alsharq

جيهان أبوزيد

عدد المقالات 103

في المطار يسألونك: أتحب الغناء والفرح!

09 أبريل 2013 , 12:00ص

أتصدقون أن بين وحشين كبار عاشت الغزالة الصغيرة آمنة حالمة, لكن الأهم أنها عن حق سعيدة, ثم عَنَّ لها أن تجرب الجنون, فإذا بها تعلن بصوت عال أنها في طريقها لتصدير السعادة, ولو لم أكن قد رأيت بأم عيني الرجل يجمع أوراقه بعدما ألقى كلمته لما صدقت, لكن أظن أن علي عدم تجاهل البداية. والبداية كانت حين اختفت ذات يوم السيدة العجوز التي كانت تروي الحكايات للأطفال, وإذا بها تقرر الاستقالة والكف عن رواية الحكاية بعدما استبدلها الصغار بالخرافات الأميركية. التقيتها في قاعة الانتظار بمطار إحدى المدن الألمانية, جلست أمامي تنتظر رحلتها, فهالني شعرها الكستنائي الطويل المرسل, الذي تَلاعب به الهواء والسفر, فتبعثر حول وجهها وتركها أشبه بمن خرج لتوه من كهف التاريخ. قالت بفخر إنها في طريقها إلى البلد التي يعشق أطفالها الحكايات, ويلهون بألعاب خشبية ملونة ولا يعرفون «باتمان» ولا «سندريلا» وليس لديهم ألعاب إلكترونية. لم أصدقها أول الأمر, وظننت أن حياة الكهف أكلت بعضا من عقلها, لكنها أخرجت خريطتها وأشارت على «بوتان» فإذا بي أرى دولة حبيسة في جبال الهيمالايا مخنوقة بين دولتين, كلاهما تعدى سكانه المليار نسمه. الصغيرة «بوتان» وقعت بين الهند والصين, وحين بحثت وجدت أن اسمها يعني «أرض التنين». والغريب أنه في تلك البقعة الصغيرة يتربع اللون الأخضر على كل الألوان وتنحني القوانين واللوائح للأشجار والغابات وللرياح والأمطار, وللبيئة التي ترقص فرحا في مملكة أعلنت بسط حمايتها على البيئة حتى باتت تدفئ المياه بضوء الشمس, وتحفظ الآبار والشلالات والينابيع نقاءها, وتسبح فيها الطيور آمنة في السماء تداعب الهواء النقي, وحين يأتي المساء تحط على النجوم والقمر المضيء لتنام وتزداد فرحا. وفي الكتب وجدتهم يقولون عنها «أرض التنين» ويصفونها بأنها أحد أكثر بلدان العالم عزلة. وهناك أربعة دور سينما وصحيفة واحدة في البلاد لا تعرف الكذب, ويبرز أثر البيئة والتراث الديني في التصوير والزخرفة والزركشة وفنون العمارة والرقص والموسيقى. وتعتبر الأديرة والمعابد والصوامع من أبرز المعالم العمرانية المحلية, وهي تصنع من مواد محلية الصنع. وللرقص مكانة خاصة في حياة الشعب, حيث تنعكس فيه المؤثرات الدينية في الحركات والإيقاع الموسيقي واللباس ولاسيَّما الأقنعة. ومؤخرا فقط وقبل أربعة عشر عاما سمحت «أرض التنين» بدخول الإنترنت والهواتف والتلفزيون, وحينها قال الملك في كلمته الأولى المذاعة على الشاشة «احتفظوا بالسعادة ولا تسمحوا للتلفزيون أن يسربها من أيديكم». فالدولة الصغيرة التي لا يتجاوز عدد سكانها ثلاثة أرباع مليون نسمة تخشى على نفسها من الحداثة وتبحث بوعي ودقة أيهما أهم لسكانها, الحداثة أم السعادة؟ ويؤكد المسؤولون في بوتان أن بلادهم -البالغ تعداها نحو 710.000 نسمة- قد وضعت نظاما لقياس التقدم ويزيد من معدل «السعادة القومية الإجمالية». وفي أهم أروقة الأمم المتحدة بنيويورك شرح رئيس وزراء بوتان أن المؤشر يتكون من تسعة مجالات لقياس «السعادة القومية الإجمالية»، وهي: الصحة النفسية، الصحة البدنية، التعليم، استخدام الوقت، التنوع الثقافي، القدرة على التكيف، الحكم الرشيد، حيوية المجتمع، التنوع البيئي والقدرة على التكيف، ومستويات المعيشة. وأضاف رئيس الوزراء أن بلاده تريد أن يدرك المجتمع الدولي أن مؤشر «السعادة القومية الإجمالية» هو نموذج التنمية الذي قاد نمو بلاده على مدى عقود طويلة، معربا عن أمله في أن يتبنى المجتمع الدولي نفس هذا النموذج. وكان أول من صاغ عبارة «السعادة القومية الإجمالية» في عام 1971 هو الملك الرابع لمملكة بوتان «جيجمي سينجاي»، الذي شدد على أن «السعادة القومية الإجمالية هي أكثر أهمية من الناتج المحلي الإجمالي». ويعني هذا المفهوم أن التنمية المستدامة لا ينبغي أن تحدد فقط بالمؤشرات الاقتصادية للرفاهية كمقياس للتقدم. ومنذ ذلك الحين أثر مفهوم «السعادة القومية الإجمالية» على سياسيات بوتان الاقتصادية والاجتماعية، فيما هيمن أيضا على خيال الآخرين خارج حدودها. وبعدما عانت حروبا وصراعا قررت «بوتان» الدولة العريقة التي تعود بعض حفرياتها إلى ألفي عام قبل التاريخ أن تعيش السلام ولا تتحدث عنه. يمارس أهل البلاد الفرح والسكينة, فيقاومون السياحة ويطلبون من القادم أموالا كثيرة لإزاحته, وحين يأتي مُصرا يلتزم باحترام البيئة والقوانين. والدولة وحدها هي من تدير صناعة السياحة منعا لإثارة الأطماع, وهي من ترعى البيئة الخلابة الفياضة كرما على أهل البلاد. بوتان الملكية منذ الأزل قررت الانتقال إلى الديمقراطية, فقلص الملك كل سلطاته, بل سمح للبرلمان بمساءلته إن اجتمع على ذلك ثلثا الأعضاء. عقدت أولى الانتخابات الديمقراطية في بوتان في مارس 2008, وفاز بها حزب السلام والرخاء. عند هذا الحد مادت الأرض بي, أهناك ملك لا يطمع, وسلطة لا تتوحش, وأموال لا تفسد؟ أيمكن للسلام أن يحمي الغزالة الصغيرة من جيرانها الوحوش؟ عرفت أن العجوز لم تجن, وأن الأرض ما زال بها بعض العقلاء وما زال عليها من يبحث عن الحب بين أغصان الشجر, وعن عصفور كناري أصفر يغني ليلا, كما أن هناك أطفالا يلعبون مع الطيور والزواحف ويرسمون بألوان الأمل. أطفال يعشقون الحكايات, وفي نومهم يصنعون أجمل منها.

مصر حتنور تاني

إنه اللقاء بكل شغفه ولهفته وقوته وطاقته القادرة على إحياء الأمل وبعثه من باطن اليأس. إنه اللقاء.. فلم أجد لفظة أخرى تصف العيون المتلألئة ولا الخطوات المندفعة ولا تلك الحياة التي عادت تجري فكست الوجوه...

بين اللجوء والنزوح مساحة ألم

سمعت تلك الكلمة للمرة الأولى في منزلنا بينما جارتنا تأخذ قسطا من الراحة لدينا. اعتذرت عن كوب الشاي الذي أعدته أمي قائلة «لازم احضر العشا للاجئين اللي عندي». أخبرتني أمي أن «اللاجئ « مصطلح يطلق...

من الطابق التاسع رأيت خط الطباشير الأبيض

في الطابق التاسع كنت أسكن. ومن أعلى رأيت أطفال الجيران يرسمون في الشارع الإسفلتي خطا أبيض. ثم احتكروا لأنفسهم المساحة الأكبر وتركوا للطفل الأسمر وأقرانه ما تبقى. والأسمر كان في مثل عمرهم. وكذلك فريقه الذي...

في قلب القاهرة ماتت «شهرزاد»

«لقرون طويلة حكيت عني يا شهرزاد, غطى صوتك على صوتي» لكنى الآن وبدون ندم أشيعك إلى مثواك وأعلم أني لن أسبح في الفرح, لكني سأعيش بهجة غسل تراثك. وفى حضرة الحكاية علينا أن نبدأ القصة...

ثلاثة مشاهد لا يربط بينها إلا «المياه»

المشهد الأول: كان أن تحدث مرشح الرئاسة عن برنامجه الطموح لقيادة مصر في مرحلة مفصلية, واستعرض مجالات عدة ثم قال «وأما عن المياه فسوف نزيد مياه النيل بالدعاء». المشهد الثاني: صوت جهوري لرئيس الجمهورية آنذاك،...

خطاب بعلم الوصول إلى رئيس مصر

طرقة واحدة مفاجئة، ثم ضاع الضوء وانسحبت الكهرباء إلى أسلاكها وتركتنا في عتمة قاتمة، بنظرة واحدة على الشارع أدركت أننا نصفان، نصف مضيء ونصف معتم، كان جانبنا صامتا وكأن الحياة قد توقفت عنه، حارسة العقار...

وبينهن نساء عاشقات لقهوة الصباح

أعادته مرة أخرى إلى الطبق الصغير عقب الرشفة الأخيرة، ثم انتظرتْ دقائق وقَلَبَتْه فسال اللون الداكن برائحته النفاذة وتلون الخزف الأبيض. وأكملت هي حوارها تاركة لي الحيرة من أمر تلك القهوة التي تجمع جدتي بجارتنا...

أم سيد والواد شمعة وسلاح سوريا الكيماوي

أيمكن أن يصدق عاقل أن «فارس» حمل عتاده وسلاحه وسافر طويلا لكي يحمي «مالك» الذي لا يعرفه ولا يعرف عنه شيئا. البعض قال لي لا بد أن «فارس» ملاك في جسد بشر. لكن آخرين كانوا...

في اكتمالي موتي.. وبالنقصان أستعيد الحياة

كان يكفي أن أنظر للسماء لأعلم لما لا يرد شقيقي على الهاتف. متحفزا. مكتملا. باهيا. كان قرص القمر في قلب السماء. متألقا وسط النجوم. مدركا حجم ضوئه وعمق أثره. مختالا بنوره الذي يوقظ كل الصحاري...

وللنساء مع الزلازل شأن آخر

في مايو ومنذ ما يزيد على ثلاثة وخمسين عاما, وقبل أن تهبط الأحلام على النائمين انفجر غضب ما من باطن الأرض فقسمها وضرب مبانيها وأهال التراب على ما يزيد على ثلاثة آلاف نسمة. يومها لم...

ولكل منا أريكته الزرقاء.. ولكل منا آذان أخرى

الشاب ذو الصوت الصادق حاصرني, كما كان لأسئلته تفرد مدهش فلم أملك إلا الانتظار, سار بي خطوات قليلة ثم أشار إلى سمكتين لونهما أزرق يتوسطان لوحة القماش المعلقة, وقال: «أتعرفين لماذا وُلدنا؟». صمت من هول...

بين السلطان والغلبان وجدت الحكاية

(يحكى أن زعيم السلاطين جمع رجال البلاط يسألهم كيف يُسْكت معارضيه بدون بناء مزيد من السجون أو إضافة عنابر جديدة لمصحات الجنون ؟ الرجال المخلصون ذهبوا وعادوا إلى زعيم السلاطين وعرضوا عليه الحل الخلاص.تهلل الزعيم...