alsharq

خالد بن غانم العلي

عدد المقالات 7

اللغة والهوية

23 ديسمبر 2021 , 10:39ص

نحتفي ونحتفل هذه الأيام باليوم الوطني لوطننا؛ وإذا كان هذا الاحتفال فرصة لنهنئ أنفسنا بميلاد الدولة، فإنه يتوجب أن أذكر نفسي أولا، وأذكركم بما تحمله هذه المناسبة من معانٍ جليلة يجب ألا ننساها أو نتناساها؛ بل يجب أن تنعكس هذه المعاني في احتفالاتنا، وأجلّ هذه المعاني هي القيم الإنسانية النبيلة، التي أُسست عليها الدولة؛ كوجوب إحقاق الحق ورفع الظلم ليس عن أهل قطر فقط؛ بل عن المظلومين أيًا ما كانوا وأينما كانوا. إن ما سطره الأولون بمثابة ذاكرة جمعية لنا، وما تم تحقيقه اليوم في الدولة، وعلى جميع الأصعدة يمثل إنجازًا كبيرًا يشهد به القاصي والداني. إن هذا التفاعل المستمر بين الحاضر والماضي هو ما يُنتج تاريخًا معاصرًا أصيلًا ينطلق من هويتنا القطرية الوطنية. وأنوه إلى أهمية الهوية في ظل هذا التواصل غير المسبوق، فنحن «طرف في صراع حضاري شئنا أم أبينا». ترتكز الهوية على عدد من الركائز، من أهمها اللغة، فهي من ضروريات الحياة، ووسيلة التواصل الإنساني، وأساس المجتمع البشري، والرابط الأساس بين أفراده، وأداة التعبير عن الفكر والإحساس والشعور، والوعاء الذي يحوي الثقافة، واعتبرها فيرمير «جزءًا لا يتجزأ من الثقافة، التي تشمل الأفكار والأعراف والعادات والتقاليد والمعتقدات، أو بمعنى آخر الهوية». يرى الكثير من الباحثين، أن اللغة هي التي تولد الهوية، وأن الهوية في جوهرها وعمومها مسألة لغوية أو ظاهرة لغوية. وأن اللغة «تعطي الأنماط التي نفكر فيها؛ بل تعطي شكلاً لعلاقاتنا بالعالم المحيط بنا، وتمكننا من تكوين ذواتنا». واللغة هي الرابط الأساس بين أفراد المجتمع، ورمز وحدتهم وهويتهم وانتمائهم، وهي أهم أدوات التفاعل وأقدمها، وهذا ما يجعل الهوية لا تنفصل عنها. وهي أعظم تجليات فكرة الوحدة لدى شعوب العالم، وتعتبر المركز لمفهوم الهوية الواسع، فهي من تنظّم التفاعلات، وتعبر عن مشاعر وأفكار الشعوب، وتعزز انتماءهم لبعضهم البعض، ومن ثم يستحيل أن يكتمل مدلولها إلا في جوهر اللغة، ولهذا يجب «أن تشغل اللغة الوطنية مكان الصدارة في تكوين الهوية، وهي العنصر الثقافي الأهم في توحيد الانتماءات الجماعية»، ولهذا لا عجب أن عرّف «فيخته»، الفيلسوف الألماني، الأمة الألمانية بأنها التي تضم جميع الذين يتكلمون اللغة الألمانية، وذهب إلى القول بأن «اللغة القومية والهوية القومية أمران متلازمان ومتعادلان». لقد أجمعت الدراسات السوشيولغوية على أن اللغة هي أحد أبرز مكونات الهوية، أي الانتماء للوطن، وبالتالي لا يمكن الفصل بين اللغة والهوية الوطنية، فهما وجهان لعملة واحدة. ينتج عن فصلهما تهتك في النسيج المجتمعي، فاللغة هي التي توحد الناطقين بها اجتماعيًا وسياسيًا وثقافيًا، ومن ثم فإن التحول عنها إلى لغة أخرى يعني التحول في الفكر والعواطف والثقافة، ولهذا اهتم المحتلون للعالم العربي بفرض لغتهم عليه لمحو ماضيه. إن الهوية ترسم للمجتمع نمط معيشته وطرق تفكيره، وتفسيره للأشياء، وتضم معتقداته وعاداته ومشاعره، وتوجهاته ومبادئه وقيمه وسلوكياته، التي من خلالها يتفاعل أفراده مع من حولهم، فهي النواة للشخصية الفردية والجماعية، والعامل الذي يحدد سلوك وشكل القرارات التي تصدر من الأفراد والجماعات، وذلك لأن اللغة سجل ينعكس فيه سلوك الأفراد والجماعات والمجتمعات والقوميات المختلفة، وأساس يتحدد عليه تمييز الهويات، فهي الثقافة والمعارف. وارتباط أبناء المجتمع بها يمنحهم كينونتهم، وشعورهم بالانتماء إلى أصل أو أصول مشتركة، فتغذي مسؤوليتهم الجماعية بضرورة استمرار مقومات الهوية واستدامة عناصرها. ومن المتوقع أن تتفاقم أزمة اللغة في المجتمعات الخليجية عامة، والقطرية خاصة، وبالتالي أزمة الهوية، ليس لتراجعها؛ بل لسيطرة اللغات الأجنبية على مؤسسات التعليم في مجتمعنا. إذ تشير الدراسات التربوية إلى أن تدريس النشء بلغة غير لغتهم الأم؛ يؤدي إلى إصابة الأطفال بالتشتت، وعدم القدرة على المواءمة بين احتياجات اللغتين، ويؤدي ذلك إلى تداعيات سلبية على شخصية الطفل وهويته. إن التعليم بلغة أجنبية أيًا كان، فيه ضياع لذاكرة الأمة ومحوها تمهيدًا للإنسلاخ عن الهوية والدين، وقد يتسبب في طمس الهوية العربية والإسلامية. إن اللغة العربية اليوم في وضع تنافسي تعددي فعلي في التعليم، مما قد يفشل القرار السياسي الراغب في تعميم اللغة العربية على المستوى الرسمي، على الرغم من وجود القوانين لذلك. وتنشأ هذه التنافسية التعددية من كون لغة تعلم المواد العلمية المتخصصة هي في كثير من الأحيان غير العربية، فكيف يمكننا التعامل مع هذه التنافسية التعددية كي نحفظ للغة العربية صدارتها في ظل مناهج حديثة علمية متخصصة؟ تساؤل نطرحه وقد لا نملك إجابة له. لكن أقترح: ألا نترك تربية الأطفال إلى من لا يتحدث اللغة العربية الصحيحة، وأن يبدأ تعليم النشء اللغات الأجنبية بعد المرحلة الابتدائية، كما هو معمول به في بعض الدول المتقدمة، وأن نعمل على تحديث المناهج التعليمية الخاصة باللغة العربية حتى تتوقف موجة العداء لها من أبنائها، وأن نعمل على بناء نموذج يُعالج هذه التعددية اللغوية في إطار تعليمي موحد، وأن نعمل على ترجمة العلوم المتخصصة، وخاصة ما يتعلق بالمناهج التعليمية وتحديثها باستمرار، وأن نضع آليات لمراقبة ورصد المخالفات، التي تقع مخالفة للقوانين والتشريعات الخاصة باللغة العربية، وأخيرًا تشجيع الدراسات العلمية المجتمعية حول التحولات في اللغة والهوية.

الشورى والديمقراطية

انتقال الأفكار والنظريات والمصطلحات من حضارة أو ثقافة إلى أخرى، أمر ضروري لتغذية الحياة الثقافية والفكرية. وقد تنبه الخوارزمي (781-850م) لأهمية الوعي بفهم أي ظاهرة معرفية، إذ رأى أنها تمثل مفاتيح العلم، لأنها «مداخل ضرورية،...

الهوية والحداثة

الحداثة مفردة نشأت في الفكر الغربي، وهي كما يقول المؤرخ الفرنسي جاك لوغوف (1924-2014) متنافية مع العتيق، وأن الوعي بمفهوم الحداثة نشأ من شعور واعٍ بالقطيعة مع الماضي. وتَصدّر هذا المفهوم المشهد في الفكر الأوروبي...

الطريق المسدود

يذكر المؤرخ برنارد لويس في كتابه «التاريخ، استذكاره، استعادته، واختلاقه»، أن الكثير من الحكومات ترجع إلى ماضٍ ضارب في القدم لاستذكار حادثة أو استعادتها أو اختلاقها من أجل إيجاد وعي ذاتي لشعوبها، وفق ما يقتضيه...

سؤال الهوية واللايقين

يلاحظ أن الكثير من الأفكار في ظل الانفتاح الثقافي، دخلت على المجتمعات العربية والإسلامية، عبر وسائل الإعلام الحديثة، ومواقع التواصل الاجتماعي، وهذه الأفكار لا تزال تتوافد، بغض النظر عن قبول هذه المجتمعات لها أو رفضها....

مرض التاريخ

استخدم نيتشه في كتابه «محاسن التاريخ ومساوئه» مصطلح «مرض التاريخ»، ولو أن أطروحته تلخصت في أن التاريخ أشد الأمراض فتكًا، لاكتفى بمساوئ التاريخ كعنوان لكتابه، والأغرب من ذلك أن الغوص في أعماق هذا الكتاب يكشف...

الديانة الصغيرة

بينما كنت أقرأ في «كتاب السلطة والمجتمع والعمل السياسي العربي أواخر العهد العثماني»، الذي طبع مرتين: الأولى في بيروت سنة 1988، والثانية سنة 2017، للدكتور وجيه كوثراني، الحائز على الدكتوراه في التاريخ من جامعة السوربون...