«الميدان» مغلق للتحسينات

كل عام وحضرتك والأسرة والوطن بخير وسلام. ونصيحة كل عام في رمضان هي ألا تكون منطوياً مثل القطايف ولا ملتوياً مثل الكنافة. وعندنا في مصر مواد دستورية ومواد فوق دستورية. والفقراء عندما يحصلون على «شنطة رمضان» كهدية وفيها الزيت والسكر والدقيق فإنهم يعتبرون أن هذه المواد فوق دستورية. ويطالب معظمهم بإجازة من المظاهرات خلال الشهر الكريم. وفي كل عام ينوب المطرب محمد عبدالمطلب عن الأمة في الترحيب برمضان «رمضان جانا، أهلاً رمضان»، وتنوب المطربة شريفة فاضل عنا في وداعه «والله لسه بدري والأيام بتجري» مع أن رمضان فرض عين وليس فرض كفاية. ونودع موائد الحوار وتبدأ موائد الرحمن. فكل سنة وحضرتك طيب وحاول في رمضان أن تتابع في التلفزيون برامج الطهو التي لا يتصاعد منها بخار حتى لا يتسبب في إفطارك وأن تراجع حصصك التموينية وسوف تكتشف أن «البقال» مثل وزارة التربية والتعليم لا يلتزمان بـ «المقرر»، فمثلاً المطربة أم كلثوم كان اسمها في الدفاتر «فاطمة»، والمطربة أسمهان كان أسمها «آمال». وقد أذاع التلفزيون أن المطرب «أبو الليف» قرر أن يغير اسمه إلى «أبو الريش» ليواكب الأحداث مع الاحتفاظ بنفس الأغاني والحصص التموينية، فلماذا لا نتعلم منه المرونة ونودع مؤقتاً موائد الحوار ونتجه إلى موائد الرحمن ونتوقف عن التظاهر في انتظار مدفع الإفطار؟! الشعب يريد إجازة في رمضان دون مظاهرات أو اعتصامات أو وقفات ويكفينا وقفة العيد، فحتى البراكين تثور ثم تهدأ ليأتي السائحون. وفي ليلة القدر قد تتحقق المطالب، وعلينا أن نتعلم الصبر من زهرة الصبار التي تحورت لتلتقط «الندى» وأن نتعلم الإصرار من نادى الزمالك الذي سحب منه النادي الأهلي درع الدوري بالملعب ففكر هو أن يسحبه منه بالمحكمة، وليس هناك أضعف من خيوط العنكبوت، وليس هناك أطول من حبال المحاكم. فإذا كان تأجيل الجلسات حتى يتم استدعاء عزرائيل ليسترد الوديعة من الرئيس، فلماذا لا يتم تأجيل المظاهرات مع فرح لواحظ صباحية العيد؟! لقد كانت شعبية الفوازير مثل شعبية المظاهرات ومع ذلك توقفت في رمضان وكانت النتيجة هي حل الحزب الحاكم بدلاً من حل الفوازير. فخذ نفساً عميقاً واكتمه عن أقرب الناس إليك ثم أخرجه زفيراً حاراً صباحية العيد؛ فالميدان الآن مغلق للتحسينات. وبين «رمضان جانا» و «والله لسه بدري» علينا أن نتوقف ونتأمل وأن نتابع برامج الطهو من دون بخار وأن نراجع حصص التموين مع البقال ومستحقات الثورة مع المسؤولين ثم نحضر فرح لواحظ ونأخذها من الكوافير في عربة مكشوفة إلى ميدان التحرير لنزفها هناك. لقد درست الاستراتيجية في أرقى المعاهد العسكرية في أفضل الجامعات، والسيناريو الذي أخشاه الآن هو مصر أولاً (فصل أول) ثم الجماعات الدينية ثانياً (فصل ثان)، ثم حلف الناتو ثالثاً (فصل ثالث)؛ لذلك نرجو أن تنزع الجماعات الدينية العقال وتستخدم العقل. غداً تتفتح الزهور والميادين وأقفاص المتهمين، وطول الأجل يبلغ الأمل فليس هناك «حليب» كامل الدسم ولا «حبيب» كامل الأوصاف.