مجلس التحدي2-2

توقفنا في المقال الماضي عند التحديات التي صاحبت نشأة مجلس التعاون الخليجي منذ بدايته، ونضيف أن عراق صدام حسين ظل مصدر قلق لدول الخليج طوال الفترة حتى عام 2003 حيث سقط النظام بفعل تدخل أميركي سافر، ما زالت المنطقة تعاني تبعاته خاصة أن تحرير العراق خلق حالة من الفوضى ومواجهات ذات طابع طائفي لكل الحكومات العراقية خاصة بعد حكم نوري المالكي، كما شهد تغييرا في التركيبة السياسية بصعود دور الشيعة على حساب تراجع السنة في العراق. والغريب في الأمر أن الجارة إيران كانت أكثر المستفيدين من التغيير الحاصل في المنطقة واستطاعت توظيفه لصالحها خاصة أن واشنطن أزاحت أكبر عدوين لطهران في الغرب صدام حسين وفي الشرق حركة طالبان في أفغانستان، وترافق ذلك مع أطماع إيرانية قديمة تم تجديدها في ضوء المتغيرات الاستراتيجية ومحاولات لبسط النفوذ والتدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج خاصة في البحرين وهو ما أكده وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد الذي حملها مسؤولية الأحداث التي تشهدها المنامة في الآونة الأخيرة من تأجيج لصراع طائفي وتقديم دعم للشيعة هناك، وتكرر نفس المشهد في الكويت وإلى حد ما في المنطقة الشرقية بالسعودية، ناهيك من وجود أزمة قديمة تتعلق باحتلال إيران منذ سبعينيات القرن الماضي لجزر الإمارات الثلاثة طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى، وقد أضيف مؤخرا بعدا ثالثا للتأزم في العلاقات الإيرانية الخليجية وهو البرنامج النووي، صحيح أن البحث فيه يخص مجموعة 5+1 ولكن ما يشكل مصدر قلق لدول الخليج على المستوى السياسي أن إيران تحاول المقايضة بالبرنامج مقابل أدوار إقليمية على حساب دول الخليج، يضاف إلى ذلك المخاوف من تأثيرات بيئية في ظل قرب محطة بوشهر النووية الإيرانية لسواحل الكويت عنها للعاصمة طهران. وظني أن دول مجلس التعاون بما تملك من خبرات تاريخية في التعامل مع الأزمات قادرة على تجاوز الوضع غير المستقر في المنطقة نتيجة أزمات الجيران، إيران وقد فصّلنا في أبعادها، والعراق الذي يسير في اتجاه الطائفية بما يمثله ذلك من مخاطر على دول المنطقة والمخاوف كبيرة من تقسيمه ناهيك من الوضع في اليمن مع زيادة مطالبات الجنوب في الانفصال عن الشمال وعدم استكمال بنود المبادرة الخليجية في انتظار إجراء حوار وطني شامل يضم كل ألوان الطيف السياسي في اليمن. والحقائق على الأرض تقول إن كل هذه التحديات أثرت بالضرورة على مسيرة المجلس خاصة مع الاستنزاف المالي والاقتصادي الذي تكبدته دول المجلس للتعامل مع هذه الأزمات وكانت هذه المليارات كفيلة بإحداث تنمية نوعية لدول وشعوب المنطقة، والواقع يؤكد أن كل ذلك لن يعرقل مسيرة المجلس، صحيح أن خطواته تتسم بالبطء، ولكن تمثل في جانب من الجوانب حرص على خلق حالة من التوافق العام بين دول المجلس، كما أن كل الإجراءات التي تم اتخاذها على كافة المستويات الاقتصادية والتجارية والمشروعات المشتركة قد لا ترضى طموح شعوب الخليج، ولكن السياسة هي فن الممكن وليس طلب المستحيل، والمثل يقول ما لا يدرك كله لا يترك كله، وقد خطت مسيرة المجلس على الصعيد الاقتصادي المشترك خطوات واسعة باتجاه التعاون المالي والاقتصادي والاتحاد النقدي والعملة الموحدة والتعاون التجاري والاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة والبحث عن آليات لخلق المواطنة الخليجية ناهيك من مشاريع الربط الكهربائي والتعاون في مجال الغاز والكهرباء. وقد وصل الحال بمجلس التعاون إلى المطالبة عبر مبادرة قدمها الملك عبدالله بن عبدالعزيز عاهل السعودية بالانتقال إلى مرحلة الاتحاد، وهناك دعوة لعقد قمة استثنائية للبحث في هذا المشروع بعد أن قامت لجان مشتركة بدراسته، وظني أنه قد يكون هناك بعض الصعاب التي تواجه مثل هذا المشروع رغم أنه لا يهدف إلى إعلان دولة واحدة بل مزيد من التعاون والتنسيق. وهكذا فإن تجربة مجلس التعاون الخليجي تستحق الدراسة والإشادة والإعجاب باعتبارها رافدا مهما للعمل العربي المشترك.