عدد المقالات 103
المشهد الأول: كان أن تحدث مرشح الرئاسة عن برنامجه الطموح لقيادة مصر في مرحلة مفصلية, واستعرض مجالات عدة ثم قال «وأما عن المياه فسوف نزيد مياه النيل بالدعاء». المشهد الثاني: صوت جهوري لرئيس الجمهورية آنذاك، وهو يعلن عن إقامة سد كبير يحمى قرى مصر من الغرق إثر الفيضان السنوي, ويتحكم في تدفق المياه ويستخدمها في توليد الكهرباء، وحدث أن انتهى العمل في «السد العالي» عام 1970 ومن ورائه تكونت بحيرة «ناصر». المشهد الثالث: كان عندما مالت الممرضة على أذن الشاب المرتبك ثم ناولته اللفافة الصغيرة فقبض عليها وازداد صمتا, بعد ساعة عاد بعيون دامعة ونظر إلى زوجته الراقدة وانفجر كلاهما في البكاء, لم يقطع بكاءهما سوى الصوت الصاخب الحنون للممرضة، وهي تنهرهما: (ده أمر ربنا يا جماعة, أنت مش رميته في النيل... يبقى ربنا حيعوضكم عن قريب إن شاء الله. ثم نظرت إلى الزوج سائلة: متأكد أنه وقع في وسط النيل زى ما قلت لك؟» رد الشاب ببراءة «آه والله, وقفت على كوبري قصر النيل ورميته وشفته بيغطس لتحت». عَلمتُ من الممرضة المخضرمة أن ماء النيل يحتضن الأجنة التي لم تكتمل, يحميها من نهم الأسماك ويظل يحرسها, ثم يبعثها إلى الزرع الأخضر الساكن ضفافه السوداء, لم أسألها من أين جاءت بمعتقدها؟ كنت أعرف أن الفراعنة أجدادي قدسوا مياه النيل الذي وهبهم الحياة فوهبوه الخلود. كان النيل عضوا من أعضاء الوطن, له عيد يحتفل به, وله قربان يقدم ليرضى ويغدق عليهم من فيضه السنوي, أقام الفراعنة السدود وجلبوا المهندسين وحافظوا عليه من الأعداء ومن شيخوخة السنين. نيل مصر يحمل مزيجا من بحيرتين, الأولى «بحيرة فكتوريا» التي تقع على حدود ثلاث دول هي أوغندا وتنزانيا وكينيا, والثانية هي بحيرة «تانا» الكائنة في إثيوبيا. الدول التي تنبع منها البحيرات والأنهار المغذية للنيل تسمى دول المنبع, والدول التي يمر بها النيل تسمى دول مصب وهي مصر والسودان. وقبل عامين وفي مايو 2011 وقعت خمس دول من دول المنبع وهي: «إثيوبيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا وكينيا»، على اتفاقية تسمى «اتفاقية عنتيبي» وبموجب تلك الاتفاقية الجديدة تنتهي الحصص التاريخية لمصر التي يصب فيها سنويا «55.5 مليار متر مكعب, والسودان التي يصلها 18.5 مليار متر، وفقا لاتفاقيات 1929 و1959 . وعوضا عن تلك الكميات نص الاتفاق الذي وقع في مدينة عنتيبي الأوغندية على الاستخدام «المنصف والمعقول» للدول. وفي ظل اضطراب أوضاع الداخل المصري خرجت الصحف الإثيوبية الشهر الماضي لتعلن عن بدء العمل فيما يسمى مشروع «سد الألفية الكبير» أو «سد النهضة» لإنتاج الطاقة الكهرومائية. وبرغم أن مخطط بناء سد النهضة يعود إلى خمسين عاما مضت, لكن إثيوبيا لم تنجح في تنفيذه على مدار العقود الماضية لأسباب عدة من أهمها علاقتها القوية بمصر آنذاك حيث تمكن «عبدالناصر»من بناء علاقة سياسية مميزة استندت إلى التاريخ الديني المتميز بين البلدين. وفي عهد السادات، بدأ ملف المياه يدخل دائرة التوترات بين مصر وإثيوبيا بعد إعلان السادات في 1979 عن مشروع لتحويل جزء من مياه النيل لري 35 ألف فدان في سيناء، فتقدمت إثيوبيا بشكوى إلى منظمة الوحدة الإفريقية تتهم فيها مصر بإساءة استخدام مياه النيل. ثم أدت محاولة اغتيال مبارك إلى تدهور العلاقات بين البلدين، واتهام الرئيس السابق حسني مبارك بأنه كان يتعامل مع ملف المياه بطريقة أمنية بدليل تسليمه إلى رئيس جهاز المخابرات عمر سليمان الذي لم يظهر الاحترام الكاف للجارة الإثيوبية. وفي مايو 2011، أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي أنه وافق على تشكيل لجنة ثلاثية للتأكد من أن سد النهضة لا يؤثر على حصة مصر في مياه النيل، واعدا بتغيير التصميم إذا ثبت تأثيره السلبي على مصر، على أنه ورغم تلك التعهدات فإن إثيوبيا لم تنتظر نتائج أعمال اللجنة المكونة من ممثلي مصر والسودان وإثيوبيا, وأعلنت عن تحويل مجرى النيل الأزرق, والشروع في بناء «سد النهضة» الذي سيرفع طاقتها من الكهرباء.
إنه اللقاء بكل شغفه ولهفته وقوته وطاقته القادرة على إحياء الأمل وبعثه من باطن اليأس. إنه اللقاء.. فلم أجد لفظة أخرى تصف العيون المتلألئة ولا الخطوات المندفعة ولا تلك الحياة التي عادت تجري فكست الوجوه...
سمعت تلك الكلمة للمرة الأولى في منزلنا بينما جارتنا تأخذ قسطا من الراحة لدينا. اعتذرت عن كوب الشاي الذي أعدته أمي قائلة «لازم احضر العشا للاجئين اللي عندي». أخبرتني أمي أن «اللاجئ « مصطلح يطلق...
في الطابق التاسع كنت أسكن. ومن أعلى رأيت أطفال الجيران يرسمون في الشارع الإسفلتي خطا أبيض. ثم احتكروا لأنفسهم المساحة الأكبر وتركوا للطفل الأسمر وأقرانه ما تبقى. والأسمر كان في مثل عمرهم. وكذلك فريقه الذي...
«لقرون طويلة حكيت عني يا شهرزاد, غطى صوتك على صوتي» لكنى الآن وبدون ندم أشيعك إلى مثواك وأعلم أني لن أسبح في الفرح, لكني سأعيش بهجة غسل تراثك. وفى حضرة الحكاية علينا أن نبدأ القصة...
طرقة واحدة مفاجئة، ثم ضاع الضوء وانسحبت الكهرباء إلى أسلاكها وتركتنا في عتمة قاتمة، بنظرة واحدة على الشارع أدركت أننا نصفان، نصف مضيء ونصف معتم، كان جانبنا صامتا وكأن الحياة قد توقفت عنه، حارسة العقار...
أعادته مرة أخرى إلى الطبق الصغير عقب الرشفة الأخيرة، ثم انتظرتْ دقائق وقَلَبَتْه فسال اللون الداكن برائحته النفاذة وتلون الخزف الأبيض. وأكملت هي حوارها تاركة لي الحيرة من أمر تلك القهوة التي تجمع جدتي بجارتنا...
أيمكن أن يصدق عاقل أن «فارس» حمل عتاده وسلاحه وسافر طويلا لكي يحمي «مالك» الذي لا يعرفه ولا يعرف عنه شيئا. البعض قال لي لا بد أن «فارس» ملاك في جسد بشر. لكن آخرين كانوا...
كان يكفي أن أنظر للسماء لأعلم لما لا يرد شقيقي على الهاتف. متحفزا. مكتملا. باهيا. كان قرص القمر في قلب السماء. متألقا وسط النجوم. مدركا حجم ضوئه وعمق أثره. مختالا بنوره الذي يوقظ كل الصحاري...
في مايو ومنذ ما يزيد على ثلاثة وخمسين عاما, وقبل أن تهبط الأحلام على النائمين انفجر غضب ما من باطن الأرض فقسمها وضرب مبانيها وأهال التراب على ما يزيد على ثلاثة آلاف نسمة. يومها لم...
الشاب ذو الصوت الصادق حاصرني, كما كان لأسئلته تفرد مدهش فلم أملك إلا الانتظار, سار بي خطوات قليلة ثم أشار إلى سمكتين لونهما أزرق يتوسطان لوحة القماش المعلقة, وقال: «أتعرفين لماذا وُلدنا؟». صمت من هول...
أتصدقون أن بين وحشين كبار عاشت الغزالة الصغيرة آمنة حالمة, لكن الأهم أنها عن حق سعيدة, ثم عَنَّ لها أن تجرب الجنون, فإذا بها تعلن بصوت عال أنها في طريقها لتصدير السعادة, ولو لم أكن...
(يحكى أن زعيم السلاطين جمع رجال البلاط يسألهم كيف يُسْكت معارضيه بدون بناء مزيد من السجون أو إضافة عنابر جديدة لمصحات الجنون ؟ الرجال المخلصون ذهبوا وعادوا إلى زعيم السلاطين وعرضوا عليه الحل الخلاص.تهلل الزعيم...