بري وحزب الله.. الإخوة الأعداء في ويكيليكس

في الدفعة الأولى من تسريبات ويكيليكس ظهرت حقيقة موقف نبيه بري، رئيس حركة أمل، ورئيس مجلس النواب اللبناني من حزب الله، لكن الحليفين لم يلبثا أن تجاوزا الموقف، ففي زمن الطوائف والحشد الطائفي، لا مناص من التوحد، ليس فقط لأن ذلك هو مطلب الطائفة التي تشعر بالخطر من الطوائف الأخرى (انتفاضة سوريا تزيد شعورها بالخطر)، بل أيضا لأن فيه تلبية لمصلحة القوى الفاعلة داخل الطائفة أيضا. في الدفعة الجديدة ثمة ما يؤكد القديم، ربما على نحو أسوأ، فهنا تظهر حقيقة مشاعر نبيه بري حيال الحزب وآماله بتحجيم نفوذه، أكان عبر حرب يوليو التي رآها فرصة لذلك، أم عبر مواقفه من سوريا ومن إميل لحود حليف حزب الله الذي يصفه بري بأنه «ابن زانية». من زاوية نظر نفسية وحزبية لا يبدو موقف نبيه بري من حزب الله مفاجئا بأي حال، والأرجح، بل لعله المؤكد أنها مشاعر معروفة تماما بالنسبة للحزب وأمينه العام على وجه التحديد. ومن يعتقد أن التحالف الطائفي أو السياسي يلغي الحساسيات الحزبية والشخصية لا يعرف شيئا في عالم السياسة والاجتماع. حزب الله بالنسبة لنبيه بري هو المنافس الأكبر على النفوذ داخل الطائفة الشيعية في لبنان، وفي حين كانت حركة أمل هي سيدة الموقف خلال السبعينيات ومطلع الثمانينيات، وهي التي وضعت الشيعة في قلب المشهد السياسي بزعامة «الإمام الغائب أو المغيب» موسى الصدر، فقد جاء بروز الحزب بمثابة تهديد لوجود الحركة ودورها، ولم يمض وقت طويل حتى غدا زعيم الطائفة وممثلها السياسي، ولو أراد الحزب فرض مزيد من التهميش على حركة أمل لكان له ما أراد، لكنه ظل يمنحها من مقاعد مجلس النواب أكبر بكثير مما تستحق، وبالطبع ضمن رؤية سياسية ذكية لأمينه العام وقيادته السياسية في ظل الاستقطاب الطائفي في لبنان، ويبدو أن ذلك هو أيضا خيار سوري وإيران. في عام 86 اندلعت حرب طاحنة بين حركة أمل وحزب الله من أجل السيطرة على الضاحية الجنوبية، وقد كانت في جوهرها حرب القوة والنفوذ داخل الطائفة، والتي انتهت عمليا بتأكيد نفوذ الحزب وتهميش الحركة، الأمر الذي اعترفت به الأخيرة وزعيمها على مضض، ليستمر بعدها التحالف بين الطرفين. منذ ذلك الحين استمر حزب الله في حالة صعود، بينما تواصل التراجع لحركة أمل في الوسط الشيعي، ومعلوم أن حركة أمل هي أقرب للحركة العلمانية في الوسط الشيعي، بينما الحزب هو الحركة الأصولية الدينية، وفي ظل صعود مد المقاومة وسيطرة الحزب على فعالياتها بدعم سوري إيراني، وصعود الخطاب الديني لم يجد نبيه بري بدا من الاعتراف بهامشية وجوده، فيما كان حزب الله أكثر كرما معه مما ينبغي في سياق تقسيم الحصص داخل الطائفة، تحديدا في مجلس النواب. اليوم تظهر تسريبات ويكيليكس أن بري لم ينس ثأره، وأن كل ذلك الكرم من طرف الحزب معه لم يفض إلى نتيجة، وأنه لم ينس الذين سرقوا منه النفوذ والحضور، ولنا أن تتخيل حجم شعبية السيد نصر الله في أوساط الطائفة مقابل شعبية نبيه بري. يذكرنا هذا الأمر بصراعات القوى الشيعية في عراق ما بعد الاحتلال، وبسائر الصراعات المشابهة بين القوى الإسلامية السنية في أكثر من بلد عربي، من بينها الجزائر وأفغانستان (كان القتال بينها دمويا في الأخيرة)، ما يعني أن الأيديولوجيا لا تلغي الأبعاد الإنسانية في الصراعات بين القوى والحركات والتنظيمات، كما أن صراعات الطوائف لا تلغي الصراع داخل كل طائفة أيضا. من هنا لا مناص في مواجهة هذه الظاهرة من تحكيم العقل أولا، والأسس الشورية والديمقراطية ثانيا، فعندما يزعم كل طرف أن الحق معه لا مجال سوى تحكيم الناس في النزاع، أي أن تكون المرجعية للأمة بوصفها صاحبة السلطة الحقيقية والحاسمة في منح الشرعية لكل طرف.