


عدد المقالات 84
رسمت غزوة بدر لأجيال الأمَّة صوراً مشرقةً في الولاء والبراء، وجعلت خطّاً فاصلاً بين الحقِّ والباطل، فكانت الفرقان النَّفسيَّ والماديَّ، والمفاصلة التامَّة بين الإسلام والكفر، وفيها تجسَّدت هذه المعاني، فعاشها الصَّحابة واقعاً مادِّياً وحقيقةً نفسيَّةً، وفيها تهاوت القيم الجاهليَّة، فالتقى الابن بأبيه والأخ بأخيه: 1 - كان أبو حذيفة بن عُتبة بن ربيعة في صفِّ المسلمين، وكان أبوه عُتبة، وأخوه الوليد، وعمُّه شيبة في صفِّ المشركين، وقد قُتلوا جميعاً في المبارزة الأولى. 2 - كان أبو بكر الصِّدِّيق في صفِّ المسلمين، وكان ابنه عبد الرَّحمن في صفِّ المشركين. 3 - كان مصعب بن عمير حامل لواء المسلمين، وكان أخوه أبو عزيز بن عمير في صفِّ المشركين، ثمَّ وقع أسيراً في يد أحد الأنصار، فقال مصعب للأنصاريِّ: شُدَّ يدك به؛ فإنَّ أمَّه ذاتُ متاع، فقال أبو عزيز: يا أخي! هذه وصيَّتك بي؟! فقال مصعب: إنَّه أخي دونك، تلك كانت حقائق، وليس مجرَّد كلمات: إنَّه أخي دونك (ابن كثير، 1988، ص 3/307)!. إنَّها القيم المطروحة لتقوم الإنسانيَّة على أساسها، فإذا العقيدة هي آصرةُ النَّسب والقرابة، وهي الرِّباط الاجتماعيُّ (الشامي، 1992، ص 213). 4 - كان شعار المسلمين في بدرٍ: (أحَد... أحَد) وهذا يعني: أنَّ القتال في سبيل عقيدةٍ تتمثَّل بالعبوديَّة للإله الواحد، فلا العصبيَّة ولا القبلية، ولا الأحقاد ولا الضَّغائن، ولا الثأر هو الباعث والمحرِّك؛ ولكنَّه الإيمان بالله وحدَه. ومن هذا المنطلق كانت صور الإيمان مختلفة المظاهر، واحدةً في مضمونها (الشامي، 1992، ص 213). وللإيمان فقهٌ عظيمٌ، ومن هذا الفقه حينما هاجر رسول الله (ﷺ) إلى المدينة، وهاجر إليها كلُّ من استطاع ذلك من المسلمين في مكَّة، وحُبِس من كان مضطهداً، ولم يستطع ذلك، فلما كان يوم بدر كان بعض هؤلاء في صفِّ المشركين؛ منهم: عبد الله بن سهيل بن عمرو، والحارث بن زمعة بن الأسود، وأبو قيس بن الفاكِه، وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة، وعليُّ بن أميَّة بن خلف، والعاصُ بن مُنبِّه. فأما عبد الله بن سهيل بن عمرو؛ فقد انحاز من صف المشركين إلى رسول الله (ﷺ)، فشهد المعركةَ، وكان أحدَ الصَّحابة الذين نالوا هذا الشَّرف العظيم (الشامي، 1992، ص 217). وأمَّا الآخرون؛ فلم يفعلوا ذلك، وشهدوا المعركة في صفِّ المشركين، وقد أُصيبوا جميعاً (ابن هشام، د.ت، ص 2/253)، فقتلوا تحت راية الكفر، فنزل في حقِّهم قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: 97]، [البخاري (4596)]. قال ابن عباس: كان قومٌ من المسلمين أقاموا بمكَّة - وكانوا يَسْتَخْفُون بالإسلام -، كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأُكرهوا على الخروج، فنزلت ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ﴾، إنَّهم لم يُعْذروا إذ كانت إمكانات الانتقال إلى صفِّ المؤمنين، ولم يكن الفاصل كبيراً بين الصَّفين، ولن يُعدموا - لو أرادوا - الفرصة في الانتقال إلى رسول الله (ﷺ) كما فعل عبد الله بن سهيل (الشامي، 1992، ص 217). إنَّ للإيمان مستلزمات تعبِّر عن صدقه وقوَّته، ومن مستلزماته استعلاؤه على كلِّ القيم ممَّا سواه، فإذا كان كذلك، كان لصاحبه الأثرُ الفعَّال، والقوَّة الفاعلة في بناء الحقِّ والخير؛ الَّذي أراده الله، فإنَّ الإيمان يصبُغ السُّلوك، فإذا به يشعُّ من خلال الحركة والجهد، ومن خلال الكلمة والابتسامة، ومن خلال السَّمْتِ والانفعال، ولذا لم يُعذَرِ الَّذين كانوا في صفِّ المشركين؛ لأنَّ الإيمان الَّذي ادَّعوه لم توجد له مستلزماتٌ، فلم يُـؤتِ ثمارَه (الشامي، 1992، ص 218). وبهذا الفهم العميق لفقه الإيمان ضرب الصَّحابة الكرام رضي الله عنهم في بدرٍ مُثُلاً عليا لصدق الإيمان، الَّتي تدل على أنَّهم اثروا رضاء الله ورسوله (ﷺ) على حبِّ الوالد والولد، والأهل والعشيرة، فلا يعجبُ المسلم من ثناء الله تعالى على هذه المواقف الصَّادقة في قوله تعالى: ﴿لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ اللَّهُ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [المجادلة: 22].
إن من أسباب التمكين أن يهتم العالم الاسلامي بالجانب الاقتصادي، لأن القوة الاقتصادية هي عصب الحياة الدنيا وقوامها، والضعيف فيها يقهر ولا يحسب له حساب إلا في ظل شرع الله حين يحكم، ولذلك ينبغي على...
إن الله تعالى أظهر في سيرة أحسن الملوك -ذي القرنين- (1)، مفاهيم حضارية وجعل في سيرته دروسًا لكل من أراد أن يحكم بالحق والعدل من الحكام في الناس، فأرشد القرآن الكريم عباده إلى ركائز الحضارة...
تسلم سليمان عليه السلام قيادة الدولة القوية التي أسست على الإيمان والتوحيد وتقوى الله تعالى، لقد أوتي سليمان عليه السلام الملك الواسع والسلطان العظيم، بحيث لم يؤت أحد مثلما أوتي، ولكنه أعطى قبل ذلك عطاء...
اهتم عماد الدين زنكي بالجيش اهتماماً كبيراً، وبرز هذا الاهتمام في شكل ووظيفة الدواوين التي كانت تختص بشؤون الجيش والعسكر، وأيضاً في طرق وأساليب عماد الدين زنكي في إدارة المؤسسة العسكرية. 1 ـ الجيش: كانت...
أراد الصِّدِّيق ـ رضي الله عنه ـ أن ينفِّذَ السياسة التي رسمها لدولته، واتَّخذ من الصَّحابة الكرام أعواناً يساعدونه على ذلك، فجعل أبا عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمَّة (وزير الماليَّة) فأسند إليه شؤون بيت...
يقف الإسلام بين الأديان والمذاهب والفلسفات شامخاً متميزاً في هذا المبدأ الذي قرر فيه حرية التدين، فهو يعلنها صريحة لا مواربة فيها ولا التواء، أنه: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ...
إذا كانت الفرقة هي طريق الانحطاط والضعف، فإن الوحدة هي سبيل الارتقاء وتبوؤ المكانة الفاضلة من جديد. إن اتحاد الأمة الإسلامية على أسس ديننا العظيم أمل كل المسلمين الصادقين في كل مكان، ذلك أن الإسلام...
اهتمّ عمرُ بنُ عبد العزيز رحمه الله بتفعيل مبدأ الشورى في خلافته، ومن أقواله في الشورى: «إنَّ المشورةَ والمناظرةَ بابُ رحمةٍ، ومفتاحُ بركةٍ، لا يضلُّ معهما رأيٌ، ولا يفقدُ معهما حزم». وكان أول قرارٍ اتخذه...
ذكر أهل العلم بالتَّواريخ والسِّيَر أنَّ أبا بكرٍ شهد مع النبيِّ (ﷺ) بدراً، والمشاهد كلَّها، ولم يفته منها مشهدٌ، وثبت مع رسول الله يوم أحدٍ حين انهزم الناسُ، ودفع إليه النبيُّ رايته العظمى يوم تبوك،...
بين القرآن الكريم أن داود عليه السلام كان مجاهداً في جيش طالوت، وممن نجحوا في الامتحان العسير الذي قرّر رئيس الجيش أن يخوضه جميع جنوده فسقط من سقط وعبر من عبر، فقد رفع داود عليه...
كان من صفات الصِّدِّيق التي تميَّز بها: الجرأة، والشَّجاعة، فقد كان لا يهاب أحداً في الحقِّ، ولا تأخذه لومة لائم في نصرة دين الله، والعمل له، والدفاع عن رسوله (ﷺ)، فعن عروة بن الزُّبير، قال:...
اسم «الواحد» هو اسم من أسماء الله الحسنى التي تدل على تفرده سبحانه وتعالى بالوحدانية، فهو الواحد الذي لا ثاني له، ولا مثيل ولا نظير، وهو الواحد في ألوهيته، فلا معبود بحق سواه، وهو الواحد...