alsharq

جيهان أبوزيد

عدد المقالات 103

د. هدى النعيمي 26 أكتوبر 2025
صدى روايات خالد حسيني.. تردده الأجيال
مريم ياسين الحمادي 25 أكتوبر 2025
توجيهات القيادة
هند المهندي 26 أكتوبر 2025
ريادة قطرية في دبلوماسية السلام

ولكل منا أريكته الزرقاء.. ولكل منا آذان أخرى

16 أبريل 2013 , 12:00ص

الشاب ذو الصوت الصادق حاصرني, كما كان لأسئلته تفرد مدهش فلم أملك إلا الانتظار, سار بي خطوات قليلة ثم أشار إلى سمكتين لونهما أزرق يتوسطان لوحة القماش المعلقة, وقال: «أتعرفين لماذا وُلدنا؟». صمت من هول السؤال, فعاد ينظر إليهما وقال: «فقط لكي نكتشف... ونرحل». لو لم ألقه هناك تحديدا لظننت أمرا آخر, لكني بالفعل أمضيت ساعة ونصف الساعة على الطريق السريع لأصل إلى هنا. إلى «نوتردام» التي لا تشبه أمستردام الهولندية في جنونها ومعمارها الثري ولا في تنوعها المذهل الذي يكاد يضاهي نيويورك, حديثه يليق بقاعة خاصة بالفلاسفة أو بمعبد فرعوني يسكن حافة نيل مصر, لكني أقف هنا في مغسلة تستقبل كل يوم آلاف المناشف من إحدى المستشفيات الحكومية لغسلها. حين وصلتُ إلى المكان كان يقف بجوار الآخرين يطوي المناشف النظيفة, جميعهم كانوا يقومون بنفس الأمر, وكثيرا ما ينضم إليهم بعض المتطوعين, لكنهم اليوم فوجئوا بأعداد هائلة من الأذرع تساعدهم, كنا جميعا قد قدمنا من أمستردام وخارجها لنشاهد الفيلم الوثائقي الذي أخرجته صديقتي «مارتا نيفيان», والذي عرض داخل المغسلة! فور أن تدفقت الموسيقى ظهر على الشاشة اسم الفيلم: «فلتستمع لصوتك الداخلي» هم مرضى وما يجمع بينهم هو «الصوت الداخلي» الذي لا يسمعه غيرهم. الشاب الفيلسوف كان مؤمنا بأنه أميركي الجنسية, أسرته وأطباؤه أخبروه أنه هولندي يتحدث الهولندية لكنه فاجأ الجميع بلغة إنجليزية طلقة كان بالفعل يحدثني بها. قال لي: «من منا لا تأتيه أصوات أخرى, من منا يعيش بمفرده؟ «سام» يعلم أن تشخيصه الطبي يسمى «انفصام» ولا ينكره. هو فقط يؤكد أننا جميعا مصابون بالداء ذاته, وأن الفارق فقط في درجته. حين طُلب إلى «مارتا» العمل بالفيلم ظلت أسابيع تبحث في كيفية بناء علاقة إنسانية مع مجوعة مرضى ومريضات ما يسمى قسم «الأمراض العقلية والنفسية». تبلورت الفكرة وتحول الفيلم إلى مشروع فني, لقطات الفيلم تصورهم كلٌّ ينظر مليا في لوحته البيضاء, ثم يمسك بألوانه ويرسم. الزهور كان لها نصيب وافر, وحين بدؤوا في صنع تشكيلات بالقماش استخدم كثير منهم اللون الأسود, واستخدم صديقي اللون الأزرق وأنتج سمكتيه الكبيرتين القادمتين للحياة للاكتشاف. الغريب أنهم اجتمعوا على معنى واحد «هناك أصوات في رأسي». اللوحات الورقية التي رسمها المرضى طبعت على القماش. فكانت أشبه بستائر بيضاء السطح عليها ورود ملونة وأشكال ناعمة جمعتها ونسقتها تنسيقا بديعا فنانة هولندية متخصصة. ستائر القماش التي نزلت من السقف للأرض صاحبتها أيضاً طباعة مناشف صغيرة كتب على جانبيها «هناك أصوات في رأسي» وفي المنتصف رسم لوجه له أذنان موجهتان لداخل الرأس وليس لخارجه. «نعم هناك دائما أصوات في رؤوسنا» هكذا قالت إحدى السيدات التي ما إن عرفت أني مصرية حتى سألتني عن «عمر الشريف». قالت إنه وسيم, ثم تنهدت بارتياح حين أكدت لها أنه ما زال حيا. السيدة التي كانت تجلس بجوارها رفضت التحدث معي, ورغم ذلك علمتني درسا بليغا من دروس الحياة وأنا أسمعها في الفيلم تتحدث عن أريكتها الجديدة. قالت: «لم تسمح لنا أمي أبداً بالجلوس على الأريكة». فحدث أن كبرت السيدة محاطة بقيود قاسية ضربت روحها وأنبتت أشواكا كثيرة في رحلة نموها. استغرق الأمر ثلاثة أيام لتتمكن من مقاومة صوت أمها والجلوس على الأريكة الزرقاء. في الفيلم نظرت إلى جانبها الخالي وتطلعت للكاميرا قائلة: «الأريكة ذاتها ليست هامة, ما يهم هو أين نجلس عليها». نعم ما يهم هو من أي زاوية ننظر للعالم, أمن أسفل فيبدو لنا عاليا ونحن دونه؟ أم من أعلى فيبدو الآخرون صغارا؟ أم من داخله فنفقد متعة متابعة الأطراف؟ نعم أين نجلس؟ اجتاحني الخوف أن يضربني زلزال من زلازل الحياة فأفقد الاتزان وانتحر إلى داخل إحدى حكايات حياتي ولا أخرج منها, تماما كما فعلت السيدة التي توفيت طفلتها فجمعت الألعاب حولها وتعيش الآن حياة الطفلة, أو الأخرى التي فقدت ابنتها في حادثة وتجمدت في الألم. الفيلم الذي يشبه اللوحة الفنية يضرب جرسا حادا يذكر أن تنشئة الأبناء لا تنجز إلا بالحب الغزير واليقظة الحنونة, فما نزرعه فيهم اليوم سوف يحصدونه هم في حياتهم. إنها صرخة في وجه من لا يحترم المرض النفسي أو العقلي ويظن نفسه بعيدا لن يمس, وإلا فما معنى أن تضرب السيارة السيدة وهي تقود دراجتها فتسقط وتفقد ذاكرتها وبعضا من عقلها وتصبح امرأة أخرى. ولكي يؤكد القدر قسوته تُكشف لي مساعدة المخرج أنها كانت تعمل ممرضة في عيادة للأمراض النفسية. هو الواقع إذن بمفارقاته وحقائقه التي لا يطالها أي خيال, الواقع الذي يبعث الحكمة الخالصة على ألسنة بعض ممن يلقبونهم بالمرضى. ويطلق السفه من أفواه بعض ممن يتحكمون في أمر البشر. هو الواقع الذي يلح علينا في التخلص من الأثقال كي لا نقع بها. إنه الواقع الذي يؤكد دوما أن الحياة تتسع لنا جميعا وتفسح أرضها لمن يسير ومن يحَلق, لمن يرسم ومن يكتب, لمن يرقص ومن ينحت, ومن يعيش في نهار اليوم أو نهار الأمس, الواقع أننا جميعا مرضى وجميعنا أصحاء.

مصر حتنور تاني

إنه اللقاء بكل شغفه ولهفته وقوته وطاقته القادرة على إحياء الأمل وبعثه من باطن اليأس. إنه اللقاء.. فلم أجد لفظة أخرى تصف العيون المتلألئة ولا الخطوات المندفعة ولا تلك الحياة التي عادت تجري فكست الوجوه...

بين اللجوء والنزوح مساحة ألم

سمعت تلك الكلمة للمرة الأولى في منزلنا بينما جارتنا تأخذ قسطا من الراحة لدينا. اعتذرت عن كوب الشاي الذي أعدته أمي قائلة «لازم احضر العشا للاجئين اللي عندي». أخبرتني أمي أن «اللاجئ « مصطلح يطلق...

من الطابق التاسع رأيت خط الطباشير الأبيض

في الطابق التاسع كنت أسكن. ومن أعلى رأيت أطفال الجيران يرسمون في الشارع الإسفلتي خطا أبيض. ثم احتكروا لأنفسهم المساحة الأكبر وتركوا للطفل الأسمر وأقرانه ما تبقى. والأسمر كان في مثل عمرهم. وكذلك فريقه الذي...

في قلب القاهرة ماتت «شهرزاد»

«لقرون طويلة حكيت عني يا شهرزاد, غطى صوتك على صوتي» لكنى الآن وبدون ندم أشيعك إلى مثواك وأعلم أني لن أسبح في الفرح, لكني سأعيش بهجة غسل تراثك. وفى حضرة الحكاية علينا أن نبدأ القصة...

ثلاثة مشاهد لا يربط بينها إلا «المياه»

المشهد الأول: كان أن تحدث مرشح الرئاسة عن برنامجه الطموح لقيادة مصر في مرحلة مفصلية, واستعرض مجالات عدة ثم قال «وأما عن المياه فسوف نزيد مياه النيل بالدعاء». المشهد الثاني: صوت جهوري لرئيس الجمهورية آنذاك،...

خطاب بعلم الوصول إلى رئيس مصر

طرقة واحدة مفاجئة، ثم ضاع الضوء وانسحبت الكهرباء إلى أسلاكها وتركتنا في عتمة قاتمة، بنظرة واحدة على الشارع أدركت أننا نصفان، نصف مضيء ونصف معتم، كان جانبنا صامتا وكأن الحياة قد توقفت عنه، حارسة العقار...

وبينهن نساء عاشقات لقهوة الصباح

أعادته مرة أخرى إلى الطبق الصغير عقب الرشفة الأخيرة، ثم انتظرتْ دقائق وقَلَبَتْه فسال اللون الداكن برائحته النفاذة وتلون الخزف الأبيض. وأكملت هي حوارها تاركة لي الحيرة من أمر تلك القهوة التي تجمع جدتي بجارتنا...

أم سيد والواد شمعة وسلاح سوريا الكيماوي

أيمكن أن يصدق عاقل أن «فارس» حمل عتاده وسلاحه وسافر طويلا لكي يحمي «مالك» الذي لا يعرفه ولا يعرف عنه شيئا. البعض قال لي لا بد أن «فارس» ملاك في جسد بشر. لكن آخرين كانوا...

في اكتمالي موتي.. وبالنقصان أستعيد الحياة

كان يكفي أن أنظر للسماء لأعلم لما لا يرد شقيقي على الهاتف. متحفزا. مكتملا. باهيا. كان قرص القمر في قلب السماء. متألقا وسط النجوم. مدركا حجم ضوئه وعمق أثره. مختالا بنوره الذي يوقظ كل الصحاري...

وللنساء مع الزلازل شأن آخر

في مايو ومنذ ما يزيد على ثلاثة وخمسين عاما, وقبل أن تهبط الأحلام على النائمين انفجر غضب ما من باطن الأرض فقسمها وضرب مبانيها وأهال التراب على ما يزيد على ثلاثة آلاف نسمة. يومها لم...

في المطار يسألونك: أتحب الغناء والفرح!

أتصدقون أن بين وحشين كبار عاشت الغزالة الصغيرة آمنة حالمة, لكن الأهم أنها عن حق سعيدة, ثم عَنَّ لها أن تجرب الجنون, فإذا بها تعلن بصوت عال أنها في طريقها لتصدير السعادة, ولو لم أكن...

بين السلطان والغلبان وجدت الحكاية

(يحكى أن زعيم السلاطين جمع رجال البلاط يسألهم كيف يُسْكت معارضيه بدون بناء مزيد من السجون أو إضافة عنابر جديدة لمصحات الجنون ؟ الرجال المخلصون ذهبوا وعادوا إلى زعيم السلاطين وعرضوا عليه الحل الخلاص.تهلل الزعيم...