عدد المقالات 168
بشكل مفاجئ واستثنائي، أُعلن عن فتح معبر رفح، فجمع ياسر -30 عاماً- متاعه على عجل، وانطلق نحو المعبر شغوفًا لخوض تجربة السفر لأول مرة في حياته، وبعد أن أمضى ليلتين داخل المعبر، أُوصِدت الأبواب في وجهه، وعاد مجدداً إلى القطاع. على بساطته، إلا أن هذا الأمر كان حلماً لياسر، رغم أنه شيء عادي إلا لشخص يعيش في قطاع غزة المحاصر، فقد كان يطمح من خلال سفره لتطوير مهاراته الإعلامية، التي سخّرها لخدمة مجتمعه وقضية شعبه العادلة. ياسر صاحب رسالة عظيمة في هذه الحياة، كان لا يرى فقط بعينه، بل ويشعر عبرها ويعبِّر من خلالها، روى عبرها كثيراً من الحكايا عن غزة بجرأة وشجاعة وإقدام، دون أن تثنيه أو ترهبه التهديدات التي يتعرض لها الصحافيون، خصوصاً في أوقات الحروب، فقد وثّق العديد من الصور والقصص الإنسانية التي تعكس المعاناة والمأساة، وتفضح جرائم الاحتلال، ومن ذلك الفيلم الذي أنتجه عن الطفلة بيسان. كان حريصاً على نقل صورة غزة، وصورة فلسطين كاملة للعالم، بكامل جوانبها الجميلة أو الصعبة، ومن ذلك أننا كنا نعمل معه خلال هذه الفترة على عدة أفلام، منها ما هو عن جرائم الاحتلال، وعن الوضع الصحي الصعب في القطاع، وعن جوانب وتفاصيل الحياة في فلسطين، وبعض معالمها ومعالم صمود أهلها ومعاناتهم وغير ذلك. وكان يحلم بتصوير غزة من الجو، بعد أن التقط لها من على الأرض كثيراً من الصور، هذه الصور التي لم ترُق للاحتلال، الذي يسعى لقتل كل جميل، ويحاول حجب الحقيقة. وفي يوم الجمعة الماضي، بينما كان ياسر يوثّق قصص المتظاهرين والمعتصمين في مسيرة العودة شرق مدينة خانيونس، باغتته رصاصة قناص «إسرائيلي» متفجرة، فتكت بجسده، وأدت إلى استشهاده، بعد أن نزف كثيراً من الدماء. يريد الاحتلال اغتيال الحقيقة من خلال اغتياله لياسر، لكنه بهمجيته وجريمته أثبتها، أثبت قبح وجهه وبشاعته وزيف صورته الديمقراطية، وأكذوبة الإنسانية التي يتقمصها أمام العالم، حين يغتال إنساناً لا يحمل سوى كاميرا، ويخافها لأنها تفضح كذبه وتدليسه ودجله، فرأس مال هذا الكيان، وأعمدته التي تأسس عليها، هي الأكاذيب والأباطيل. ياسر ليس أول شهداء الحقيقة الذين قتلهم الاحتلال، وهو لم يمت لأن الشهداء «أحياء عند ربهم يرزقون»، ولأنه سيعيش في قلوب أحبته طويلاً وطويلاً جداً، وستبقى مسيرة الحق والحقيقة مستمرة، ما دام طلابها أحياء، ولم ولن يتوقف فرسان الحقيقة عن أداء مهمتهم السامية، رغم إجرام الاحتلال. بأي الكلمات نرثيك يا ياسر؟ لا أدري حقاً، ذلك أن الصدر يضيق في مثل هذه الظروف ويتلعثم اللسان، إلا أنني عرفت ياسر إنساناً بقلب طيب ومتسامح، وعقل متفتح، وأخلاق عالية، إنساناً عظيماً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ولم يكن يترك في قلوب من عرفوه إلا الحب. أحب الناس وأحبوه، زرع الحب وحصد المحبة، وبكاه من عرفوه، ومن لم يعرفوه إلا بعد استشهاده، فسلاماً على روحه النقية وابتسامته البهية، وأثره الطيب وسيرته العطرة، سلاماً على القلوب التي تألمت برحيله، وتعلقت بتفاصيله. وسلاماً على حلمه الذي اكتمل لروحه المسافرة، ولم يكتمل لجسده على هذه الأرض.
«الضمّ» حلقة من حلقات المشروع الصهيوني المتوسع في المنطقة، ويأتي ضمن سلسلة خطوات قام بها الصهاينة وحكومة الاحتلال الإسرائيلي خلال السنوات الماضية، وكانت النية نحو مخطط ما يسمى بـ «الضمّ» وما شابه مبيّتة وجاهزة قبل...
تعيش فلسطين هذه الأيام تحت وطأة تهديد ابتلاع الاحتلال الإسرائيلي مناطق واسعة منها، ضمن ما يعرف بمخطط «الضم» الذي من المرجح -حسب أحاديث إعلامية إسرائيلية- أن يكون على أكثر من مرحلة، وأنه يستهدف هذه المرة...
ما أشبه اليوم بالبارحة! وما أسرع أن ينسى جزء من الناس جراحهم وتاريخهم! وينسى كثير من العرب أن الاحتلال الإسرائيلي قتل منهم في مثل هذه الأيام من عام 1967م، زهاء 20000 عربي، وجرح واعتقل آلافاً...
قد يقول البعض إنه ليس من الجيد الآن، وفي هذه الفترة تحديداً، أن ننصرف إلى النقد الداخلي بدلاً من الحديث عن ضرورة التوحّد في مواجهة مشاريع الاحتلال التوسعية الجديدة، أو ما اصطلح على تسميته «مشروع...
في حين يواجه العالم أزمة تفشي وباء «كورونا»، ويسعى إلى السيطرة عليه والتقليل من آثاره السلبية، يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى مزيد من التوسع على حساب حقوق الفلسطينيين وأراضيهم، ومن ذلك ضمّه أو سلبه قبل أسابيع...
النكبة شكلت الواقع الفلسطيني وجزءاً كبيراً من أفكار الفلسطينيين وتصوراتهم ونمط حياتهم، مثّلت نقطة تحوّل فارقة، أصبحت القضية جزءاً من حياة الفلسطينيين، وسمة عامة يعيشونها، يلاحقونها وتلاحقهم. وينبغي أن تظل «النكبة» حاضرة لأنها تعيد تلخيص...
عندما نتحدث عن مسلسلات درامية وُضعت لها ميزانيات بملايين الدولارات من أجل تمرير خطاب التطبيع والتهوين من قيمة القضية الفلسطينية، فبكل تأكيد يعني الأمر أننا لم نعد نتحدث عن مجرد خطوات فردية واجتهادات عابرة، الأمر...
ملامح تآكل «النظام العالمي» الحالي تتجلى كثيراً في هذه الفترة، ولطالما تغنى هذا النظام بعناوين التضامن الدولي، ورفع لافتات التكافل الإنساني، وما إلى ذلك من اللافتات التي كانت جزءاً من أدواته للبقاء، ومد نفوذه وعلاقاته،...
مع انتشار فيروس «كورونا» وسط الاضطرابات الكبيرة التي تحدث في العالم، يعيش الناس قلقاً كبيراً على مصائرهم ومستقبلهم؛ بعض القلق مُبرَّر وأكثره لا، فالقلق لا يبدّل المصائر ولا يقي من المخاطر، بل لربما يكون هو...
قادت السلطة الفلسطينية -على لسان العديد من مسؤوليها والناطقين باسمها- حملة استمرت لأكثر من سنة، تمحورت حول ترويج رواية سياسية تقول إن صفقة القرن تستهدف بالأساس إقامة دولة فلسطينية في غزة على حساب الضفة الغربية،...
في ظل ما بين أيدينا من المعطيات قد نقول إن الصراع حسم، وإن الكفة تميل لصالح الاحتلال بانحراف صارخ، وإن عقارب الزمان تسير لصالحه، لا شك أن تلك المعطيات واضحة إذا أخذنا بالاعتبار أن الدولة...
إن من أسوأ ما يمكن أن يُبتلى به الإنسان هو انشغاله بالجدل وابتعاده عن العمل، وما هو أسوأ من ذلك أن ينشغل بالجدل في أمر العاملين وعملهم دون فعل شيء، ودون تقديم حلول ممكنة وتصورات...