


عدد المقالات 336
لم يكن فوز أردوغان في الانتخابات الرئاسية الأخيرة سوى حلقة من حلقات متصلة أكّدت أن هذا الرجل ليس كبقية الرؤساء الذين عرفتهم تركيا، وليس قائداً كبقية القادة الذين عرفتهم المنطقة، إنه باختصار رجل صاحب مشروع، وهو على استعداد لأن يضحّي بكل شيء في سبيل مشروعه، نعم فلقد ضحّى مبكّرا بعلاقاته التكوينية الأولى مع جماعته الأم، وقد لاقى بسبب هذا ما لاقى، لكنه بعد أن تكلل مشروعه بالنجاح رأيت الذين كانوا يلومونه بالأمس يلتحقون به، ثم ضحى بأقرب الناس إليه في تجربته الجديدة ممن ناصروه مبكراً وأيّدوه، لكنهم اختلفوا معه -ربما- في تصوراتهم لطبيعة المرحلة وتحدّياتها واحتياجاتها، وأقرب مثال لهؤلاء المفكر والمنظّر المعروف أحمد داود أوغلو، والذي ما زال رغم ما حصل يساند التجربة الأردوغانية من موقع آخر، وهذه سمة بارزة من سمات العمل السياسي في تركيا، فالخلاف في ملفّ ما لا يعني الخلاف في كلّ الملفات، ولا يعني التقاطع والتدابر كما هو الحال في كثير من تجاربنا العربية، الإسلامية منها وغير الإسلامية. نجاحات أردوغان لا تتوقف رغم تعقيد الملفات التي يمسك بها على المستويين الداخلي والخارجي، لكن هذه النجاحات سبّبت مجادلات عربية عربية، أغلبها -مع الأسف- خارج نطاق الواقع وخارج نطاق التأثيرات المتوقعة لهذه الظاهرة، فقد أصبح من المعتاد أنه مع كل نجاح أردوغاني ترى موجة من التهاني والتبريكات والتكبيرات تجتاح مواقع التواصل الاجتماعي من قبل الشباب المنتسبين للجماعات الإسلامية، وتقابل في الغالب بموجة أخرى مضادّة تتبناها في الغالب توجهات قومية وعلمانية وطائفية، إضافة إلى أقلام تدور في فلك الأنظمة المعادية لأردوغان، وبين هؤلاء وهؤلاء ترى نمطاً حائراً وعاجزاً عن تفسير ما يجري، فهناك مثلاً من يسمع لتكبيرات المكبّرين وتبريكات المباركين، ثم يتلفت إلى واقعه فلا يجد أثراً من عون أو نصرة، وربما هذه هي حال كثير من العراقيين اليوم بعدما أصابهم ما أصابهم، وهناك أيضاً مثال آخر فبعض الشباب المتديّن الذين قدموا إلى اسطنبول وكانوا يظنونها عاصمة للخلافة ونموذجاً للمشروع الإسلامي، تصدمهم المناظر المخالفة للشريعة، حتى في صفوف حزب العدالة والتنمية، والتي كانوا في بلادهم ربما يوالون ويعادون على أساسها، فلم يسعفهم وعيهم لفهم هذه الحالة ولا كيفية التصرف معها. لا أنكر -مع كل هذا- وجود تيار عربي واعٍ بل وقادر على الإسهام بتقديم النصح والدراسات العلمية والموضوعية المفيدة، ومثال ذلك البحوث المقدمة إلى «مؤتمرات الدولة» المنعقدة في تركيا، والتي شاركت فيه عقول عربية كبيرة، بينها الدكتور عماد الدين خليل، والدكتور سعد الدين العثماني، والدكتور أحمد الريسوني، والدكتور عبد المجيد النجار، والدكتور جاسم سلطان، والشيخ محمد حسن الددو، وكذلك المقالات النوعية للمفكر التونسي عبد الفتاح مورو، وغيرهم، إلا أن هذا النمط يضيع في العادة وسط زحمة الاصطفافات السطحية والعاطفية. أما الأنظمة فبشكل عام فلا يعنيها هذا الجدل، وإنما تتحرك في العادة وفق مواقف سياسية قد تكون مرتبطة فعلاً بالمصلحة الذاتية أو الوطنية، وقد تكون مرتبطة بعلاقات وتوازنات خارجية، لا دخل لها بالمصلحة الذاتية ولا الوطنية.
هناك من يردد سؤالاً آخر مؤدّاه، ماذا نفعل إذا وجدنا في البخاري ما يعارض القرآن الكريم، أو يعارض العقل؟ وهذا السؤال بدأ يتردد مع هذه الموجة كجزء من حملة التشويه ومحاولة النيل من مكانة البخاري...
المسألة ليست مسألة تقديس للبخاري، ولو كانت المسألة كذلك لاتجه الناس إلى موطّأ الإمام مالك إمام دار الهجرة، أو مسند ابن حنبل إمام أهل السنّة، بل لقدّسوا مرويّات البخاري نفسه في كتبه الأخرى، فالمسألة عند...
إن هذا الاضطراب والتخبّط لدى هؤلاء يكشف أيضاً عن جهل عريض في أصول هذه العلوم ومبادئها الأولية، ولذلك لا ترى هذا الطعن إلا منهم ومن أمثالهم، ممن لا علم لهم بالسنّة وعلومها. إن علماء السنّة...
يتعرض صحيح البخاري هذه الأيام لحملة من التشكيك وإثارة الشبهات، مع حالة من الغموض بالنسبة لدوافعها وغاياتها، والعلاقات التي تجمع بين أصحابها، الذين كأنهم تفرّغوا اليوم أو فُرّغوا لهذه المهمة. هؤلاء بالعموم لم يُعرف عنهم...
لست أهوّن أبداً من مشروعية الغضب في مثل هذه الصدمات، بل أعتبر هذا دليلاً على حياة الأمة واعتزازها بهويتها وبذاتها، وبالعنوان الكبير الذي يجمعها، رغم محاولات تغييبها وتجزئتها، فحينما أرى شاباً عربياً أو تركياً أو...
قبل ثلاثين سنة، استبشر التيار الإسلامي بالانقلاب الذي قاده الرئيس عمر حسن البشير، وتصاعدت الآمال بالنموذج المرتقب للحكم الإسلامي المعاصر، وصار الناس يتداولون الأخبار والقصص عن زهد الرئيس البشير وتواضعه وحكمته، حتى سمعت من أحد...
بقرار من وزارة التعليم في دولة قطر، تشكلت لجنة من الكفاءات العالية لمراجعة وثيقة المعايير المتعلقة بمناهج التربية الإسلامية. وقد جاء القرار بحد ذاته ليعكس رؤية عميقة وواعدة يمكن تلخيصها في الآتي: أولاً: الاهتمام الخاص...
إن الحكم الوراثي السلالي كان جزءاً من ثقافة العرب عموماً، فإذا مات شيخ القبيلة ورثه ابنه، فإن لم يتهيّأ كان أقرب الناس إليه، ودول العالم المجاور للجزيرة -على الأقل- لم تكن تعرف غير هذا، وحينما...
من الغريب جداً أن «المتنورين» بروح العصر وقيمه وثقافته، يجعلون معيار الحكم على تلك المرحلة معياراً مستنداً بالأساس إلى روح «القداسة» أو قداسة «الروح»، فمرة يحدّثونك عن جريمة الخروج على الإمام علي، بمحاكمة أحادية الجانب،...
التاريخ بكل تأكيد لا تصنعه الملائكة، وإنما هو صناعة بشرية بأحداثه ومواقفه ورواياته وتدويناته وتحليلاته واستنتاجاته ومصادره، إلا ما ورد منه بآية قرآنية أو حديث صحيح. هذه المقدمة -التي ينبغي ألا نختلف فيها- تفتح باباً...
تستغل الباطنية اليوم حالة الضعف العام الذي تمر به الأمة سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وما يصاحبها من تفكك واضطراب في المنظومة القيمية والعقدية الجامعة، وتراجع مستويات التعليم الديني، وعجز المؤسسات الشرعية والجماعات الإسلامية عن مواجهة التحديات...
الباطنية مذاهب مختلفة، يجمعها اعتقاد باطن للقرآن يخالف ظاهره، وأن هذا الباطن هو مراد الله تعالى، والمقصد من هذا إنما هو تحريف العقيدة وإبطال الشريعة، وإشاعة الشك والفوضى، وتبديل الأحكام الواضحة بمفاهيم عائمة لا تحق...