


عدد المقالات 84
إن رمضانَ شهرُ البرِّ وموسمُ الخير، وميدان التنافس، وإن من أعظم البرِّ وأجل القربات برَّ الوالدين، ذلكم أن حقَّ الوالدين عظيم، ومنزلتهما عالية في الدين؛ فَبِرُّهما قرينُ التوحيد، وهو من أعظم أسباب دخول الجنة، وهو مما أقرته الفطرة السوية، واتفقت عليه الشرائع السماوية، وهو خلق الأنبياء، ودأب الصالحين، وهو سبب في زيادة العمر، وسعة الرزق، وتفريج الكربات، وإجابة الدعوات، وانشراح الصدر، وطيب الحياة. وهو أيضاً دليل صدق الإيمان، وعلامة حسن الوفاء، وسبب البر من الأبناء وفي مقابل ذلك فإن عقوق الوالدين ذنب عظيم، وكبيرة من الكبائر، فهو قرين للشرك، وموجب للعقوبة في الدنيا، وسبب لرد العمل، ودخول النار في الأخرى (1). لقد حض الإسلام على بر الوالدين وأمر بالإحسان إليها قال الله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَنًا)، وقول الله تعالى (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) أي معروفاً في حديثنا إليهم، معروفاً في علاقتنا معهم، معروفاً في تحقيق محابهم. (2) وبر الوالدين من أفضل الأعمال، وأجل القربات، وأعظم الطاعات، فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: «سألت رسول الله ﷺ: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها قلت: ثم أي؟ قال: «بر الوالدين» قلت: ثم أي؟ قال: «الجهاد في سبيل الله» [رواه البخاري (5970)]، كما وأن بر الوالدين من أسباب دخول الجنة، ومن الطرق الموصلة إليها. وهذا الشهر العظيم يبسط رداءه عليك وقد أظلك يومه، وأقبل عليك نفعه، والأمر بالإحسان إلى الوالدين عام مطلق، ينضوي تحته ما يرضي الابن وما لا يرضيه، وإن أكثر الأبناء يغفلون عنها، إذ يحسبون أن البر فيما يروق لهم ويوافق رغباتهم، والحقيقة على عكس ذلك تماماً فالبر لا يكون إلا فيما يخالف أهواءهم وميولهم، ولو كان فيما يوافقهما لما سمي براً، قال الله تعالى: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [سورة الإسراء: 24] (3). على الولد أن يعرف قدر والديه ويحسن إليهما بقوله وفعله، ولا يتكبر عليهما ولا ينهرهما، وعليه أن يقوم بما يلزمهما من خدمة وطاعة ويبذل لهما ما يرغبانه ويشتهيانه من مأكل ومشرب وملبس ومسكن، ويتحمل منهما كما تحملا منه حال صغره وعجزه عن القيام بنفسه، فهما اللذان ربياه، وهما السبب في وجوده بعد الله، وهما من تحمل منه حضانة وتغذية وكسوة، وقدماه على أنفسهما، إن مرض مرضا وإن سهر سهرا، لقد عانيا من التعب والمشاق رجاء أن يكبر فينفعهما ويخدمهما، ويرثهما في العلم والدين والأدب والسكن، ويكون رب الأسرة عند عجزهما، ولعله يكون صالحاً فيدعو لهما ويكون خير خلف لهما. وإن العقوق من كبائر الذنوب، ومن أعظم المحرمات فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ثلاثة لا ينظر الله إليهم: العاق لوالديه ومدمن الخمر والمنان». [رواه أحمد، المسند (1/89)]. وكل الذنوب تؤخر عقوبتها إلا عقوق الوالدين، فعقوبتها تعجل في الدنيا، فنسأل الله السلامة والعافية. إن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع الرحم، فما الظن بالعاق الذي هو ممقوت عند ربه وعند عباده، لا يرغب أحد في مصاهرته ومعاملته (4). فمما يجدر بنا سلوكه مع الوالدين طاعتهما، واجتناب معصيتهما في غير مخالفة لأمر الله، ومن ذلك الإحسان إليهما، وخفض الجناح لهما، والبعد عن زجرهما. ومن صور البر تذكير الوالدين بالله، ونصحهما بالتي هي أحسن، ومن برهما أيضاً الاستئذان منهما، والاستنارة برأيهما، والمحافظة على سمعتهما، والبعد عن لومهما وتقريعهما، ومن ذلك فهم طبيعة الوالدين، ومعاملتهما بمقتضى ذلك. ومن البر بهم كثرة الدعاء والاستغفار لهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإنفاذ عهدهما، والتصدق عنهما، ومما يعين على بر الوالدين أن يستعين الإنسان بالله، وأن يستحضر فضائل البر، وعواقب العقوق، وأن يستحضر فضل الوالدين، وأن يضع نفسه موضعهما، وأن يقرأ سير البارين بوالديهم. واخيراً أيها الصائمون ها هو بر الوالدين، وهذه هي الآداب التي يجدر بنا مراعاتها معهما، لعنا نرد لهم بعض الدين، ونقوم ببعض ما أوجب الله علينا نحوهما، وتلك أسباب تعين على البر، فما أحرانا بمراعاة تلك الأمور، وما أجدرنا بالأخذ بها، خصوصاً في هذا المبارك، شهر البر والإحسان (5). المراجع: 1. رمضان دروس وعبر، محمد بن ابراهيم الحمد، (دار ابن خزيمة)، الطبعة الأولى: 2018، ص74 2. كتاب بيوت رمضانية، د. حسن بن محمد آل شريم، (دار ابن الأثير)، الطبعة الأولى 2006. ص155 3. أربعون درساً لمن أدرك رمضان، (دار القاسم للنشر 2008)، ص43 4. فيض الرحيم الرحمن في أحكام ومواعظ رمضان، د. عبد الله بن أحمد الطيّار، (مكتبة التوبة، الرياض)، الطبعة الأولى 1992، ص95 5. رمضان دروس وعبر، محمد بن ابراهيم الحمد، (دار ابن خزيمة)، الطبعة الأولى: 2018، ص78.
إن من أسباب التمكين أن يهتم العالم الاسلامي بالجانب الاقتصادي، لأن القوة الاقتصادية هي عصب الحياة الدنيا وقوامها، والضعيف فيها يقهر ولا يحسب له حساب إلا في ظل شرع الله حين يحكم، ولذلك ينبغي على...
إن الله تعالى أظهر في سيرة أحسن الملوك -ذي القرنين- (1)، مفاهيم حضارية وجعل في سيرته دروسًا لكل من أراد أن يحكم بالحق والعدل من الحكام في الناس، فأرشد القرآن الكريم عباده إلى ركائز الحضارة...
تسلم سليمان عليه السلام قيادة الدولة القوية التي أسست على الإيمان والتوحيد وتقوى الله تعالى، لقد أوتي سليمان عليه السلام الملك الواسع والسلطان العظيم، بحيث لم يؤت أحد مثلما أوتي، ولكنه أعطى قبل ذلك عطاء...
اهتم عماد الدين زنكي بالجيش اهتماماً كبيراً، وبرز هذا الاهتمام في شكل ووظيفة الدواوين التي كانت تختص بشؤون الجيش والعسكر، وأيضاً في طرق وأساليب عماد الدين زنكي في إدارة المؤسسة العسكرية. 1 ـ الجيش: كانت...
أراد الصِّدِّيق ـ رضي الله عنه ـ أن ينفِّذَ السياسة التي رسمها لدولته، واتَّخذ من الصَّحابة الكرام أعواناً يساعدونه على ذلك، فجعل أبا عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمَّة (وزير الماليَّة) فأسند إليه شؤون بيت...
يقف الإسلام بين الأديان والمذاهب والفلسفات شامخاً متميزاً في هذا المبدأ الذي قرر فيه حرية التدين، فهو يعلنها صريحة لا مواربة فيها ولا التواء، أنه: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ...
إذا كانت الفرقة هي طريق الانحطاط والضعف، فإن الوحدة هي سبيل الارتقاء وتبوؤ المكانة الفاضلة من جديد. إن اتحاد الأمة الإسلامية على أسس ديننا العظيم أمل كل المسلمين الصادقين في كل مكان، ذلك أن الإسلام...
اهتمّ عمرُ بنُ عبد العزيز رحمه الله بتفعيل مبدأ الشورى في خلافته، ومن أقواله في الشورى: «إنَّ المشورةَ والمناظرةَ بابُ رحمةٍ، ومفتاحُ بركةٍ، لا يضلُّ معهما رأيٌ، ولا يفقدُ معهما حزم». وكان أول قرارٍ اتخذه...
ذكر أهل العلم بالتَّواريخ والسِّيَر أنَّ أبا بكرٍ شهد مع النبيِّ (ﷺ) بدراً، والمشاهد كلَّها، ولم يفته منها مشهدٌ، وثبت مع رسول الله يوم أحدٍ حين انهزم الناسُ، ودفع إليه النبيُّ رايته العظمى يوم تبوك،...
بين القرآن الكريم أن داود عليه السلام كان مجاهداً في جيش طالوت، وممن نجحوا في الامتحان العسير الذي قرّر رئيس الجيش أن يخوضه جميع جنوده فسقط من سقط وعبر من عبر، فقد رفع داود عليه...
كان من صفات الصِّدِّيق التي تميَّز بها: الجرأة، والشَّجاعة، فقد كان لا يهاب أحداً في الحقِّ، ولا تأخذه لومة لائم في نصرة دين الله، والعمل له، والدفاع عن رسوله (ﷺ)، فعن عروة بن الزُّبير، قال:...
اسم «الواحد» هو اسم من أسماء الله الحسنى التي تدل على تفرده سبحانه وتعالى بالوحدانية، فهو الواحد الذي لا ثاني له، ولا مثيل ولا نظير، وهو الواحد في ألوهيته، فلا معبود بحق سواه، وهو الواحد...