تفعيل نصف الفلسطينيين وأكثر

لا ينقص الفلسطينيين عموماً الشجاعة ولا الجرأة ولا العطاء ولا التضحية، ومثلهم جلّ شعوب الأمة، إلا أن التخصيص هنا بغرض الإشارة إلى مشكلة أو مشاكل أخرى يعاني منها الشعب الفلسطيني، وأيضاً يمكن إسقاطها على غيره من الشعوب، وهي مشكلة غياب القيادة الجامعة، وهذا يبدو أكثر وضوحاً خارج فلسطين أكثر من داخلها، ولعل قصة الطفل الفلسطيني محمد وهبة الذي مات على أبواب المستشفيات في لبنان أبسط مثال على ذلك، فلو كان للفلسطينيين ممثلون حقيقيون يسعون من أجل تحسين أوضاعهم وظروف معيشتهم ما كان الحال بهذه المأساوية، غير أننا لا نعفي من الجريمة القوانين والأنظمة الجائرة، وتوحش المستشفيات التي رفضت استقباله. تعداد الفلسطينيين وإمكانياتهم في الشتات في حال تم توجيهها وتفعيلها في جميع المجالات، ستحدث فرقاً ملحوظاً ينعكس إيجابياً على فلسطين والفلسطينيين في أماكن تواجدهم كافة، وستصبح بذلك هذه القوة والقدرات والإمكانات مصدر تأثير وتغيير. معيقات عديدة تقف أمام تفعيل هذا الدور المحوري لأكثر الفلسطينيين، من أبرزها احتكار التمثيل الفلسطيني في الخارج ضمن مؤسسات عفا عليها الزمن ولم يعد لها حضور، والتعطيل المتعمد لمحاولات إحيائها، ومماطلات طويلة في سبل إعادة ترتيب أوضاع منظمة التحرير الفلسطينية. آن الأوان للتحضير من أجل الخروج بإطار فلسطيني موحد يجمع الفلسطينيين بالخارج وكذا الداخل تحت مظلة واحدة، ولتكن الانتخابات هي السبيل لذلك، وليس من المقبول على الإطلاق أن تنحصر الانتخابات بالداخل فقط، خصوصاً وأن أكثر من نصف الفلسطينيين مهجرون خارجها، وإلا فإننا بذلك نخدم مخططات تغييبهم والقضاء على هويتهم الوطنية الفلسطينية بما يخدم المشروع الصهيوني. ينبغي أن يكون للفلسطينيين بالخارج كما في الداخل مؤسسات وممثلون يتبنون قضاياهم وينهضون بأوضاعهم كافة، ويوجهون طاقاتهم وإمكاناتهم ونخبهم، وهذا لا يعني عدم وجود قيادات في الوقت الحالي في الداخل أو الخارج، ولكن يعني عدم وجود تمثيل معترف به، في الداخل التمثيل متنازع عليه، وفي الخارج التمثيل غائب أو مغيب، والحل في انتخابات دورية تجدد الدماء وتعيد الحيوية. العديد من الممثلين الرسميين للشعب الفلسطيني منشغلون بالتمثيل فعلاً، ولكن ليس تمثيل الشعب إنما التمثيل عليه، دونما اهتمام سوى بمصالحهم الشخصية التي لم يبنى كثير منها بطرق مشروعة -كما نسمع- وفي ظل غياب الممثلين الفاعلين تتفاقم كثير من المشكلات والأزمات، التي لا تعني شيئاً لبعض المسؤولين الذين لا يرون حجم المعاناة التي يعيشها الناس، لأنهم غارقون بعيداً عنها، وبعضهم ليس مقصراً فحسب بل متهماً، وهناك مشكلة ثقة كبيرة فيه ومعه. تكمن مسؤولية أخرى تقع على عاتق الشعب في اختيار الممثلين الأفضل والأكفأ، ومسؤولية أخلاقية أخرى على عاتق أصحاب الرأي في توعية الناس نحو أهمية ذلك، والضغط من أجل عدم استثناء الفلسطينيين في الخارج من أية عملية انتخابية مقبلة. ومن المهم أن يكون هناك دور لمؤسسات الدراسات والباحثين والأكاديميين، في تقديم الرؤى والأطروحات المناسبة، التي من شأنها تشكيل تصور واقعي عن ماهية المؤسسات الممثلة للفلسطينيين بالخارج، وارتباطها بالمؤسسات في الداخل على أن يكون كل منهما رافعة للآخر، مع التوازن في توزيع الاهتمام على الحقوق الوطنية والحقوق الذاتية لأفراد المجتمع.