


عدد المقالات 43
بل هو الله الواحد سبحانه أقربُ إلينا من حبل الوريد؛ لأنه معنا أينما كنّا، وهو الذي وسِع علمهُ الكون كلّه من الذرّة حتى المجرّة، ومن النملة في جحرها حتى الحوت في أعماق المحيطات، ورحمته وسِعَت كلّ شيء، فسيكتبُها للذين هم بآيات ربّهم يؤمنون، الذين يتّبعون الرسول النبيّ الأميّ الذي يجدونه مكتوباً عندهم في كتاب الله يأمرهُم بالمعروف وينهاهم عن المنكر.. وهؤلاء الذين اتّبعوا الرسول النبيّ الأميّ -جعلنا الله والمسلمين منهم- ليس حتماً عليهم لكي يتقرّبوا إلى الله زُلفى أن يتزاحموا في أيام العشر الأواخر على الحجر الذي سوّدته ذنوبُ بني آدم في أطهر بُقعة وُجدت على ظهر الأرض! مع الإقرار بأنّ العمرة في رمضان وملازمة المسجد الحرام من أجلّ القربات في شهر الطاعات، ولكن.. ولكن ما حيلة الذين تباعدت بهم المسافات، وتعسّر عليهم توفر الزاد والراحلة ليبلغوا البيت العتيق؟! هل يُقال لهم إن سوق الجنّة مقتصرة على الأغنياء فقط! أو على الذين قرّبت الديار بينهم وبين المسجد الحرام؟! إذن -وأستغفر الله- عليكم أيُّها المحرومون من حيازة (الذهب والوَرِق) أن تتخذوا لكم غير الله إلهاً ترجون ثوابه وتخافون عقابه، لأن ميدان التديّن والطاعة لله عبارة عن نادٍ مغلقة أبوابه إلا عن أهل الدثور!! لا يزعم ذلك أحدٌ من أتباع أي دين.. بل على العكس تماماً.. فإنّ النفر الأوائل الذين شكّلوا لبِنات الإسلام الأولى -وهم الذين قامت دعوته ودولته بسبب مصابرتهم وجهادهم- كان معظمهم من فئات المستضعفين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان من أمثال ياسر وعمّار وسميّة وبلال وابن مسعود وأبي ذر وصهيب وخبّاب وسلمان وأبي هريرة وجابر، وغيرهم.. والنماذج المذكورة من نجوم أسلافنا لم يبلغوا ما بلغوا من الدرجات العُلى لأنهم كانوا من أصحاب الأموال الطائلة ففازوا وسعدوا بإنفاقهم إيّاها في ميادين التنافس على مضمار الآخرة.. كلا.. فلقد كانوا في عداد الفقراء طوال فترة النبوّة، وهي الفترة التي شهد لهم فيها نبيّنا بالسبق والأفضليّة، فكان أحدهم ينام جائعاً ويصحو صائماً! لكنهم فتحوا بأخلاقهم ودعوتهم قلوب العالمين قبل أراضيهم، وأسرّوا عباداتهم بينهم وبين مولاهم، فقاموا لله قانتين يبكون في الليالي الطوال الباردة والنّاس نيام، فكانوا رهباناً في المحاريب بالليل، فرساناً في ساحات الشرف في النهار، فرضي الله عنهم ورضوا عنه. وكان لسان حال أحدهم يقول: يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمتَ أنكَ بالعبادة تلعبُ من كان يخضبُ جيدَهُ بدموعهِ فنحورنا بدمائنا تتخضّبُ أو كان يُتعبُ خيلَهُ في باطلٍ فخيولنا يوم الصبيحة تتعبُ ريحُ العبير لكم ونحن عبيرُنا رهجُ السنابكِ والغبارُ الأطيبُ ولقد أتانا من مقالِ نبيّنا قولٌ صحيحٌ صادقٌ لا يكذبُ لا يستوي غُبارُ خيل الله في أنفِ امرئ ودُخانُ نارٍ تلهَبُ أولئك الذين أشاد القرآن بمواقفهم وبطولاتهم في الجهاد وفضّلهم على الذين اقتصر فهمهم لدين الله وعملهم به على ملازمة الحرمين أو عمارته مادياً بـ «البناء والتوسيع»، أو معنوياً بـ «التلبية والطواف».. {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}؛ لذلك صحّ عن نبيّنا عليه الصلاة والسلام قوله: «موقف ساعة في سبيل الله خيرٌ من قيام ليلة القدر عند الحجر الأسود» رواه ابن حبّان وإسناده صحيح. لو بقي المسلمون الأوائل في أرض الحرمين يدعون ويلبّون ويطوفون ويتعلقون بأستار الكعبة لدُفن دين محمّد في مهده، ولعادت الوثنية وعبادة الأصنام إلى أرض العرب في القرون الأولى. لكنهم ساحوا في أرض الله يبلغون دين الله باللسان وبالأسوة الحسنة وبالسِنان.. إنّ من آفات المسلمين اليوم ما بيّنه الإمام الغزّاليّ قبل ألف سنة في قوله: «ترك الموازنة بين الأمور من جملة الشرور». وهذا هو ما نسمّيه في الخطاب الدعوي المعاصر بـ «فقه الأولويات». الله تعالى أقرب وأعدل وألطف بعباده من أن يخصّ فئة من خلقه بامتيازات أو يُهيّئ لهم المعينات التي تقرّبهم منه سبحانه، دون فئات أخرى من المحرومين الذين لا يستطيعون ضرباً في الأرض بالقليل الذي أوتوه لكي يصلوا إلى ما وصل إليه أصحاب الأموال، (أفلحوا إنْ صدقوا).. { إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} فالخلقُ كلهم عيال الله، والفرصة متاحة بمنتهى العدل الإلهي لكل مؤمن صادق أن يصل إلى مولاه وإلى مرضاته بالذي يسّر الله له من الإمكانات والمواهب لكي يجدّ ويعمل، «فكلٌ ميسّرٌ لما خلق له».. وقد قال سادتنا العارفون: «إذا أردت أن تعرف عند الله مقامَك، فانظر فيما أقامك» أي انظر في حالك وفيما تقوم به من أعمال، وفيما يصدر عنك من تصرفات وأقوال، فإنّ منازلك أيّها العبد عند الله أنت وحدكَ الذي ترسُم أبعادها، وأنت الذي تشيّدها بجُهدك وهمّتك، وبتوفيق الله بالتأكيد.. (رُفعتْ الأقلام وجفّت الصُحف). وما زالت للكلام بقيّة سيفيض بها فيض الصمت في أسبوعنا، فإلى الجمعة المقبلة بإذن الله، والسلام..
عـلى محمل الغوص سنبحر إلى خليج الأمس، ومع هدير الموج المرعد «بالهولو والـ يا مال». المال!! الرجال!! فما قصة «اليامال» ومجازفة الرجال؟؟ وما أدراك ما صنع الرجال في خليجنا العظيم عندما أرخصوا الأرواح؟ ذاك -وربِّ...
يقول الكويتي الرائع سعد المطرفي: مِجالِسِن خمسه بخمسه ولا لِكْ مَحَلْ أربع وعشرين ساعه تَطبَخْ دلالَها!!! ومجالِسِن كُبْرَها كُبراه ما تِندهل حتّى بساس الحواري ما تِعنّى لها؟؟! أرسل يدعوني قريب (في الصدر له منزلة لا...
وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً قديماً قيل: تركتُ هَوى ليلى وسُعْدَى بِمَعزِلِ وعُدتُ إلى تَصحيحِ أوّلِ مَنزِلِ؟؟! فنادَتْ بيَ الأشواقُ مَهلاً فهذِهِ منازلُ من تَهوى رُويدكَ فانْزِلِ غزلتُ لهُمْ...
من طول وتقادم زمان الصمت العربي المريب فإنّ ** في الجراب يا حادينا الجواب في كل يوم ألج مكتبه المتلألئ الأنيق -كما صاحبه البسّام المنيف- ومع كلّ اتصال، وعند كل لقاء.. لا يلقاني أبداً إلا...
في غرة المحرم من هذه السنة، انتبه أهل الإسلام «وعلماؤهم وساستهم» واستيقظوا من رقدة طال أمدها قروناً خلت، وتقادمت عليها الأعوام عقوداً تخلت، ومع بزوغ شمس العام، تدفقت في الأمة دماء الغيرة والإباء، وانفجرت في...
فقدنا يوم الجمعة (8 ذي الحجة 1440هـ) أحد أنقى وأصفى وأصدق وألطف الرجال، إنه العزيز الكريم، ضحوك السن، واسع القلب، الضحّاك جالب السرور وانشراح الصدر لكلّ من عرفه؛ إنه الأستاذ علي بن محمد الكُميت الخيارين،...
(ترى النعمة زوّالة) !! (كثيب رمل مهيل).. حول شواطئ (بحر الخليج).. يتراكم ويموج.. من خلفه الطوفان.. من خلفه السد. من «عودة قلم» الاثنين (21/1/2019) حول «هدر الأموال» وبوهج قبس الكاتبة سهلة آل سعد، لوزيرة الصحة...
تمهيد لا بُدّ منه: تعالى الله ربنا الجليل وتقدس أن «يفهم أمره» في قوله جل جلاله: «وإذَا أَرَدْنَا أَن نُهلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا»، تعالى الله أنْ يأمرَ الفاسق...
في الغابات نشاهد بقر الوحش والظباء والدوابّ كافة، وقد سخّر الله بعضها بحكمته البالغة لكي تُفترس بالأنياب، ذلك للحفاظ على حياة القطيع وباقي الأنواع، «صُنعَ اللهِ الذي أتقنَ كلّ شيءٍ»، وما يُعرف بـ «دورة الحياة»...
باسم الله مُجريها.. وما أدراك ما أُلهِبت النفس عندما يتعلق البيان بقطر؛ نبض أعصابنا، وتربة آبائنا وأمهاتنا. توهّم الواهمون في «كيانات» فاشلة تعزف على «طبول أساتذة جوفاء» أن قطر صيد يسهل اقتناصه وابتلاعه، بخاصة الذي...
هل إلى «تدبُّر» القرآن من سبيل؟! صح عن النبيّ الأكرم -صلى الله عليه وآله وسلم- قوله: «ألا إن سلعة الله غالية».. وعطاء العظيم بمقدار عظمته وكرمه.. والقرآن العظيم هو أعظم ما امتنّ به العظيم -سبحانه-...
في زمانٍ مضى وتولى كان العربُ -الشرفاءُ منهم، والنبلاء بالأخص، وأصحاب الزعامة والوجاهة- يأنفون من الكذب ويستقبحونهُ أشدّ القبح، ويعدّونهُ من خوارم المروءات التي يُعيّرُ بها المرء إنْ أُثرَ عنه أنه أحدثَ كذبة!! فلا يزال...