


عدد المقالات 307
من شاهد وعايش حالات التقارب والتعاضد والتواؤم في ساحات الاحتجاج عام 2011 ما كان ليتصور أنها ستتحول إلى حالات تباعد وتباغض وتحارب في الساحات ذاتها سنة 2013. من دون أي جهد أو ترتيب أعادت الانتفاضات الشعبية تأكيد ترابط البلدان والمجتمعات العربية، فكان لما يجري في أحدها أكثر من مجرد صدى في مختلف الأرجاء، بل كان هناك تفاعل معه ومشاعر عامة بأن صفحة جديدة تفتح من المحيط إلى الخليج، وليس ضروريا أنها ستتشابه بأحداثها وتقلباتها، فلكل بلد ظروفه وخصوصياته. باتت الانقسامات العمودية الحادة تذهل القاصي والداني بتفاصيلها، ولم تعد تقتصر على مواضعها الغارقة في عراكاتها، بل أصبحت شبه معممة على البيئات الأخرى. لم يكن ما جرى في لبنان منذ 2005 قد أثار الانفعالات نفسها عربيا، ربما بسبب الاعتياد على أن هذا البلد الصغير مخترق إقليمياً ودولياً، وأن الحرب الأهلية صارت طبيعة ثانية له نظرا لتعدد طوائفه ومذاهبه غير المتوافقة في معظم الأحيان، لكن التجربة دلت دائما إلى أن ما تشهده الساحة اللبنانية يكون إما تصفية لاحتقانات عربية أو إرهاصا لأحداث أكبر سيكون الإقليم مسرحا لها. ورغم عدم تطابق الظروف فإن ما يدور في العراق منذ أواخر 2003، وفي سوريا منذ خريف 2011، يكاد يكون تطبيقا واسعا لحرب لبنانية مستمرة من 1975 وإن مرت بهدنات عديدة تبين أنها هشة ومخادعة. وإذ أنكر العراقيون والسوريون وينكرون الطبيعة الطائفية لصراعاتهم، إلا أن التعدد الطائفي إياه والواقع على الأرض تجاوزا الثقافة اللاطائفية (غير الممأسسة) التي شبوا عليها. المؤكد أن الداء الطائفي ليس السبب ولا التفسير الوحيد لما تشهده هذه البلدان الثلاثة، فثمة صراعات سياسية وتنافسات خارجية على الهيمنة والنفوذ تتسبب بتلك الانقسامات أو تكمن وراءها. لذلك يتشابه الكثير من الظواهر مع ما نراه في مصر وتونس وليبيا، وما قد نراه في اليمن، حيث تعيش المجتمعات احتكاكات ساخنة بين مكوناتها، وهو ما لم يكن متاحا في ظل الدولة القمعية وقبل سقوطها. صحيح أن المعضلة ليست «طائفية» في مصر أو في تونس، لكن وقائعها بين إسلاميين وغير إسلاميين ظهرت وكأنها بين إسلاميين متعادين أو بين مسلمين وغير مسلمين. ولأن الخيارات المستقبلية تصنع الآن، وعلى خلفية أوضاع اقتصادية بالغة السوء واستقطابات خارجية فجة، كان من الطبيعي أن يشتعل صراع الإرادات والطموحات. ليس سهلاً على أي مجتمع أن يرغم على العودة إلى الوراء بجرة قلم في كتابة الدستور وبـ «توافق» مصطنع، أو على سلوك طريق لا يرى فيه مصلحة لأجياله الطالعة. تعلم عرب البلدان المتحولة وغير المتحولة بعد دروس شتى مما شاعت تسميته بـ «الربيع العربي» – ولم يعد أحد يجرؤ على تكرارها بعدما سفكت الدماء. من أهم الدروس أن صناديق الاقتراع ليست مؤهلة لإظهار صورة واقعية عن المجتمع، وينبغي عدم الحياء والخوف من الاعتراف بهذه الحقيقة وقد بانت معالمها بوضوح في تجربتي مصر وتونس. ثم إن كتابة الدستور مسألة أكثر حساسية من أن يركن فيها إلى الغلبة الانتخابية على افتراض أنها أصيلة، فالدستور يجب أن يكون له بعد شعبي لا شك فيه، لكن يجب أن تكون له أبعاد حضارية «تاريخية، ورؤيوية» عصرية، مستندة أساسا إلى حقائق البلد. والأهم أنه يجب أن يقر بأن الثورات والانتفاضات فجرت وعي الشعوب فأصبحت أكثر تدقيقا في ما يرسم لها وما إذا كان يؤسس لاستبداد جديد بلباس ديني أو عسكري متنكر بزي مدني. ومن الدروس أيضا أن التشريعات السابقة لم تكن سيئة برمتها ولا مخالفة للشريعة بل كانت تطبق بطريقة تخدم السلطة المستبدة، وبالتالي فإن الفئة الجديدة التي باتت تصل إلى السلطة، بالانتخاب، ليست حرة التصرف بل ملزمة أولا حسن التطبيق تحقيقا للعدالة. ولعل إغراق النقاش بتفسيرات الشريعة وتطبيقها أثار الشكوك في أهداف الأحزاب ذات الخلفية الدينية ومفهومها لممارسة السلطة. هناك فوارق كثيرة، جوهرية وعميقة، بين تجارب البلدان المتحولة، لكن مسائل الدين وتطبيقاته تكاد تكون مشتركة في ما بينها، وهذا ما يجعل الانقسامات نفسها عابرة للحدود. ومع أن الدين واحد، إلا أن أشكال الدولة والنظم تختلف، كذلك أنواع الاستبداد تراوح بين القمع والوحشية بل البلوغ بالوحشية حد استخدام سلاح الإبادة ضد الشعب. لا ريب في أن المجتمعات متعددة الأديان لا يستقيم عدل ولا حكم إلا في ظل دولة مدنية تعلي قيم المواطنة والمساواة والحرية، لكن حتى في المجتمعات التي يغلب عليها الدين الواحد لا حل لتعدد الاجتهادات الإسلامية وللتنوع الثقافي القائم إلا باعتماد القيم ذاتها. ذاك أن البديل لا يتمناه أحد. لعل هذا «البديل» هو ما نراه ونعيشه الآن من احتراب الشعوب في ما بينها، ومن دفع للدين إلى بؤرة الصراع كما لو أن الإسلام عاد إلى أوائل أيام الدعوة أو أن المسلمين منخرطون في حروب الردة. حتى في أيام الأنظمة المخلوعة لم نعرف هذا التكاره والعداء بين الناس، فقد كانوا معا في المعاناة من الظلم والاستبداد، وإذا بهم يتفرقون حين صارت خياراتهم حرة، بل أصبح واحدهم يجهر بتمنيه أن يختفي الآخر ويزول. لم تعد الحاجة ماسة إلى حلول سياسية فحسب بل إلى حلول سحرية لتبديد هذه العداوات غير المسبوقة حتى داخل البيت الواحد، وداخل الأسرة الواحدة أحيانا.
لفت المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا غسان سلامة، بعد صمت أربعة أشهر منذ استقالته، إلى أن هذه الاستقالة كانت قراراً متأخراً. هو لم يقل ذلك، لكن تركيزه على الإحباط الذي سبّبه هجوم خليفة حفتر على...
في جلسة مجلس الأمن، الأربعاء الماضي، قيل الكلام الأخطر والأسوأ للتحذير من جريمة إسرائيلية يجري ارتكابها علناً. إذا كان هذا المجلس بمثابة مرجع «قضائي»، باعتبار أن الشعوب تشكو إليه ما تعتبره مظلمة تقع بها، أو...
هل كانت شهادة جون بولتون لتغيّر كثيراً في محاولة تنحية دونالد ترمب؟ يحاول مستشار الأمن القومي السابق الإجابة في مذكراته عن الفترة التي أمضاها في المنصب، المفارقة من جهة أن بولتون يصف رئيسه بأنه غير...
فجأة تحوّلت التماثيل والنصب التذكارية من معالم تاريخية ومفاخر تاريخية وجواذب سياحية، إلى رموز خزي وعار وموضع إدانة ومساءلة، أصبحت آيلة للإزالة ليس من أمام الأنظار فحسب، بل أيضاً من الذاكرة والسجلات، وحتى من التعليم...
لم يخطئ دونالد ترمب أبداً بالنسبة إلى معاييره الشخصية، حتى في مقاربته لواقعة مصوّرة، مثل قتل الشرطي الأبيض ديريك شوفين المواطن الأسود جورج فلويد؛ إذ أذهل الرئيس الأميركي مواطنيه جميعاً بتعامله الفظّ مع ردود الفعل...
ما يظهر على السطح رفضٌ واستنكارٌ دولي لعملية ضم إسرائيل 30 % من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية. ما يحدث تحت السطح أن حكومة الائتلاف اليميني باشرت إجراءات الضمّ هذه على الأرض، ولا تنتظر الموعد...
وسط عشرات المسلسلات الدرامية في الموسم الرمضاني، وسوادها الأعظم رديء، كان من الطبيعي أن يبرز واحدٌ من خارج السباق، ومن الواقع المعاش لا من قصص متخيّلة أو مقتبسة. أُعطي أسماء عدة، لكن أفضلها كان «صراع...
لكي يخرق وزير الخارجية الأميركي الحظر «الكوروني» ويسافر إلى إسرائيل، ذهاباً وإياباً من دون توقّف، لا بدّ أن ثمّة شديداً قوياً يتطلّب ضبطاً، رغم أن طبيعة العلاقة بين إدارة دونالد ترمب وبنيامين نتنياهو لا تعاني...
مع رئيس الوزراء الجديد يفتح العراق صفحة غير مسبوقة، منذ سقوط النظام السابق، ذاك أن مصطفى الكاظمي لا ينتمي إلى أي حزب عقائدي ديني، كما كان أسلافه إبراهيم الجعفري، ونوري المالكي، وحيدر العبادي، وعادل عبد...
السؤال مطروح غرباً وشرقاً، سواء باسترشاد ما يُعتقد أن مكافحة الصين لوباء «كورونا» كانت نمطاً نموذجياً لم يتمكّن العالم الغربي من اتباعه، ولذا فقد تبوأ المراتب الأولى في أعداد الإصابات والوفيات، أو ما يمكن أن...
ملامح كثيرة للتغييرات المقبلة بدأت تتراءى أمام العيون وفي المخيّلات وفي دروس المحنة الفيروسية على كل المستويات الفردية والجماعية، بغضّ النظر عما إذا عانى الشخص أو لم يعانِ فقداً في عائلته أو صداقاته، وعن مدى...
لن تختلف تقديرات الخسائر كثيراً في حال «كورونا» عما هي في أي حرب عالمية. ولا يمكن توجيه اللوم لجهة أو لأحد بالنسبة إلى الوباء، رغم أن الانفعالات اندفعت هنا وهناك إلى مزالق سياسية وعنصرية شتّى،...