الخميس 23 جمادى الأولى / 07 ديسمبر 2023
 / 
05:15 ص بتوقيت الدوحة

تطبيق أَخلاقي

د. زينب المحمود

أقتبس هذا العنوان من عالم التكنولوجيا، رغم الفارق الكبير بين طرائق عمل الإِنسان النسبية، وطريقة عمل التكنولوجيا الخطية الآلية المحسومة والمحسوبة، وإِنما اقتبسته تيمنًا بقدرة أحدنا على ملازمة الأَخلاق، والإِقامة على المعيار القيمي، والسباحة في فلك المبادئ بدورة منتظمة، كيف يمكننا أن نعمل ويكأَننا تطبيقٌ أَخلاقيٌ يضم بضعًا وسبعين من شعب الإِيمان النضرة العطرة، فتبارك المصمم، وسبحان الخالق المصور. 
لعل أَدنى هذه الشعب اليانعة الفارعة أَن تنكر المنكر بقلبك إِذا لم تستطع أَن تدينه بلسانك، ولا أَن تغيره بيدك؛ بسبب بعض التراتبيات الصدئة التي لا يمكن تجاوزها، فكم من هو جميلٌ أن يشتمل تطبيقنا الأخلاقي على صفات عباد الرحمن أيضًا التي وردت في سورة الفرقان! فنجعل التواضع ديدننا، وننتهج منهج الله في طاعته والخوف منه، والمعرفة بأحكامه، والخشية من عذابه وعقابه. 
وما أجمل أن يتضمن تطبيقنا اللِينَ المتأَصلَ في ثنايا الحزم! فلكل امرئٍ من دهره ما تعوَّد عليه، لذا فلنعوّد أنفسنا على استدعاء صفات الله وإِكرامه وإِنعامه، وعندما يدرك أحدنا الطريق الدنيوي المفضي إِلى دار القرار، سينفض أجنحة روحه بعيدًا عن أًوحالها في فضاء الذِّكر. 
قلةٌ هم الناجون بخامَةِ فكرهم، وببكارة فطرتهم السليمة من رفث الذنوب، وبخوفهم من الله، وباتباع سنة الحبيب المصطفى، والحرص على كل ما يرضي الخالق، وتطيب به العلاقة بالمخلوق، فيصبح بذلك كاللؤلؤ صعب المنال. فقد يتمخض الفأل الحسن عن كرة من اللؤلؤ في أَحشاء كثير منها، وقد ينم فأل السوء عن عقمها جميعًا، على أَن السالب هو الغالب، وهذا ما يجعل اللؤلؤ لؤلؤًا؛ ندرته لا وفرته، مشقة استخراجه ورحلته التي تضرب لها أَكباد الآدميين لا أَكباد الإِبل، تقارب مهنة صيده عتبة الأَساطير والخرافات، وما هي بنفرٍ من الصبية يملؤون جيوبهم رطبًا مما تلقي الريح تحت بواسق النخل، هذه الطريقة الشائكة إِليه، والأَيدي المزدحمة المتنافسة عليه، تسمو به فوق صنوف الجواهر والأَحجار الكريمة، وتعوّم ذكره وقدره عليها جميعًا. 
أَيها الغائر في لُجّ البحـارْ ينشد اللؤلؤ من بطـن المحــارْ 
كل إِنسان محار من تـراب وله مـن لؤلؤ الروح منار
فإِذا أَوقـده استهـدى وإِلا فهـــو مثوى ظلمـات وبـوارْ 
أَما اللؤلؤ الذي لا يثمن بثمن، ولا يطرح في المزادات، ولا يستملك بحُرّ المال، فهو لؤلؤ الروح البشرية، كل إِنسان أُوتي محارته الطينية، ومصباح روحه في داخلها، ولكن هل أَسرجها كل إِنسان حقًا؟ 
لا يكاد يكون احتمال الأَرواح الدرية المشرقة المبرقة من كل جانب، إِلا كاحتمال اللآلئ في أَجواف المحار، ليست هذه وجهة نظر سوداوية في الخلق، ولا هو توصيف سادي بحقهم، معاذ الله، كثر هي المعادن الطيبة والنفوس السوية، ومُثُل الأَخلاق الفضلى، ككثرة الأَحجار الكريمة، والياقوت، والشعاب المرجانية المدهشة، إِنما نحن في صدد أَنفَسِ الأَنفُسِ، وأَطيبِ الطيوبِ، قليل ما تجتمع حذافير الخير، وتنسحب فتائل الشر كلها من الإِنسان، فيطلق العنان لروحه، ويشد اللجام لنفسه، فالمحن والمنح حقول تجارب الإِنسان، يسقط ظله على خلفيتها فترتسم الصورة القبيحة أَو الحسنة، فإِذا مشى من تحت قنطرة المحنة مطأطئًا، ولم يصدم رأسه، ثم رفل فوق رخام المنحة، ولم يُشبِع غروره، فمحارته الطينية حبلى بروح لؤلؤية نيّرةٍ، ومفعمة بسراج وهاج، كالذي يتوقد في جوانح الإنسان الذي اختار تطبيقه الأخلاقي أن يكون في أوج مجده، من دون أَن تنكسف شهبه، أَو تخبو أَلسنة نوره. فهلموا إلى هذا التطبيق، لتنجلي لنا معالم الطريق، فنكون ممن بدينه وقيمه وأخلاقه يليق.

 @zainabalmahmoud

اقرأ ايضا

كن ظافراً

24 يونيو 2018

عالم البوتقة

07 مايو 2017

لحظات الإبداع

03 فبراير 2019

برّوا أبناءكم.. تُبَرّوا

20 نوفمبر 2016