


عدد المقالات 604
إن أي مراقب محايد وحريص على التجربة الديمقراطية الوليدة في أعقاب أنجح نماذج الربيع العربي، لا بدّ أن يقرّ ويعترف بأن هناك أزمة حقيقية تعاني منها تونس، وبداية الحل في الاعتراف بوجودها، والاتفاق على آليات واضحة ومحدّدة للتعامل معها وتجاوزها، وهذه مسؤولية النخب السياسية في الأحزاب والتيارات، وكذلك مؤسسات الدولة: الرئاسة والبرلمان ومعهم الحكومة، وجميعهم أطراف في الأزمة وسبب فيها بشكل أو بآخر، مع العلم بأن الحصانة الذاتية والتوافق الوطني لأي دولة -وليس تونس فقط- هما الكفيلان بمنع أي قوى خارجية من العبث بمقدّراتها. وقد كان الخطاب الأخير الذي ألقاه الرئيس التونسي كاشفاً للحالة التي وصلت إليها البلد، رغم أنه كان «حمّال أوجه»، ومثّل رسالة لجهات عديدة فاعلة في المشهد السياسي، وفهمه كل طرف من أطراف المشهد السياسي وفقاً لقراءته؛ فالمعارضة الليبرالية والعلمانية توقّفت عند مقولته «إن الدولة التونسية واحدة، ولها رئيس واحد في الداخل والخارج»، وفسّرت الأمر على أنه رسالة موجّهة إلى راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة ورئيس البرلمان، وهم من تناسوا أن معظم الخطاب كان تحذيراً شديد اللهجة إلى جماعات الثورة المضادة، من الذين يحنون إلى الماضي، وقال «إن ما يأملونه مجرد أضغاث أحلام، والبعض الآخر دأبهم النفاق والرياء والكذب والافتراء». دعونا نتفق أنه منذ الانتخابات الرئاسية والبرلمانية السابقة لاحت بوادر الأزمة؛ حيث وصل رئيس من خارج الطبقة السياسية لا يمكن حسابه على أيّ من التيارات الفكرية أو السياسية، وعلى المنوال نفسه كانت نتائج الانتخابات البرلمانية التي حازت فيها «حركة النهضة» الأكثرية، ولكنها لم تمنحها وضعاً مريحاً، مما دفعها دفعاً إلى الدخول في ائتلافات وتحالفات سياسية مع مكوّنات تفتقد الحدّ الأدنى من التوافق الفكري، وهذا خلق تحالفاً داعماً للحكومة، مكوّناً من «النهضة» بمرجعيتها الإسلامية، و»حركة الشعب» وهي ذات توجّه قومي ناصري، وحزب «تحيا تونس» الذي يحمل إرث بورقيبة، أول رئيس لتونس ومؤسسها، و»حزب التيار الوطني» الذي يقول إنه حزب ديمقراطي ذو أبعاد اجتماعية.. والتناقضات واضحة مما سمح بخلافات بين مكوّناته، الأمر الذي دفع «النهضة» إلى محاولة توسيع التحالف وإدخال أطراف جديدة فيه، وتحديداً حزب «قلب تونس»، و»كتلة ائتلاف الكرامة»، مما يعني إقصاء حركة الشعب من التحالف والحكم، وله بعض الوزراء. والأزمة ليست قاصرة على التحالف الحاكم، ولكن أيضاً على المعارضة، التي تقودها عبير موسي زعيمة «الحزب الدستوري الحر»، التي لا بدّ أن نعترف أنها نجحت في تغييب فكرة وتبديل صورتها بوصفها أحد كوادر حزب الرئيس المخلوع بن علي، ومعها «كتلة الإصلاح الوطني»، و»حركة تحيا تونس» و»كتلة المستقبل»، وحزب «قلب تونس»، ولها 82 مقعداً في المجلس وهناك تحفّظ كبير على قيادتها المعارضة. الخلافات ليست قاصرة على المكوّنات الحزبية، ولكن على مستويات قيادات المؤسسات الثلاث، بين الرئيس قيس سعيد ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، خاصة حول توسيع الاختصاصات من الأخير، وسعي الأول إلى تغيير المسار السياسي الكامل في البلاد ودفعه في هذا الاتجاه، مما يعني حلّ البرلمان، وإجراءات أخرى، وهو الأمر الذي يلقى معارضة واسعة، وهناك خلافات أيضاً بين البرلمان ورئاسة الوزراء، التي تجاوزت في استغلال التفويض الممنوح لها من البرلمان لإصدار مراسيم وقوانين لمدة شهرين -بدأت منذ 4 أبريل الماضي- دون الرجوع للبرلمان، في إطار مواجهة جائحة «كورونا»، بالإضافة إلى تخطيط رئيس الوزراء لتشكيل كتلة برلمانية جديدة يستند عليها، كما كان الحال مع يوسف الشاهد رئيس الوزراء السابق.. كلّ ذلك في إطار أزمة اقتصادية أسفرت عن احتجاجات جماهيرية. هذا هو المشهد السياسي في تونس، وهناك حاجة حقيقية إلى حوار جادّ، يسعى إلى ضبط الإيقاع السياسي، وهو ما تسعى إليه بالفعل جهات سياسية نافذة، بدعوة قيس سعيد -بوصفه شخصية جامعة- إلى تبنّي مبادرة وطنية للتوصل إلى تفاهمات عبر حوار هادئ، وهناك دعم مبدئي من «حركة النهضة»، وهو ما ظهر من خطاب راشد الغنوشي مؤخراً، الذي دعا إلى التضامن ورصّ الصفوف والتوافق والتهدئة، والأمر يحتاج إلى نوايا صادقة ورغبة حقيقية من الجميع في الحفاظ على التجربة، دون إقصاء أو تهميش.
لا أدري إذا كانت تصريحات المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا غسان سلامة، حول حقيقة ما جرى منذ هجوم اللواء المتقاعد خليفة حفتر الغادر على العاصمة الليبية طرابلس في أبريل من العام الماضي، نوعاً من إبراء...
عندما يتعلق الأمر بحاضر ومستقبل أكثر من مائة وخمسين عربي في مصر والسودان، فنحن في حاجة إلى الاصطفاف والحذر، والحرص في التناول والتعامل أثناء التعامل مع ملف سد النهضة، وعندما تكون القضية تخصّ شريان الحياة،...
هاهي أميركا تجني ثمار ما زرعته في العراق، فبعد أكثر من 17 عاماً من غزوها العاصمة بغداد، تجد نفسها مجبرة على الدخول في حوار استراتيجي مع حكومة الكاظمي؛ للاتفاق حول شكل وحجم قواتها هناك، بعد...
عندما يجتمع «الهوان» العربي، و»التخبّط» الفلسطيني، مع «الدعم» الأميركي، وموقف «إبراء الذمة» الأممي والأوروبي، فالنتيجة أن المشروع الإسرائيلي لضمّ 30% من الضفة الغربية -وهو قيد التنفيذ- في يوليو المقبل سيمرّ، وعلى الجميع أن يتنظر خطوة...
بكل المقاييس، فإن شهري يونيو ويوليو المقبلين هما الأخطر في مسار أزمة سد النهضة، وسيحددان طبيعة العلاقات المصرية السودانية من جهة، مع إثيوبيا من جهة أخرى، وكذلك مسار الأحداث في المنطقة، وفقاً للخيارات المحدودة والمتاحة...
أسباب عديدة يمكن من خلالها فهم الاهتمام الاستثنائي من جانب الكثيرين من المعلّقين والكتّاب -وأنا منهم- بقضية سدّ النهضة، والأزمة المحتدمة على هذا الصعيد بين مصر وإثيوبيا والسودان، ومنها أنها تتعلّق بحاضر ومستقبل شعبين عربيين،...
بعد عدة أشهر من استقالة رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبدالمهدي، كان الخيار الأول لمن يخلفه هو مصطفى الكاظمي رئيس الاستخبارات العراقية، ولكنه تحفّظ على قبول التكليف، ووسط عدم قبول كتل شيعية له؛ ولكنه أصبح...
المتابعة الدقيقة لمسيرة اللواء المتقاعد خليفة حفتر تؤكد أن الرجل لم ولن يتغير؛ فقد ظهر بشكل كوميدي لأول مرة في فبراير 2014، داعياً الليبيين إلى التمرّد على المؤتمر الوطني العام المنتخب من قِبل الشعب الليبي،...
أزمات لبنان الحقيقية تبدأ وتنتهي عند المحاصصة السياسية والطائفية، يضاف إليها الرغبة في التسييس والتأزيم، مع تمترس كل طائفة وتيار وحزب سياسي وراء مواقفه، دون الرغبة في اللجوء إلى التسويات السياسية، أو لقاء الآخر عند...
لن تخرج الاحتمالات الخاصة بتمرير الحكومة العراقية الجديدة برئاسة مصطفى الكاظمي، عن هذه الاحتمالات؛ إما أن ينجح الرجل فيما فشل فيه سابقاه محمد توفيق علاوي وعدنان الزرفي، ويصل إلى التشكيلة المناسبة ليتم تمريرها عبر مجلس...
لا أسامح نفسي على إطراء شخصية مثل بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، ولكنه يقع في إطار إقرار واقع وقراءة في مسيرة الرجل، الذي استطاع عبر سنوات طويلة، أن يستخدم أدواته بصورة جديدة، ليحتفظ بالموقع طوال...
تطورات أزمة سد النهضة متلاحقة، ويبدو من سرعاتها أنها لم تتأثّر بحالة الجمود السائد في العديد من الملفات السياسية في الإقليم والعالم. وخلال الأيام الماضية يمكن رصد الزيارة السريعة التي قام بها وزير الري المصري...