alsharq

جيهان أبوزيد

عدد المقالات 103

«معوض عادل» استشهد قبل عامين ورأيته حياً منذ يومين

26 مارس 2013 , 12:00ص

لم أصدق حين سمعت الخبر: اتجهت والدة «معوض» إلى شارع القصر العيني ومعها عبوة بنزين. قررت السيدة الصبورة المؤمنة الخاشعة أن ترفع صوتها ناراً أمام مجلس الشورى فربما يسمعون. وحين سألتها قبل عدة أيام أحدث فعلا أنك حاولت الانتحار حرقاً؟ لم تنفِ ولم تؤكد. كل ما قالته «يا جيهان يصر الموت أن يأتيني كل يوم، تخنقني طلته، ويرعبني حضوره، أليس من حقي أن أواجهه لأنهي الأمر؟ ليس فيها شيء غير عادي. أم ككل الأمهات. تتطلع لأبنائها في الصباح وتنثر على وجوههم حناناً وفيراً، ثم ترسل خلفهم دعواتها وتسأل الله في صلاتها أن يحميهم من كل شر، لكن ما حدث أن الشر سقط على صغيرها «معوض» حين استقرت رصاصتان في رأسه، فسقط على الأرض ودماؤه التي لم تر وجوه العسكر من قبل تدفقت مندفعة بالفضول غير مصدقة أن كائناً ما يمكنه أن يتجرأ ويعتدي على شاب مسالم خلوق مثل صاحبها. الدماء تمادت وسارت بمفردها في الطريق متجهة إلى الشارع الذي يصل ميدان التحرير بوزارة الداخلية. عساكر الداخلية لم يعجبهم لون الدماء الأحمر المتسرب في الشارع من دون إذن أو وثيقة هوية فأخذوا يضربونها بأحذيتهم الثقيلة وحين انتبهوا أن الدماء لا تشعر ولا تصرخ. ساروا خلفها حتى بلغوا جسد «معوض عادل». وجدوه على الأرض شاباً أبيض البشرة بهي الطلعة ملقى ورأسه تنزف دماء مسترسلا، أحذية الجنود أصابها الجنون فأخذت تضرب عادل في رأسه، تكاثرت الضربات على ثقبي الرصاص الثقوب اتسعت والدماء ازدادت انهماراً. لكنهم لم يفلحوا في إيقاظه. كان «معوض» غائباً لم توقظه الأحذية ولم تؤلمه كما كانوا يرغبون. كان الشاب طالب الصيدلة النابه قد ذهب. ضاع في الغيبوبة ولم يخرج منها منذ نوفمبر عام 2011 إلى اليوم. في غرفته بمستشفى القصر العيني الفرنسي يقبع «معوض» نائماً كطفل هادئ، لا يتحرك أبداً ولا يفتح عينيه ولا يخرج صوته ليهدئ من روع السيدة «نجاة محمود» والدته التي تركت طلابها في المدرسة وتركت أخوة معوض وتفرغت لمراقبة النائم الذي أسموه «الشهيد الحي». حين سألتها عن ذلك المسمى أجابت «هو غايب من يومها زيه زي الشهداء. لكن أنا عندي أمل في رحمة ربنا عندي أمل...». وقبل أن تنهي كلماتها فقدت تماسكها الذي قابلتني به. اختفى في لحظة صوتها المنظم الذي كان يصف بدقة ووعي تطورات حالته. ضاعت منها الحكمة وعادت أمومتها المكلومة تبكي بلا هوادة. لم أستطع أن أكفكف دموعها. ولم تتمكن هي من رفع نظرها عن ولدها المسجى أمامنا وعلى وجهه نصف ابتسامة. للحق لا أعرف إن كانت ابتسامة أم أن الأنابيب الكثيرة الواصلة إلى أنفه وإلى حلقه والممتد بعضها إلى رأسه هي التي أوحت لي بالابتسام. في إصبعه كان هناك مشبكاً يقيس حركة القلب. وحول قدميه وعلى جانبيه أنابيب أخرى. كان نائماً على فراش أبيض وخراطيم بلاستيكية. ومن حوله تبعثرت أجهزة ومؤشرات وألم وحزن وانتظار ودعوات وإحباط وأطباء وأسئلة تبحث عن إجابات. وكما هي عادة الإجابات. ادعت الغباء ولم تستجب. على شاشة التلفزيون وفي كبريات البرامج الحوارية سألت السيدة «نجاة محمود» والدة معوض «أيعقل أن تفرض علينا الحكومة السفر إلى لندن أسبوعين وحالته ليس لها علاج في العالم إلا في ألمانيا التي لم يستطع أطباؤها تحديد مدة علاجه قبل أن يفحصوه؟ أهناك منطق في بعثه إلى لندن حيث تعاقدت الحكومة مع مستشفى هناك لاستقبال كل الحالات بغض النظر عن طبيعتها أو خطورتها؟ أيعقل أن يخصص لعلاجه عشرة آلاف جنيها إسترليني؟ في حين أن المبلغ الأولى الذي طلبه المركز الألماني المتخصص في حالته مائتي وستون ألف يورو؟ أيعقل أن يظل «معوض» مقيماً في المستشفى بلا علاج؟ وتسأل الممرضة التي تبكي كلما دخلت غرفته تنظفها وترفع الملاءات. ألم يكن ممكناً خفض ميزانية الزهور التي تنسق بها مزهريات القصر الرئاسي؟ ألم يكن ممكنا خفض قائمة المشروبات والأطعمة التي يستهلكها أعضاء مجلس الشورى في اجتماعاتهم؟ ألا تستحق حياة إنسان آمن بالثورة ودافع عنها وأسهم كما الملايين غيره في وصول تلك الحكومة للسلطة أن يعالج؟ وباندهاش يسأل مقدم البرامج المصري «يسري فودة» أين وزارة الصحة؟ أين مخصصات علاج المصابين؟ أين رجال الأعمال؟ أين الرحمة؟ أين تسكن قيمة الإنسان؟ ويبكي أصدقاؤه سائلين وأين الموت؟ فليأتي إن كان قادماً. لكن البقاء عامين على الخط الفاصل بين الموت والحياة، جحيم لنا، وجحيم لأسرته وجحيم لمن ينتظر الضمائر أن تستيقظ.

مصر حتنور تاني

إنه اللقاء بكل شغفه ولهفته وقوته وطاقته القادرة على إحياء الأمل وبعثه من باطن اليأس. إنه اللقاء.. فلم أجد لفظة أخرى تصف العيون المتلألئة ولا الخطوات المندفعة ولا تلك الحياة التي عادت تجري فكست الوجوه...

بين اللجوء والنزوح مساحة ألم

سمعت تلك الكلمة للمرة الأولى في منزلنا بينما جارتنا تأخذ قسطا من الراحة لدينا. اعتذرت عن كوب الشاي الذي أعدته أمي قائلة «لازم احضر العشا للاجئين اللي عندي». أخبرتني أمي أن «اللاجئ « مصطلح يطلق...

من الطابق التاسع رأيت خط الطباشير الأبيض

في الطابق التاسع كنت أسكن. ومن أعلى رأيت أطفال الجيران يرسمون في الشارع الإسفلتي خطا أبيض. ثم احتكروا لأنفسهم المساحة الأكبر وتركوا للطفل الأسمر وأقرانه ما تبقى. والأسمر كان في مثل عمرهم. وكذلك فريقه الذي...

في قلب القاهرة ماتت «شهرزاد»

«لقرون طويلة حكيت عني يا شهرزاد, غطى صوتك على صوتي» لكنى الآن وبدون ندم أشيعك إلى مثواك وأعلم أني لن أسبح في الفرح, لكني سأعيش بهجة غسل تراثك. وفى حضرة الحكاية علينا أن نبدأ القصة...

ثلاثة مشاهد لا يربط بينها إلا «المياه»

المشهد الأول: كان أن تحدث مرشح الرئاسة عن برنامجه الطموح لقيادة مصر في مرحلة مفصلية, واستعرض مجالات عدة ثم قال «وأما عن المياه فسوف نزيد مياه النيل بالدعاء». المشهد الثاني: صوت جهوري لرئيس الجمهورية آنذاك،...

خطاب بعلم الوصول إلى رئيس مصر

طرقة واحدة مفاجئة، ثم ضاع الضوء وانسحبت الكهرباء إلى أسلاكها وتركتنا في عتمة قاتمة، بنظرة واحدة على الشارع أدركت أننا نصفان، نصف مضيء ونصف معتم، كان جانبنا صامتا وكأن الحياة قد توقفت عنه، حارسة العقار...

وبينهن نساء عاشقات لقهوة الصباح

أعادته مرة أخرى إلى الطبق الصغير عقب الرشفة الأخيرة، ثم انتظرتْ دقائق وقَلَبَتْه فسال اللون الداكن برائحته النفاذة وتلون الخزف الأبيض. وأكملت هي حوارها تاركة لي الحيرة من أمر تلك القهوة التي تجمع جدتي بجارتنا...

أم سيد والواد شمعة وسلاح سوريا الكيماوي

أيمكن أن يصدق عاقل أن «فارس» حمل عتاده وسلاحه وسافر طويلا لكي يحمي «مالك» الذي لا يعرفه ولا يعرف عنه شيئا. البعض قال لي لا بد أن «فارس» ملاك في جسد بشر. لكن آخرين كانوا...

في اكتمالي موتي.. وبالنقصان أستعيد الحياة

كان يكفي أن أنظر للسماء لأعلم لما لا يرد شقيقي على الهاتف. متحفزا. مكتملا. باهيا. كان قرص القمر في قلب السماء. متألقا وسط النجوم. مدركا حجم ضوئه وعمق أثره. مختالا بنوره الذي يوقظ كل الصحاري...

وللنساء مع الزلازل شأن آخر

في مايو ومنذ ما يزيد على ثلاثة وخمسين عاما, وقبل أن تهبط الأحلام على النائمين انفجر غضب ما من باطن الأرض فقسمها وضرب مبانيها وأهال التراب على ما يزيد على ثلاثة آلاف نسمة. يومها لم...

ولكل منا أريكته الزرقاء.. ولكل منا آذان أخرى

الشاب ذو الصوت الصادق حاصرني, كما كان لأسئلته تفرد مدهش فلم أملك إلا الانتظار, سار بي خطوات قليلة ثم أشار إلى سمكتين لونهما أزرق يتوسطان لوحة القماش المعلقة, وقال: «أتعرفين لماذا وُلدنا؟». صمت من هول...

في المطار يسألونك: أتحب الغناء والفرح!

أتصدقون أن بين وحشين كبار عاشت الغزالة الصغيرة آمنة حالمة, لكن الأهم أنها عن حق سعيدة, ثم عَنَّ لها أن تجرب الجنون, فإذا بها تعلن بصوت عال أنها في طريقها لتصدير السعادة, ولو لم أكن...