التقاعد

التقاعد هو عمل تكافلي، حيث تعمل صناديق التقاعد على التخفيف من الأعباء الإنفاقية للدولة على المتقاعدين والذين يخرجون من الدورة الإنتاجية إلى الدورة الاستهلاكية. وقد كان أول مَن سَن التقاعد أو المعاش سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما رأى ضعف اليهودي وكبر سنه وقد أدى في شبابه الجزية، فقد حان الوقت لكي يسترد تلك الأموال التي دفعها من خلال رواتب تساعده في شيخوخته، والتي أمر بها سيدنا عمر أن تصرف له من بيت مال المسلمين. مع مرور الوقت أنشئت صناديق خاصة للتقاعد بعيدة عن الخزانة العامة أو بيت المال، وصارت لها نظم وإدارات خاصة تهتم بكيفية إدارة التقاعد وخلق الكثير من الأصول التي تدعم هذا الصندوق، ولذلك كلما تنوع الاقتصاد زادت معه فرص التوظيف وأعداد الموظفين والاشتراكات التي تغذي صندوق التقاعد، حيث يتكون مدخول صناديق التقاعد عادة من الأسهم والسندات المتداولة في البورصات العامة، أسهم الأصول العقارية أو تملك الأصول نفسها، والبنية التحتية، والسلع، والأصول المادية البديلة الأخرى. من جهة أخرى تعتبر نسبة الأسهم والسندات مرتفعة في محفظة صناديق التقاعد إلى أن بدأ توجه جديد بسبب أسعار الفائدة المنخفضة وتقلبات أسواق الأسهم التي ارتفعت إلى مستويات قياسية عالميا، مما حدى بصناديق المعاشات والثروة السيادية حول العالم الاتجاه نحو الأصول البديلة لتعزيز العائدات، وكمثال على ذلك نجد أن صندوق المعاشات الكويتي والذي يدير أصولاً بقيمة 124 مليار دولار يتجه لتقليص نسبة الأسهم في محفظته لصالح الاستثمارات البديلة، مثل البنية التحتية والاستثمار المباشر بتملك أسهم في شركات استثمارية مباشرة مثل Stone Point Capital LLC، و Oak Hill Advisors الأمريكية، وذلك في مسعى لتعزيز العائدات، واستغلال الفائض النقدي الكبير. وأتمنى في ذات الوقت من صندوق التقاعد لدينا توسيع خياراته وتنويع الاستثمار وعدم تركزها في الأسهم فقط، وذلك لما نراه من توجه عالمي متزايد في هذا الشأن. ومن ضمن المخاطر التي تتعرض لها صناديق التقاعد ما ذكرته صحيفة (Larazon) الإسبانية، أن أنظمة التقاعد في العديد من دول العالم تعاني ضغوطا متزايدة بسبب ارتفاع معدلات الشيخوخة، وموجة تنظيم النسل، والتي يتبين لنا فيها الحاجة الكامنة التي أوصى فيها الإسلام وهي (حرية الإنجاب) وعدم التدخل في عملية التحديد والتنظيم وأحيانا ممارسات لا إنسانية لإيقاف هذه السنة الطبيعية، والتي من شأنها أن تعزز موارد صناديق التقاعد بكثرة عدد المشتركين والقوة العاملة التي تريد القاعدة الإنتاجية. وقد أجرى مؤشر المعاشات التقاعدية العالمي 2021، الصادر عن معهد «ميرسر سي إف إيه» تقييما للأنظمة التقاعدية في 43 دولة تمثل 65 % من سكان العالم، حيث احتلت أيسلندا المرتبة الأولى لحسن الإدارة، وتقديم مزايا قوية للمتقاعدين، من ضمنها معاش سخي، بينما جاءت هولندا والدنمارك في المركزين الثاني والثالث على التوالي، بينما احتلت تايلاند المرتبة الأخيرة، تلتها الأرجنتين والفلبين. وقد كان هذا التقييم تحت ثلاثة معايير مهمة هي الكفاية والاستدامة والنزاهة، ‏فعنصر الكفاية يضمن للمتقاعد الحد الأدنى الكريم من متطلباته في ذلك الوقت ‏ويتغير صعودا حسب ارتفاع التضخم والقوة الشرائية للعملة، ‏مثلما فعلت تركيا عندما رفعت الحد الأدنى للأجور والمتقاعدين دائما يتناسب مع انخفاض القوة الشرائية لليرة تركية، ثانيا الاستدامة وهي مدى قدرة صندوق التقاعد على توفير الأموال للمتقاعدين بنفس الحجم وبشكل متواصل غير منقطع، وهذه فعليا أحد أهم التحديات التي تواجه صناديق التقاعد العالمية، حيث لو نظرنا لها فهي صناديق استثمارية متحوطة بشكل أكبر عن الصناديق الاستثمارية التجارية، وذلك لطبيعة المساهمين فيها وحقوقهم الأصيلة في هذا الصندوق، خلاف المستثمرين الذين يضعون في حساباتهم الربح والخسارة. ثالثا النزاهة وهي المعيار الذي ترتكز عليه الكفاية والاستدامة، فبدونها ينتهي كل شيء، وهذا المعيار يدخل في جودة وأداء الإدارة ومدى نضجها ومسؤوليتها ونزاهتها والتي تظهر في النتائج المالية للصندوق. ومما أراه في عملية تحسين آليات الاستفادة من الصندوق التقاعدي لدينا ومتمنيا النظر فيه هو النظر في قانون رقم (24) لسنة 2002 الخاص بإنشاء هيئة التقاعد وغيره من القوانين ذات العلاقة، وذلك لتخصيص جزء من أرباح صندوق المعاشات المدني والعسكري وتوزيعه على المتقاعدين سنويا لتعزيز أوضاعهم المادية. ختاما أرجو أن يكون المقال أحاط بأهم النقاط حول التقاعد وأن يلفت النظر لبعضها عسى أن يتحقق منها شيء فعليا، وهذا ما نرجوه جميعا.