفسي على إطراء شخصية مثل بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، ولكنه يقع في إطار إقرار واقع وقراءة في مسيرة الرجل، الذي استطاع عبر سنوات طويلة، أن يستخدم أدواته بصورة جديدة، ليحتفظ بالموقع طوال...