عدد المقالات 7
انتقال الأفكار والنظريات والمصطلحات من حضارة أو ثقافة إلى أخرى، أمر ضروري لتغذية الحياة الثقافية والفكرية. وقد تنبه الخوارزمي (781-850م) لأهمية الوعي بفهم أي ظاهرة معرفية، إذ رأى أنها تمثل مفاتيح العلم، لأنها «مداخل ضرورية، ووسائل أساسية؛ يستقدمها الدارس عند محاولته فهم أي ظاهرة معرفية، فيسعى إلى الوعي بمصطلحاتها حتى يتمثل محاملها الدلالية، وحتى يدرك مضامينها المعرفية». ولعل هذا ما أشار إليه عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو (1930-2002) حين ذكر أن انتقال النصوص باستقلال تام عن سياقاتها، أمر قد يؤدي إلى سوء الفهم. وعلى الرغم من أن الديموقراطية أصبحت في القرن العشرين حركة ذات نطاق عالمي، إلا أنها اختلفت من دولة لأخرى، ومن عصر لآخر؛ إذ إن الطبيعي أن يختلف معناها، وما تحمله من أفكار سياسية؛ وذلك حال انتقالها من البُنى الاجتماعية والثقافية والسياسية التي نشأت فيها إلى بيئة جديدة. ولذا فإن ما نشأ في الغرب قد يحمل شيئا غريبًا في سياقه الآسيوي والأفريقي، وقد يصبح أكثر غُربة عندما يرتحل إلى سياقات أكثر خصوصية على المستوى الإقليمي والوطني. يرى البعض أن التجربة الديموقراطية سُنة بشرية، جربها العالم في مناطق عديدة، منذ أقدم سجلات التصويت والانتخاب البشري في الأمم، التي سبقت اليونان بأكثر من ألفي عام، إلى القبائل التي تدبر أمورها بهذه الطريقة على وجه البسيطة في كل قارة، وإلى اليوم. ولكن هذا الرأي قد يكون غير دقيق، لأنه لو كانت الديموقراطية سُنة بشرية، فلماذا الصراعات الدامية للوصول إليها، كما تؤكد الشواهد التاريخية أنها جاءت بحكم حاجة فرضها الواقع في البيئة التي نشأت فيها، ويؤكد ذلك أنه ليس هناك تعريف محدد ومتفق عليه لمفهومها على الرغم من الانتشار الواسع لمصطلحها، ويقول فيليب غرين: «إن الديموقراطية في أواخر القرن العشرين ليست موضع خلاف فحسب؛ بل إنها بالغة الغموض أيضًا»؛ بل إن سقراط الذي نظّر لطلابه عن الديموقراطية؛ حوكم من قبل نحو 500 قاض وجدوه مذنبًا في حق أثينا وديموقراطيتها. وينظر البعض إلى أن إزالة الغموض في الاستعمالات المتعددة للديموقراطية في العصر الحديث يعتبر أمرًا مستحيلا؛ لأن هذا الغموض والتناقض متجذر في المفهوم، ويذكرون أنه في اللحظة التي نتفوّه فيها بالديموقراطية، ونعتقد أنها حميدة، لأنها «تعني حكم الشعب»، نكون قد أنشأنا تناقضًا، فمثلا يُعارض المحافظون في الولايات المتحدة برامج العمل الإيجابية باسم الديموقراطية؛ بمعناها حكم الأغلبية، بينما يؤيد الليبراليون البرامج ذاتها باسم الديموقراطية بما هي الحقوق المتساوية للأقليات، ولذا لا نتعجب إذ نجد أنفسنا أمام تسميات متعددة لها: الانتخابية، الليبرالية، النخبوية، الكلاسيكية، المباشرة، وغيرها؛ بل إن المعهد الدولي للديموقراطية ومساعدات الانتخابات IDEA، في استكهولم رفض وضع تعريف للديموقراطية، حيث يرى أن على كل جيل جديد أن يسعى لإعادة تجديد مفهومها. وتأتي أهمية الديموقراطية من المبادئ التي تنطلق منها، وهي ضمان حقوق الإنسان، وسيادة القانون، واحترام الحريات الأساسية، وتداول السلطة، والتسامح والعدالة والمساواة، ومن كونها تقوم على ثلاثة أبعاد مترابطة هي: احترام حقوق الإنسان، المواطنة، والصفة التمثيلية للمجتمع. وأقرّ الإسلام مبدأ الشورى، وترك قواعده ونُظمه للمسلمين لوضعها بحسب ما يناسبهم، ويحقق متطلباتهم المتغيرة بحسب الزمان والمكان. يقول سيد قطب (1906-1966): «أما شكل الشورى والوسيلة التي تتحقق بها، فهذه أمور قابلة للتحوير والتطوير وفق أوضاع وملابسات حياتها، وكل شكل وكل وسيلة تُتِم حقيقة الشورى لا مظهرها فهي من الإسلام»، وبالتالي ليس هناك ما يمنع شرعًا من إنجاز مجلس للشورى سواء أكان أعضاؤه معينين أو منتخبين بحسب كل دولة وظروفها، ووضعها، ووعي شعبها، ونخبها السياسية؛ بل إنه «من الواجب الذي لا يتم الواجب إلا به»، كما تقول القاعدة الفقهية. والشورى والديموقراطية إذا لم يتعلقا بالعقيدة أو بالحلال والحرام؛ فإنهما يتقاطعان في أمور كثيرة. فالأصل في الشورى، كما يقول جاسم الهيل هو استطلاع الرأي من ذوي الخبرة وأهل العلم والاختصاص؛ للتوصل إلى أقرب الأمور للحق، تفاديًا لوقوع الضرر أو تقليل آثاره. ويرى بعض المفكرين المسلمين، ومنهم محمد عمارة (1931-2020)، أن النظامين يختلفان على المستوى الفلسفي، ويتفقان في آليات الممارسة الديموقراطية؛ كالانتخابات مثلا. ولعل التجارب الديموقراطية الفاشلة منذ عشرينيات القرن الماضي تحتم علينا أن نعيد تقييم الممارسات التي نتبناها سواء من الديمقراطية أو غيرها؛ لتحسين نظام الشورى، الذي نتبناه، والذي أقرّه الإسلام، وترك لنا حرية وضع قواعده ونُظمه؛ بما يحقق متطلباتنا وحاجاتنا المتغيرة بحسب الزمان والمكان، وبما يحقق العدل والمساواة، والمواطنة الحقّة. إن رحلة كهذه مليئة بالتحديات، وتحتاج إلى إرادة جبارة ومرونة، وانفتاح من كلا طرفي المعادلة، السلطة والمجتمع، وإلا لن يُقدّر لها النجاح، وأن نرفض أي محاولة لفرض التغريب أو الجمود، لأن «الحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق بها».
الحداثة مفردة نشأت في الفكر الغربي، وهي كما يقول المؤرخ الفرنسي جاك لوغوف (1924-2014) متنافية مع العتيق، وأن الوعي بمفهوم الحداثة نشأ من شعور واعٍ بالقطيعة مع الماضي. وتَصدّر هذا المفهوم المشهد في الفكر الأوروبي...
يذكر المؤرخ برنارد لويس في كتابه «التاريخ، استذكاره، استعادته، واختلاقه»، أن الكثير من الحكومات ترجع إلى ماضٍ ضارب في القدم لاستذكار حادثة أو استعادتها أو اختلاقها من أجل إيجاد وعي ذاتي لشعوبها، وفق ما يقتضيه...
يلاحظ أن الكثير من الأفكار في ظل الانفتاح الثقافي، دخلت على المجتمعات العربية والإسلامية، عبر وسائل الإعلام الحديثة، ومواقع التواصل الاجتماعي، وهذه الأفكار لا تزال تتوافد، بغض النظر عن قبول هذه المجتمعات لها أو رفضها....
استخدم نيتشه في كتابه «محاسن التاريخ ومساوئه» مصطلح «مرض التاريخ»، ولو أن أطروحته تلخصت في أن التاريخ أشد الأمراض فتكًا، لاكتفى بمساوئ التاريخ كعنوان لكتابه، والأغرب من ذلك أن الغوص في أعماق هذا الكتاب يكشف...
بينما كنت أقرأ في «كتاب السلطة والمجتمع والعمل السياسي العربي أواخر العهد العثماني»، الذي طبع مرتين: الأولى في بيروت سنة 1988، والثانية سنة 2017، للدكتور وجيه كوثراني، الحائز على الدكتوراه في التاريخ من جامعة السوربون...
نحتفي ونحتفل هذه الأيام باليوم الوطني لوطننا؛ وإذا كان هذا الاحتفال فرصة لنهنئ أنفسنا بميلاد الدولة، فإنه يتوجب أن أذكر نفسي أولا، وأذكركم بما تحمله هذه المناسبة من معانٍ جليلة يجب ألا ننساها أو نتناساها؛...