


عدد المقالات 103
لم تكد تسمع صوته حتى ارتجف قلبها. بل كل كيانها. عاد صوته بعد غيبة سنين. عاد ينبش في تربة غائرة. عاد قادما من حاضر مشحون بالترقب والإحباط ومن حين لآخر مخضب بالدماء. كانت صورة العقيد الليبي الدامية تشغل كل الصفحات والنشرات. وقبلها بأيام قليلة صور شهداء مصريين شباب مرت على أجسادهم عجلات مدرعة جيش معتادة على القتل. وما بين دماء القذافي ودماء المصريين هناك بحر من دماء سورية ويمنية. سألها «أخبارك إيه؟». لم تر مبررا للمراوغة ولا للاختباء خلف أبواب الأنوثة الساذجة والثورات تشتعل والتاريخ معلق في الانتظار. اشتقت إليك. كاشتياقي للميلاد صمت طويلا. ربما ليبتلع وضوحها. وحين عاد سمعت كلمة «أحبك» لكن بحروف أخرى. على المقاهي المصرية الممتلئة ببشر أدمنت الإقامة بقلب القاهرة. تبادل الحضور أخبار الانتخابات التونسية. التي لم تأتِ بجديد. فوز الإسلاميين. حصد حزب النهضة %41 من المقاعد. كنا نعرف أنهم فائزون. هكذا أجابت إحدى الشابات بصوت عنيد محبط. أنزلت نتائج الانتخابات ستائر قلق على المصريين. وكشفت عن إحباط جاهز للتفشي. وخوف قائم بالفعل منذ أن أتقن المجلس العسكري عقد الصفقات. كانت بينهم على مقهى البورصة حين هاتفها مجددا مبادرا بنفس السؤال الافتتاحي الذي اعتاد طرحه حين تخونه التلقائية: أخبارك إيه؟ ردت على سؤاله بسلاسة: رأيتك في المنام ليلة أمس خلع رابطة عنقه واستسلم لقلبه فكان دافئا متفردا. بسيطا. شاهقا. مراهقا يختبر الجرأة مع فتاته الصغيرة. استمر جنود سوريا في تعذيب المتظاهرين. وعادت الشرطة المصرية إلى قتل مستجوبيها ومن يسقطه حظه العاثر في قبضتهم. وفي ليبيا تبين أن المتظاهرين قد ورثوا بعض القسوة من زعيمهم السابق ولم تسلم بنادقهم من قتل بعض من معتنقي النظام السابق. وحين هاتفها صديق بحريني. كان صوته خافتا. مختنقا في دخان ما. قالت لها صديقتها اليمينية إن مخيمات اللاجئين التي طرأت على اليمن إثر اندلاع الثورة يسكنها النساء غالبا اللائي نزحن هربا من النيران، ومن هجوم قوات عبدالله صالح. لقد تجاوزوا نصف مليون إنسان. يعانون من نقص في كل شيء حتى التعاطف. بكت قبل أن ينقطع الخط. ومن خلال الفيس بوك علمت أن هناك حملة يقودها شخص له مواصفات الزمن القديم بدأ حملة لترشيح المشير لرئاسة الجمهورية. وفي منزلهم بالقاهرة طلب إليهم رئيس اتحاد الملاك دفع مبلغ شهري إضافي لجلب رجل أمن لحماية سيارات السكان. كانت الساعة قد بلغت الثانية عشرة واقترب عقلها من انفجار. فسعت لسماع خبر عادي. لا يبكي ولا يفرح. نظرت إلى شاشة التلفزيون. على قناة الأفلام العربية. كان بها التحام يدوي حاد. وعلى قناة الأفلام الأجنبية. كان هناك رجل يقبض على رقبة فتاة فتخرج دماء من عنقها وتتلون عيناه بلون لم تلتقطه لأنها أغلقت الشاشة الحمقاء. ونظرت إلى السماء تستجير. فاتصل بها أخبارك إيه؟ ابتسمت محتضنة وسادة صغيرة على أريكتها: أنا بخير وأنت عامل إيه؟ «كنت بفكر فيك» ليس بحدث استثنائي أن يفكر بها. كانت تعلم أنه يفكر بها. فلماذا قفزت فرحا حين سمعت ذلك!! وافتكرتني السنين اللي فاتت؟ مفيش يوم مر. بدون ما أفكر فيكِ. أنت مش في ذاكرتي. ولا في قلبي. أنت في كل الخلايا.... استيقظت صباحا وقد تغير لون الحياة. الجرائد ذاتها التي تنشر صور الدماء. والشاشات نفسها التي تعرض وقائع التعذيب بدم بارد. عادت وعدلت مسيرتها. بل إنها فاجأتها بإعلان عن عدل البلاد واحترام حق كل العباد. فحزب النهضة التونسي الذي حصل في انتخابات المجلس التأسيسي على 90 مقعدا وأثار فوزه هاجس الخوف من العودة للقرون الساحقة. تبين أن نصيب النساء من المقاعد 42 مقعدا. ولأنه سياسي ماهر فلم تكن كل النساء محجبات. وفي أوروبا أتى صباح الجمعة بخير سعيد. فأخيرا سينكسر آخر أعمدة التمييز بين النساء والرجال في الأسرة الملكية الإنجليزية. وفقا للنظام الذي كان معمولا به على مدى ثلاثة قرون يعتلي عرش بريطانيا أول مولود ذكر للملك، أما الأنثى فلا تتولى العرش إلا إذا لم يكن لديها إخوة ذكور وهي حالة الملكة إليزابيث الثانية التي ورثت عرش أبيها الملك جورج السادس في عام 1952 لقد وافقت الدول الـ16 الأعضاء في منظمة الكومنولث على تغيير القواعد التاريخية لاعتلاء عرش بريطانيا ما يعني المساواة في المستقبل بين الذكور والإناث في فرص اعتلاء العرش. وسيسمح ذلك بأن يعتلي العرش المولود الأول للأمير وليام وكاثرين سواء كان ذكرا أم أنثى. ثم ظهرت صورة لشابة إفريقية سمراء ذكية الملامح. لنكتشف أنها رئيسة الحزب السياسي المعارض في جنوب إفريقيا. وكان أن انتخب حزب التحالف الديمقراطي المعارض في جنوب إفريقيا أول زعيمة برلمانية سوداء له، وكان حزب التحالف الديمقراطي قد حصل على %24 من مجموع الأصوات في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت عام 2009. وفي الأرجنتين أعلن عن فوز ساحق للرئيسة الأرجنتينية كريستينا فرنانديز بولاية جديدة، بحصولها على نحو %54 من الأصوات في الانتخابات، بعد فرز أصوات أكثر من %96 من مراكز الاقتراع في البلاد. لم تحلم بأكثر من تعديل ميزان الكون. ووقف الكوارث وحرق فيروس الفقر. وقتل كل الأمراض بسهم مسموم. وإغراق اليأس في باطن الأرض الملتهب. وطمس كل ملامح التمييز بين البشر. فلا تورث الدونية لأي سبب كان. ويولد الأطفال جميعا بقامة رفيعة متساوية. أفاضت له بكل أمانيها للكون أن يفرغ من القسوة وأمراض السيطرة. أفاضت له بفراغ سنوات فراقهما من النبض. ومن الحب. ومن الورود. أفاضت له بشِعرها الجديد. وحكت له عن ساعتها إلى تضئ بالليل وتعيدها إلى الطفولة فرحة. اعترف لها أن الموسيقى قد ضاعت في غيابها. وأن الكلمات. كل الكلمات تصنع من حروف اسمها. اعترف لها أن الأطفال جميعا يحملون لون عينيها وضوء ضحكتها. اعترف لها بأنه هو من غير الكون أمس لتستيقظ صباحا وتجد أن شمس وضوء النهار قد غسل كل الدماء والخوف. وأن النور ما زال هنا. لم يبتعد كثرا. ولن يدعاه يبتعد.
إنه اللقاء بكل شغفه ولهفته وقوته وطاقته القادرة على إحياء الأمل وبعثه من باطن اليأس. إنه اللقاء.. فلم أجد لفظة أخرى تصف العيون المتلألئة ولا الخطوات المندفعة ولا تلك الحياة التي عادت تجري فكست الوجوه...
سمعت تلك الكلمة للمرة الأولى في منزلنا بينما جارتنا تأخذ قسطا من الراحة لدينا. اعتذرت عن كوب الشاي الذي أعدته أمي قائلة «لازم احضر العشا للاجئين اللي عندي». أخبرتني أمي أن «اللاجئ « مصطلح يطلق...
في الطابق التاسع كنت أسكن. ومن أعلى رأيت أطفال الجيران يرسمون في الشارع الإسفلتي خطا أبيض. ثم احتكروا لأنفسهم المساحة الأكبر وتركوا للطفل الأسمر وأقرانه ما تبقى. والأسمر كان في مثل عمرهم. وكذلك فريقه الذي...
«لقرون طويلة حكيت عني يا شهرزاد, غطى صوتك على صوتي» لكنى الآن وبدون ندم أشيعك إلى مثواك وأعلم أني لن أسبح في الفرح, لكني سأعيش بهجة غسل تراثك. وفى حضرة الحكاية علينا أن نبدأ القصة...
المشهد الأول: كان أن تحدث مرشح الرئاسة عن برنامجه الطموح لقيادة مصر في مرحلة مفصلية, واستعرض مجالات عدة ثم قال «وأما عن المياه فسوف نزيد مياه النيل بالدعاء». المشهد الثاني: صوت جهوري لرئيس الجمهورية آنذاك،...
طرقة واحدة مفاجئة، ثم ضاع الضوء وانسحبت الكهرباء إلى أسلاكها وتركتنا في عتمة قاتمة، بنظرة واحدة على الشارع أدركت أننا نصفان، نصف مضيء ونصف معتم، كان جانبنا صامتا وكأن الحياة قد توقفت عنه، حارسة العقار...
أعادته مرة أخرى إلى الطبق الصغير عقب الرشفة الأخيرة، ثم انتظرتْ دقائق وقَلَبَتْه فسال اللون الداكن برائحته النفاذة وتلون الخزف الأبيض. وأكملت هي حوارها تاركة لي الحيرة من أمر تلك القهوة التي تجمع جدتي بجارتنا...
أيمكن أن يصدق عاقل أن «فارس» حمل عتاده وسلاحه وسافر طويلا لكي يحمي «مالك» الذي لا يعرفه ولا يعرف عنه شيئا. البعض قال لي لا بد أن «فارس» ملاك في جسد بشر. لكن آخرين كانوا...
كان يكفي أن أنظر للسماء لأعلم لما لا يرد شقيقي على الهاتف. متحفزا. مكتملا. باهيا. كان قرص القمر في قلب السماء. متألقا وسط النجوم. مدركا حجم ضوئه وعمق أثره. مختالا بنوره الذي يوقظ كل الصحاري...
في مايو ومنذ ما يزيد على ثلاثة وخمسين عاما, وقبل أن تهبط الأحلام على النائمين انفجر غضب ما من باطن الأرض فقسمها وضرب مبانيها وأهال التراب على ما يزيد على ثلاثة آلاف نسمة. يومها لم...
الشاب ذو الصوت الصادق حاصرني, كما كان لأسئلته تفرد مدهش فلم أملك إلا الانتظار, سار بي خطوات قليلة ثم أشار إلى سمكتين لونهما أزرق يتوسطان لوحة القماش المعلقة, وقال: «أتعرفين لماذا وُلدنا؟». صمت من هول...
أتصدقون أن بين وحشين كبار عاشت الغزالة الصغيرة آمنة حالمة, لكن الأهم أنها عن حق سعيدة, ثم عَنَّ لها أن تجرب الجنون, فإذا بها تعلن بصوت عال أنها في طريقها لتصدير السعادة, ولو لم أكن...