عدد المقالات 7
يلاحظ أن الكثير من الأفكار في ظل الانفتاح الثقافي، دخلت على المجتمعات العربية والإسلامية، عبر وسائل الإعلام الحديثة، ومواقع التواصل الاجتماعي، وهذه الأفكار لا تزال تتوافد، بغض النظر عن قبول هذه المجتمعات لها أو رفضها. وتبذل حكومات هذه المجتمعات جهودا حثيثة؛ لأجل الحفاظ على هوية مجتمعاتها، إلا أن القلق المجتمعي من هذه الأفكار الوافدة لا يزال مستمرا، مما يولد شعورًا بعدم الأمان لإحساسهم بأن قيمهم وعاداتهم وتقاليدهم مهددة، ما يوجد نوعا من القلق في هذه المجتمعات، وحالة من عدم الاستقرار النفسي. ويذكر زيجمونت باومان أننا نعيش اليوم حياة سائلة، لم يعد فيها شيء صلب، أي ذابت فيها الثوابت التي يتكئ عليها الإنسان، وتشكّل سلوكه القائم على الدين والقيم وغيرهما؛ بل أصبح التغيير وعدم الاستقرار هو الثابت. وأدخلت هذه الحالة من السيولة المجتمعات في حالة من اللايقين، أي الخوف المستمر مما سيأتي به المستقبل. وإذا كان هذا المقال يركز على القيم، إلا أن حالة اللايقين يمكن تتبعها في قضايا ومسائل أخرى كثيرة. تنقلنا هذه المقدمة إلى سؤال مهم، ألا وهو سؤال الهوية: هل يوجد في ظل هذه الحياة السائلة مكان للهوية الوطنية؟ كما هو معلوم، تقوم الهوية على مرتكزات صلبة، كالدين، والتاريخ المشترك، والوطن، في حين أن الحياة السائلة تحاول إذابة هذه المرتكزات، لأنها تخالف ما تروج له. وتركز الحياة السائلة على الفرد لا المجتمع، فكل فرد يصبح كالصياد، بحسب تعبير باومان، يخرج من بيته كل يوم واضعا نصب عينيه الفريسة التي سوف يصطادها، ومحركه هو الاستهلاك، ويذكر أن المجتمعات انتقلت من تبنيها فكرة الشهيد، الذي يقدم الآخرة على الدنيا، إلى فكرة البطل، الذي يجمع بين الحسنيين، انتهاءً بالمشاهير الذين ضج بهم الفضاء الإعلامي والاجتماعي، والذين في غالبهم يقدمون الدنيا على الآخرة، وكل همهم هو نشر فكرة الاستهلاك، وبالتالي ينقلون إلى مجتمعاتهم فكرة الحياة السائلة، بوعي أو من دون وعي منهم. والغريب أنه وبالرغم من وعي أفراد المجتمع بهذه المسألة، وقلقهم إزاءها، من واقع خشيتهم على مستقبل أبنائهم ووطنهم، إلا أن تأثيرهم يعتبر ضعيفًا نسبيًا مقارنة بتأثير الحياة السائلة، التي تجتاح المجتمعات. وقد تنبه الكثير من المفكرين الأوروبيين لهذا الأمر، وتحدثوا عن خطورته على مجتمعاتهم، ونحن في المقابل علينا أن نعتبر ونتنبه إلى خطورته، التي أصبحنا نستشعرها هنا وهناك، ومن حين لآخر، فالحياة السائلة بدأت تظهر، وتكشف القناع عن وجهها. وخلاصة القول؛ إن الحياة السائلة هي نقض للهوية الوطنية وتمييع لها، وعلينا في المقابل رفضها والتمسك بالمرتكزات الصلبة، كالدين والقيم، التي يستمد منها المجتمع ثوابته، والتي تتشكل من خلالها هويته الوطنية، ولابد أن نهتم بالقضايا الرئيسة كالكرامة الإنسانية، والتي تتناول قيم العدل والحرية والرحمة، وهو ما يتنافى مع الاستغراق في أمور الذات، والغرق في الملذات الشخصية. كما علينا أن نعي قيمة الوقت، حيث لم يعد له في ظل الحياة السائلة أي قيمة، وأصبح الفرد يستهلك وقته فيما لا طائل من ورائه ولا فائدة. كما يجب علينا أن نعيد النظر في مفهوم العلم ونظرتنا إليه، فقد آن الأوان أن نتحول من مجرد مستهلكين إلى منتجين نسهم في إنتاج ما يخدمنا ويخدم البشرية. تلعب الحياة السائلة دورًا خطيرًا في إعادة الروابط بين الفرد والآخر، سواء على مستوى الأسرة أو المجتمع أو المجتمعات والثقافات الأخرى، وسيؤدي ذلك بدوره إلى تحطم هذه الروابط، وبالتالي حدوث النزاعات بين أفراد الأسرة، وبين أفراد المجتمع، وبين المجتمعات وبعضها البعض، وقد يؤدي ذلك إلى صراع داخل الفرد نفسه. وختامًا، لابد من التعاون، وعقد اجتماعات حوارية مكثفة بين كافة شرائح المجتمع ومؤسسات الدولة؛ لمناقشة هذه القضية الخطيرة، التي بات تأثيرها واضحًا على المجتمع، ولا نملك فكرة واضحة عنها؛ بل لا نفهمها من أجل دراستها، ومعرفة تداعياتها على المجتمع، ووضع الحلول الناجعة بشأنها. ويجب أن تكون هذه الحلول بمثابة التحصين الفعال؛ لمواجهة تحديات الحياة السائلة، فالتحصين لن يكون ببناء سياج حولنا، يحول بيننا وبين الحياة السائلة، وإنما برفع مناعة المجتمع الداخلية حتى يتمكن من التصدي لها ومقاومتها.
انتقال الأفكار والنظريات والمصطلحات من حضارة أو ثقافة إلى أخرى، أمر ضروري لتغذية الحياة الثقافية والفكرية. وقد تنبه الخوارزمي (781-850م) لأهمية الوعي بفهم أي ظاهرة معرفية، إذ رأى أنها تمثل مفاتيح العلم، لأنها «مداخل ضرورية،...
الحداثة مفردة نشأت في الفكر الغربي، وهي كما يقول المؤرخ الفرنسي جاك لوغوف (1924-2014) متنافية مع العتيق، وأن الوعي بمفهوم الحداثة نشأ من شعور واعٍ بالقطيعة مع الماضي. وتَصدّر هذا المفهوم المشهد في الفكر الأوروبي...
يذكر المؤرخ برنارد لويس في كتابه «التاريخ، استذكاره، استعادته، واختلاقه»، أن الكثير من الحكومات ترجع إلى ماضٍ ضارب في القدم لاستذكار حادثة أو استعادتها أو اختلاقها من أجل إيجاد وعي ذاتي لشعوبها، وفق ما يقتضيه...
استخدم نيتشه في كتابه «محاسن التاريخ ومساوئه» مصطلح «مرض التاريخ»، ولو أن أطروحته تلخصت في أن التاريخ أشد الأمراض فتكًا، لاكتفى بمساوئ التاريخ كعنوان لكتابه، والأغرب من ذلك أن الغوص في أعماق هذا الكتاب يكشف...
بينما كنت أقرأ في «كتاب السلطة والمجتمع والعمل السياسي العربي أواخر العهد العثماني»، الذي طبع مرتين: الأولى في بيروت سنة 1988، والثانية سنة 2017، للدكتور وجيه كوثراني، الحائز على الدكتوراه في التاريخ من جامعة السوربون...
نحتفي ونحتفل هذه الأيام باليوم الوطني لوطننا؛ وإذا كان هذا الاحتفال فرصة لنهنئ أنفسنا بميلاد الدولة، فإنه يتوجب أن أذكر نفسي أولا، وأذكركم بما تحمله هذه المناسبة من معانٍ جليلة يجب ألا ننساها أو نتناساها؛...