عدد المقالات 7
يذكر المؤرخ برنارد لويس في كتابه «التاريخ، استذكاره، استعادته، واختلاقه»، أن الكثير من الحكومات ترجع إلى ماضٍ ضارب في القدم لاستذكار حادثة أو استعادتها أو اختلاقها من أجل إيجاد وعي ذاتي لشعوبها، وفق ما يقتضيه السياق الذي تعيشه، ويضرب لهذا مثالين، الأول استعادة الشاه الفارسي لتاريخ الملك قورش (560-529ق. م.)، أما المثل الثاني فاختلاق الكيان الصهيوني لحادثة «مسادا»، التي حدثت في عام 66م، وهي آخر قلعة يهودية سقطت في أيدي الرومان أثناء التمرد اليهودي الأول ضد الإمبراطورية الرومانية، لتكون احتفالا تعيد فيه دولة الاحتلال مراسم الدفن في مقبرة عسكرية للعظام التي عثر عليها في أنقاض «مسادا»، ومنْحها مرتبة الشرف الكاملة. ويذكر عبد الوهاب المسيري في كتابه «موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية»أن بعض علماء الآثار اليهود يؤكدون أن قصة «مسادا» خرافية وأسطورة ملفقة، إذ لا يمكن البرهنة تاريخيًا عليها من خلال الاكتشافات الأثرية، التي تستند إليها هذه القصة، والمصدر الوحيد لها هو اليهودي يوسيفوس، وهو مؤرخ لا يُعتد به، ويصفه برنارد لويس بالمارق. ولقد تم استعادة هذه الحادثة؛ بهدف بعث الوعي الصهيوني، والتذكير بأن مشروعهم في فلسطين والدفاع عنه ليس خيارًا، ولا يمكن أن يسقط كما سقطت «مسادا» في الماضي، وما يثير الدهشة أن هذا الحدث كان منسيًا، كما يذكر لويس، بل إنه يذهب إلى القول بأن التراث الحاخامي اليهودي وما سواه لا يعرف عنه شيئًا. وقبل أن أربط بين حادثة «مسادا» وطوفان الأقصى، أقول إنه لمن المؤسف أن بعض المثقفين والأكاديمين الخليجيين، عملوا على إعادة كتابة تاريخ مجتمعاتهم بطريقة مختلفة، فقد كتبوه واستذكروه واستعادوه بطريقة سلبية لا تعمل على تعزيز الوعي بالذات والهوية؛ وإنما لخدمة أيديولوجيا بعينها، فجاءت الاستعادة مشوهة، تتنافى مع القيم السائدة، ومع ذهنية المجتمع الذي حاولوا إعادة بنائه، وهو مجتمع الغوص على اللؤلؤ في الخليج العربي، حيث وصفوه بأنه «شبه اقطاعي»، وأن العاملين في هذه المهنة كانوا عبيدًا مملوكين للنواخذه والطواويش، ويبدو ذلك واضحًا خاصة في كتاب محمد الرميحي «الخليج ليس نفطًا». إن كتابة التاريخ الوطني من قبل الآخر قد يؤدي إلى اختلاقه وتزييفه، فمثلا لو أردنا البحث عن تاريخ قطر في الموسوعة الحرة (ويكيبديا)، سنجد أن الكثير من حوادثه كُتبت من وجهة نظر غير قطرية، وبالتالي أغفلت الكثير من الحقائق، وجانبها الموضوعية، والأمثلة في ذلك أكثر من أن تحصى. والأخطر من ذلك أن محاولة التعديل على المحتوى المنشور في الموسوعة الحرة شبه مستحيلة، أو بمعنى آخر لا تمنح الموسوعة الحرة حرية التعبير، ولا تتيح الفرصة للتعبير عن الرأي الآخر. وعلينا أن نتذكر دائمًا، أن الهدف من إعادة قراءة أو كتابة التاريخ هو تحقيق رؤية جديدة للماضي وفق معطيات الحاضر، وتطلعات المستقبل. وبمناسبة طوفان الأقصى، بين المقاومة الفلسطينية والعدو الصهيوني، نود أن نعرج على ما ذكره لويس من أن استعادة حادثة «مسادا»؛ قد تكون أداة لتدمير الذات، لدولة الاحتلال، والولوج بها إلى طريق تاريخي مسدود. ويرى أن سبب ذلك يرجع إلى أنهم استعادوا من التاريخ حادثة كانت نهايتها السقوط، والقرآن الكريم متحديًا حواجز الغيب، يخبرنا بأن مستقبل الكيان الصهيوني هو السقوط، يقول الحق سبحانه وتعالى «فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا» (الإسراء: آية 7). إن طوفان الأقصى، سيكون بعون الله، ثم بفضل التضحيات التي يقدمها إخواننا في فلسطين، بداية تَحقُّق تلك النبوءة، وزوال دولة الاحتلال، بالدخول في طريق مسدود، تاريخيًا وقرآنيًا، لتسقط كما سقطت «مسادا».
انتقال الأفكار والنظريات والمصطلحات من حضارة أو ثقافة إلى أخرى، أمر ضروري لتغذية الحياة الثقافية والفكرية. وقد تنبه الخوارزمي (781-850م) لأهمية الوعي بفهم أي ظاهرة معرفية، إذ رأى أنها تمثل مفاتيح العلم، لأنها «مداخل ضرورية،...
الحداثة مفردة نشأت في الفكر الغربي، وهي كما يقول المؤرخ الفرنسي جاك لوغوف (1924-2014) متنافية مع العتيق، وأن الوعي بمفهوم الحداثة نشأ من شعور واعٍ بالقطيعة مع الماضي. وتَصدّر هذا المفهوم المشهد في الفكر الأوروبي...
يلاحظ أن الكثير من الأفكار في ظل الانفتاح الثقافي، دخلت على المجتمعات العربية والإسلامية، عبر وسائل الإعلام الحديثة، ومواقع التواصل الاجتماعي، وهذه الأفكار لا تزال تتوافد، بغض النظر عن قبول هذه المجتمعات لها أو رفضها....
استخدم نيتشه في كتابه «محاسن التاريخ ومساوئه» مصطلح «مرض التاريخ»، ولو أن أطروحته تلخصت في أن التاريخ أشد الأمراض فتكًا، لاكتفى بمساوئ التاريخ كعنوان لكتابه، والأغرب من ذلك أن الغوص في أعماق هذا الكتاب يكشف...
بينما كنت أقرأ في «كتاب السلطة والمجتمع والعمل السياسي العربي أواخر العهد العثماني»، الذي طبع مرتين: الأولى في بيروت سنة 1988، والثانية سنة 2017، للدكتور وجيه كوثراني، الحائز على الدكتوراه في التاريخ من جامعة السوربون...
نحتفي ونحتفل هذه الأيام باليوم الوطني لوطننا؛ وإذا كان هذا الاحتفال فرصة لنهنئ أنفسنا بميلاد الدولة، فإنه يتوجب أن أذكر نفسي أولا، وأذكركم بما تحمله هذه المناسبة من معانٍ جليلة يجب ألا ننساها أو نتناساها؛...